332

مصر په د نهیم پېړۍ پیل کې

مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)

ژانرونه

وأما عمر مكرم فقد طالت إقامته بدمياط وهو ينتظر الفرج وقد أبطأ عليه، وهو ينتقل من المكان الذي هو فيه إلى مكان آخر على شاطئ البحر، وتشاغل بعمارة خان أنشأه هناك، والحرس ملازمون له، فلم يزل حتى ورد عليه صديق أفندي قاضي العسكر، فكلمه بأن يتشفع له عند الباشا في انتقاله إلى طندتاء (طنطا) ففعل، وأجاب الباشا إلى ذلك. وحوالي منتصف أبريل 1812، انتقل عمر مكرم إلى طنطا، فظل مقيما بها حتى شهر ديسمبر من عام 1818، فأذن له الباشا بالعودة إلى القاهرة.

وكان عمر مكرم عندما حصلت النصرة والمسرة للباشا بانتصاره في حرب الوهابية، قد أوفد حفيده السيد صالح بكتاب تهنئة لمحمد علي، وكان هذا وقتئذ بالإسكندرية، «فتلقاه بالبشاشة وطفق يسأله عن جده، فيقول له بخير ويدعو لكم، فقال له: هل في نفسه شيء أو حاجة نقضيها له؟ فقال: لا يطلب غير طول البقاء لحضرتكم، ثم انصرف إلى المكان الذي نزل به، فأرسل الباشا إليه في ثاني يوم عثمان السلانكلي - وقد صار قابجي باشا بعد قليل - ليسأله ويستفسره عما عسى أن يستحي من مشافهة الباشا بذكره، فلم يزل يلاطفه حتى قال: لم يكن في نفسه إلا الحج إلى بيت الله إن أذن له أفندينا بذلك، فلما عاد بالجواب، أنعم بذلك وأذن له بالذهاب إلى مصر وأن يقيم بداره إلى أوان الحج إن شاء برا وإن شاء بحرا، وقال: أنا لم أتركه في الغربة هذه المدة إلا خوفا من الفتنة، والآن لم يبق شيء من ذلك، فإنه أبي، وبيني وبينه ما لا أنساه من المحبة والمعروف، وكتب له جوابا بالإجابة.»

وقد أثبت الشيخ الجبرتي صورة هذا الجواب، وهو يدل على ما يكنه محمد علي له من احترام وود، وينهض دليلا بعد كل هذه السنوات الطوال على أن الباشا عندما ألح في مقابلة عمر مكرم وطلوع هذا إليه في القلعة لإنهاء الأزمة التي أفضت إلى نفيه، كان صادق النية وقتئذ في إزالة أسباب الجفوة بينهما، واسترضاء عمر مكرم، لا عن خوف من تأليب هذا للرعية عليه وإنزاله من الحكم الذي قال إنه أصعده إليه، ولكن عن عطف وإشفاق من أن تنقطع صلاته بالرجل الذي عاضده في كل أزماته السابقة منذ توليه الباشوية، ولم يفسد مسعى الباشا سوى عناد عمر مكرم واغتراره بالتفاف طائفة من المتعممين حوله، ودخول الغفلة عليه من جراء نفاق الأشياخ معه ومداهنتهم له، ثم كبريائه الذي جعله يشتط في إصراره على إذلال محمد علي، وعلى التمسك بمعارضته له حتى بعد أن تبين له انفضاض الأشياخ من حوله بالرغم من اليمين التي حلفوها على الاتحاد والتعاضد ضد سلطان الباشا.

وكتاب محمد علي إلى السيد عمر كتاب مشهور، سماه فيه الباشا بوالده، بدأه بقوله: إلى «مظهر الشمائل سنيها، حميد الشئون وسميها، سلالة بيت المجد الأكرم، والدنا السيد عمر مكرم دام شأنه»، ثم راح يشكره على تهنئته له على ذلك الانتصار الذي كان مجلبة لثناء السيد، وأعلى الباشا بنيل مناه، ويبلغه إذنه له بالحج إلى بيت الله الحرام؛ تقربا لذي الجلال والإكرام ورجاء لدعوات السيد بتلك المشاعر العظام، ويسأله ألا يدع الابتهال ولا الدعاء له، ثم إن الباشا بعث إليه مع كتابه هذا كتابا آخر باسم الكتخدا بك محمد آغا لاظ، حتى يسهر على راحته بالقاهرة.

وأرسل محمد علي كتابا إلى كتخدا بك غير الذي بعث به إلى السيد عمر مكرم، ووصل هذا الكتاب قبل وصول السيد إلى القاهرة، وأرسل كتخدا بك ترجمانه إلى منزل السيد ليبشرهم بذلك، وأشيع خبر مقدمه، فكان الناس بين مصدق ومكذب، حتى وصل عمر مكرم إلى بولاق في 9 يناير 1819، «فركب من هناك وتوجه إلى زيارة الإمام الشافعي، وطلع إلى القلعة، وقابل الكتخدا وسلم عليه، وهنأ الشعراء بقصائدهم، وأعطاهم الجوائز، واستمر ازدحام الناس أياما ، ثم امتنع عن الجلوس في المجلس العام نهارا، واعتكف بحجرته الخاصة، فلا يجتمع به إلا بعض من يريده من الأفراد، فانكف الكثير عن الترداد.» وقال الشيخ الجبرتي: «وذلك من حسن الرأي»، ولم يحج إلى بيت الله الحرام لضعفه.

ولكن لم يكن مقدرا أن يبقى السيد عمر طويلا بالقاهرة يمضي ما تبقى له من حياة في شيخوخة هادئة؛ إذ لم يلبث أن حدث بعد عامين تقريبا أن قامت اضطرابات بالقاهرة بسبب تذمر القاهريين من ضريبة فرضها الباشا على المنازل، واشتدت الفتنة، وظن محمد علي أن للسيد عمر يدا فيها، فأمره بمغادرة القاهرة في منتصف أبريل 1822، منفيا إلى طنطا؛ حيث أقام بها إلى أن أدركته الوفاة، وهو في حوالي السبعين من عمره. (6) خاتمة المطاف بالمشايخ

انفسح المجال لمشايخ الوقت بنفي عمر مكرم إلى دمياط (في أغسطس 1809)، ونال الشيخ محمد المهدي مكافأته على سعيه ضده في اليوم نفسه الذي غادر فيه السيد عمر القاهرة، فحضر في صبح ذلك اليوم عند الباشا وطلب وظائف السيد عمر، فأنعم عليه الباشا بنظر أوقاف الإمام الشافعي، ونظر وقف سنان باشا ببولاق، وذلك بناء على طلبه، وكان الوقفان تحت يد السيد عمر ويتحصل منهما مال كثير، وزيادة على ذلك حاسب الشيخ المهدي على المنكسر له من راتب الغلال مدة أربع سنوات كان قد غابها عن القاهرة، فأمر الباشا بدفعها له من خزينته نقدا، وقدرها خمسة وعشرون كيسا، وذلك في نظير اجتهاده في خيانة السيد عمر حتى أوقعوا به ما ذكر، وعند ذلك رجع الشيخ إلى حالته الأولى التي كان قد انقبض عن بعضها من كثرة السعي والترداد على الباشا وأكابر دولته في القضايا والشفاعات وأمور الالتزام والفائظ والرزق والأطيان وما يتعلق به في بلاد الصعيد والفيوم، ومحاسبة الشركاء، وازدحمت عليه الناس.

وكان محمد السادات قد تولى نقابة الأشراف منذ 9 أغسطس 1809، وأقبل على الدنيا، وأنشأ دارا عظيمة، ولكنه لم يلبث أن مرض ثم توفي في 21 مارس 1813، وتقلد نقابة الأشراف، الشريك الآخر في الوقيعة بالسيد عمر مكرم، الشيخ محمد الدواخلي ، «فركب الخيول ولبس التاج الكبير، ومشت أمامه الجاويشية والمقدمون وأرباب الخدم، وازدحم بيته بأرباب الدعاوى والشكاوى، وعمر دار سكنهم القديمة وأدخل فيها دورا وأنشأ تجاهها مسجدا لطيفا وعمر دارا أخرى أسكنها إحدى زوجاته. وداخله الغرور وظن أن الوقت قد صفا له، وصار من أعيان الرءوس يطلع وينزل في كل ليلة إلى القلعة، ويشار إليه، ويحل ويعقد في قضايا الناس ، ويسترسل معه الباشا، وداخله الغرور الزائد، وصار يتطاول على كبار الكتبة الأقباط وغيرهم، ويراجع الباشا في مطالبه إلى أن ضاق الباشا منه، وأمر بإخراجه ونفيه إلى دسوق (عام 1816) فأقام بها أشهرا، ثم توجه بشفاعة السيد محمد المحروقي إلى المحلة الكبرى، فلم يزل بها متعلق الحواس منحرف المزاج متكدر الطبع، وكل قليل يراسل السيد المحروقي في أن يشفع فيه عند الباشا وليأذن له في الحج، ومرة يحتج بالمرض ليموت في داره، فلم يؤذن له في شيء من ذلك، ولم يزل بالمحلة حتى توفي» في 23 يناير 1818. وكان تعليق الشيخ الجبرتي على نفي الدواخلي أن ما وقع له «إنما هو قصاص وجزاء فعله في السيد عمر مكرم، فإنه كان من أكبر الساعين عليه إلى أن عزلوه وأخرجوه من مصر (القاهرة) والجزاء من جنس العمل.»

وأما الشيخ عبد الله الشرقاوي فقد توفي في 9 أكتوبر 1812، وكانت وفاته مثار خلاف بين المشايخ على مشيخة الأزهر، فتحزب هؤلاء شيعا متفرقة، بعضها يؤازر محمد المهدي، والبعض الآخر الشيخ محمد الشنواني، وفريق ثالث يرشح الشيخ بدوي الهيتمي، وفاز محمد المهدي بها ليوم أو اثنين فحسب، ثم قر الرأي على اختيار محمد الشنواني لها.

على أن المشايخ بعد نفي عمر مكرم كان قد انخفض شأنهم كثيرا، وساعد على ذلك أن نفرا من أبناء أصحاب المظاهر المتعممين كانوا قد ألفوا من بينهم عصابة، يقفون بالليل في صحن الأزهر لسلب من يعثرون عليه منفردا واستمر الحال على ذلك مدة، «وكذلك أخرجوا طائفة من القوادين والنساء الفواحش سكنوا بحارة الأزهر، واجتمعوا في أهله، حتى إن أكابر الدولة وعساكرهم، بل وأهل البلد والسوق جعلوا سمرهم وديدنهم ذكر الأزهر وأهله ونسبوا له كل رذيلة وقبيحة، ويقولون: نرى كل موبقة تظهر منه ومن أهله، وبعد أن كان منبع الشريعة والعلم، صار بعكس ذلك، وقد ظهر منه قبل الزغلية، والآن الحرامية، وأمور غير ذلك مخيفة»، وتوالى وقوع الحوادث بخط الجامع الأزهر من سرقات وضياع أمتعة من الدور والحوانيت، وتكرر ذلك حتى ضج الناس وكثر لغطهم، واتضح أن جماعة من المجاورين هم الذين يسرقون ولم ينقطع ذلك حتى اقتصوا ممن ثبتت عليهم التهمة (في مايو 1812).

ناپیژندل شوی مخ