322

مصر په د نهیم پېړۍ پیل کې

مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)

ژانرونه

وبدلا من تهدئة العامة - كما صار يفعل الشيخ الجبرتي - تزعم عمر مكرم هذه الثورة الفاشلة، فكان هو والسيد أحمد المحروقي من بين الذين سارعوا إلى التلول خارج باب النصر، وانضم إليهما أتراك خان الخليلي والمغاربة الذين بمصر (القاهرة) ... وتبعهم كثير من عامة أهل البلد وبأيديهم النبابيت والعصي، والقليل معه السلاح، وكذلك تحزب كثير من طوائف العامة والأوباش والحشرات، وجعلوا يطوفون بالأزقة وأطراف البلد، ولهم صياح وضجيج وتجاوب بكلمات يقضونها من اختراعاتهم وخرافاتهم، وقاموا على ساق، وخرج الكثير منهم إلى خارج البلد، على تلك الصورة، ثم عاد جمع عظيم من العامة ممن كان خارج البلدة ولهم صياح وجلبة على الشرح المتقدم، وخلفهم إبراهيم بك، ثم أخرى وخلفهم سليم آغا، ثم أخرى كذلك وخلفهم عثمان كتخدا الدولة، ثم نصوح باشا ومعه عدة وافرة من عساكرهم، وصحبتهم السيد عمر مكرم النقيب والسيد أحمد المحروقي، وطائفة من البكوات، وراح نصوح باشا يقول للعامة اقتلوا النصارى وجاهدوا فيهم، وكانت ثورة عاتية، مر بنا طرف من حوادثها، ومنها إهانة الشيخ خليل البكري؛ حيث تتبع الناس عورات بعضهم البعض وما دعتهم إليه حظوظ أنفسهم وحقدهم وضغائنهم، فاتهم الشيخ خليل بأنه يوالي الفرنسيس ويرسل إليهم الأطعمة، ولم ينقذه من أيدي العسكري وبعض أوباش العامة سوى توسط سيدي أحمد بن محمود محرم التاجر، ولم يتوسط عمر مكرم قطعا في إنقاذه.

ولم تفد مساعي الصلح بين الفرنسيين والأشياخ - وكان كليبر قد عقد معه معاهدة في 5 أبريل - لإنهاء هذه الثورة الجامحة، وظل السيد عمر مكرم والسيد أحمد المحروقي وأتباعهما يمرون في كل وقت ويأمرون الناس بالقتال، ويحضونهم على الجهاد، مع اتضاح عدم جدواه، وما تسبب عن الثورة من توقع الهلاك كل لحظة والتكليف بما لا يطاق، ومغالبة الجهلاء على العقلاء، وتطاول السفهاء على الرؤساء، وتهور العامة، ولغط الحرافيش، وغير ذلك مما لا يمكن حصره.

ولقد أشعل الفرنسيون الحرائق في الأحياء الوطنية، وأحرقوا حي بولاق وخربوه وتهدمت أغلب المنازل بالأزبكية، وصاروا يهددون بحرق القاهرة بأسرها إذا لم يخرج الجند العثمانيون ورؤساؤهم منها، وبات واضحا ألا سبيل للخلاص إلا بالإذعان، فتم الصلح نهائيا في 21 أبريل في اتفاق وقعه العثمانيون وإبراهيم بك، مع الجنرال كليبر، وغادر الأولون القاهرة، وخمدت الفتنة التي انكشف غبارها - على نحو ما ذكره الشيخ الجبرتي وأبناه قبل ذلك - عن تعسة المسلمين وخيبة أمل الذاهبين والمتخلفين، وكان عمر مكرم من بين الذين خرجوا من القاهرة، فقال الجبرتي: «خروج العثمانية وعساكرهم وإبراهيم بك وأمراؤه ومماليكه والألفي وأجناده ومعهم السيد عمر مكرم النقيب والسيد أحمد المحروقي الشاه بندر، وكثيرون من أهل مصر ركبانا ومشاة إلى الصالحية، وكذلك حسن بك الجداوي وأجناده، وأما عثمان بك حسن ومن معه فرجعوا صحبة الوزير يوسف ضيا، فلم يسع إبراهيم بك وحسن بك ترك جماعتهما خلفهما، وذهابهم بأنفسهم إلى قبلي، بل رجعا بجماعتهما على أثرهما، وذاقوا وبال أمرهم.»

ولزم عمر مكرم عرضي الصدر الأعظم والبكوات المماليك، حتى إذا انهزم الفرنسيون في العام التالي، واضطروا إلى تسليم القاهرة والإسكندرية والجلاء عن البلاد، رجع عمر مكرم ضمن من رجعوا، فدخل القاهرة في 15 يوليو 1801 وصحبته السيد أحمد المحروقي شاه بندر التجار بمصر، وقد ارتدى كل منهما خلعة من السمور، دليل تكريم أهل العقد والحل الجدد لهما، ورضائهم عنهما، ومكافأة لهما على جهودهما وولائهما.

ولم يكتف العثمانيون بمكافأة عمر مكرم بخلع الخلع السمور عليه، بل إنهم جردوا خليلا البكري من نقابة الأشراف، وقلدوا عمر مكرم إياها، فوصفه الشيخ الجبرتي حال دخوله القاهرة بأنه نقيب الأشراف، وكأنما تجريد خليل البكري من النقابة لم يكن كافيا لإشفاء غليل أخصامه، فراحوا يسعون لدى محمد خسرو باشا في حقه، متخذين من خروج ابنة له عن طورها أيام الفرنسيين ذريعة للنيل منه، وكانت هذه قد تبرأ منها والدها بعد خروج هؤلاء، وقتلت بأمر من الصدر الأعظم يوسف ضيا في 4 أغسطس 1801، فراح أعداء خليل البكري ينهون إلى محمد خسرو بأنه مرتكب للموبقات، ويعاقر الشراب وغير ذلك، وأن ابنته كانت تذهب إلى الفرنسيس بعلمه، وأنه قتلها خوفا وتبرئة لنفسه من الشهرة التي لا يمكنه سترها، ولا يقبل عذره فيها، ولا التنصل منها، وأنه لا يصلح لمشيخة سجادة السادة الوفائية، فعزله الباشا منها وقلدها أحد أتباع الشيخ شخصا من سلسلتهم يقال له الشيخ محمد سعد، ثم جدد أعداؤه مسعاهم لتجريده من ممتلكاته وأمواله كذلك، فتصدى لمفاقمته وأذيته أنفار من المتظاهرين مثل السيد عمر مكرم النقيب، والشيخ محمد وفا السادات وخلافهما، وتسلط عليه من له دين أو دعوى أو مطالبة حتى بيعوه حصصه. (5-2) عمر مكرم وعهد الفوضى السياسية

وصار عمر مكرم حينئذ ممن يحتلون مكان الصدارة في العهد الجديد، ولكن هذا كان عهدا - كما عرفنا - اتسم بطابع الفوضى السياسية، اختلفت فيه الأوضاع عن تلك التي خبرها على أيام سطوة البكوات المماليك، قبل الاحتلال الفرنسي، فالباشا العثماني يعمل جاهدا لاجتثاث سلطان البكوات تنفيذا لسياسة الباب العالي، والبكوات يفقدون سلطانهم رويدا، ويطردون من القاهرة، ويسير عليهم الباشوات الحملات لتعقبهم ومطاردتهم في الوجه البحري والصعيد، وتكثر في القاهرة حوادث الانقلابات تطيح بباشوية أحد الولاة تارة، وبرأس الآخر تارة أخرى، وتتوالى المظالم على الشعب وسط ذلك كله، فيئن من جور الإتاوات والفرد والسلف الإجبارية والمغارم، ويشكو من اعتداءات الجند عليه وإيذائهم له، ثم يشتد تذمره ويعلو صخبه في مظاهرات تقصد إلى الجامع الأزهر وسائر الجوامع، ويطلب المتظاهرون المتذمرون الغاضبون المشايخ حتى يقوموا بدور الوساطة لدى الباشا العثماني أو لدى البكوات - عندما صار لهؤلاء الحكم فترة من الزمن في عهد هذه الفوضى السياسية المتلاطمة - لرفع هذه المظالم، ولم يكن الشعب في طلبه هذا من المشايخ والمتصدرين قد خرج عن مألوف ما درج عليه في الأزمان السابقة، من حيث اتخاذ العلماء والمشايخ واسطة بينه وبين الهيئات الحاكمة.

ولقد عرف السيد عمر كيف يحتفظ في أثناء هذه الفوضى السياسية بمكان الصدارة الذي صار له، كنقيب للأشراف، وكرجل من رجال العهد الجديد، ولكن في الحدود التي رسمتها له أحداث هذه الفوضى السياسية ذاتها، فهو لن يكون بحال صاحب رأي لدى الباشوات العثمانيين أو رؤساء الأجناد وكبارهم المتنازعين فيما بينهم جميعا على السلطة والحكم؛ لأن هؤلاء اعتبروا خلافاتهم من شأنهم وحدهم فحسب، ولا دخل للرعية بها، واستخدموا المتصدرين من الأشياخ والأعيان كأدوات طيعة في الحالات التي أرادوا فيها استكتابهم العرائض والإعلانات كأسانيد شرعية يبررون بها انقلاباتهم في أعين الدولة، أو تكليفهم بجمع الإتاوات والسلف وما إلى ذلك من الأهلين، أو توسيطهم لدى البكوات المماليك.

والسيد النقيب لن يكون بحال كذلك من أعضاء البكوات أصدقائه القدامى، وأصحاب الفضل عليه، ومصدر نعمته، وأصل الوجاهة والصدارة اللتين وصل إليهما؛ لأنهم ما لبثوا أن صاروا في خصام دائم مع الدولة وفي ثورة عليها سواء أكانت هذه مستترة في بعض الأحايين أم سافرة في أكثرها، وهو كذلك لا يرى نفعا وفائدة من الانقلاب عليهم ونبذ الولاء لهم كلية، والباشوات العثمانيون وأجنادهم لا يزالون عاجزين عن هزيمتهم الهزيمة الساحقة، ولا يزال الباب العالي نفسه ظاهر التردد في موقفه منهم، فتارة يعلنهم عصاة ثائرين، وتارة يصطلح معهم، وتارة يكاد يفقد البكوات السلطة تماما، وتارة تنحصر هذه في أيديهم.

والسيد النقيب فوق ذلك كله لا يجرؤ على التظاهر برأي - على الأقل - ما لم يكن قد انعقد الإجماع عليه بين سائر المشايخ والمتصدرين؛ لأنه وإن كان له أصدقاء كثيرون من بين الأشياخ، ويتردد عليه الأهلون ويقصدونه كي يبثوا شكواهم، ويسألوه الرأي والنصيحة، فهو يعلم في كامن ضميره أن غالب صداقة زملائه الأشياخ زائفة، وأن التنافس القائم على الرئاسة والزعامة والصدارة، لما يستتبع حصولها من إثراء واستمتاع بلذائذ الدنيا، قد جعلهم يحقدون على بعضهم بعضا، ويسعون في إيذائه إذا قدروا على ذلك، ولا يحجم هو نفسه عن إيذائهم إذا وجد في هذا نفعا له، فهناك من أعدائه السافرين أو المستترين، خليل البكري - وقد تسعفه المقادير للإيقاع به كما أوقع هو وأتباعه به، وقد شغل عمر مكرم في السنوات التالية بإحكام تدمير السيد خليل وهدمه - ومحمد السادات (أبو الوفا) - وإن كان عمر مكرم على ما يبدو اعتقد في صداقته له - ومحمد الدواخلي، ومحمد المهدي - وهذان من أكثر المشايخ حقدا عليه - وعبد الله الشرقاوي، وذلك عدا غيرهم من المتعلمين الذين قاسوا صداقتهم له ولغيره بمقياس غضب أو رضاء الهيئات الحاكمة ومقدار إقبال الدنيا على المتصدرين أو إدبارها عنهم، ثم إنه يعلم في كامن ضميره كذلك أن مبعث تعلق العامة به، والمكانة التي احتلها من نفوسهم، زعامته السابقة لهم إبان ثورة القاهرة الثانية (مارس-أبريل 1800)، فلم تكن له مندوحة من إبلاغ شكاواهم - على الأقل - إلى السلطات المسئولة كلما أتيحت له الفرصة أن يفعل ذلك، إذا شاء الاحتفاظ بمكانته عندهم، وتلك بدورها مكانة لا معدى عن الاحتفاظ بها، لبقاء صدارته وعدم انقطاع الصلة بينه وبين السلطات المسئولة، بالقدر الذي يبقى عليه نقابة الأشراف ولا يحرمه من ريع أوقافها وأملاكها، ثم إنه لم تكن له مندوحة كذلك - إذا رغب الاحتفاظ بمكانته - من تزعم الأهلين المتذمرين المتظاهرين أو الثائرين، إذا استفحل الظلم وتمكن البلاء وانفجر بركان الغضب يقذف بالمشايخ وسائر المتصدرين إلى الصفوف الأمامية، للقيام بدور الوسيط التقليدي لدى الهيئات الحاكمة لرفع الجور والظلم الذي يشكو الشعب منه.

وعلى ذلك، فقد سلك السيد عمر مكرم في سنوات الفوضى السياسية هذه طريق الحيطة والحذر، سكن أيام الشدة التي تخضبت حوادثها بدماء البكوات الذين دبرت المكائد المعروفة لاغتيالهم في مطلع العهد الجديد، فنأى بنفسه عن فطنة الاتصال بهم والتعاون معهم بكل وسيلة، ولم يشذ عن سائر زملائه من الأشياخ والأعيان في الرضوخ لمطالب أصحاب السلطة سواء من الباشوات العثمانيين أم رؤساء الجند، وتكلم في صالح الشعب - أو القاهريين - بالقدر الذي لا يثير غضب المسئولين عليه، وفي حدود الظروف المواتية والمناسبات الملائمة، ورحب بعودة البكوات إلى الحكم أثناء الحكومة الثلاثية المتألفة من إبراهيم بك وعثمان البرديسي ومحمد علي، وارتفعت مكانته، بينما نزل الظلم والعسف بمنافسه وغريمه الشيخ محمد السادات على أيدي هؤلاء البكوات، ثم قلب لهم ظهر المجن، عندما ثار القاهريون ضدهم، وراح محمد علي يدبر تقويض حكومتهم وطردهم من القاهرة، فتعاون عمر مكرم معه؛ لاطمئنانه إلى قدرة محمد علي والأجناد الأرنئود، وتيقنه أن البكوات لم يعد لهم عيش في القاهرة، ثم آزر القائد المنتصر على غريمه أحمد خورشيد، ثم بلغ أقصى ما يمني النفس به من ضروب الصدارة والزعامة في إقباله على تأييد الانقلاب الذي أفضى إلى المناداة بمحمد علي، وأنهى الفوضى السياسية، فخرج من الأزمات المتلاحقة التي ميزت فترة هذه الفوضى، وقد تزايد شأنه رفعة وقدمه رسوخا في الصدارة والزعامة، وصار العضد الكبير لحكومة العهد الذي بدأ مؤسسا على أشلاء الفوضى السابقة.

ناپیژندل شوی مخ