مصر په د نهیم پېړۍ پیل کې
مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)
ژانرونه
وأخفق «لسبس» في مهمته في مصر، فهو لم يستطع منع اعتداءات السلطات القائمة بالقاهرة على المحميين أو الرعايا الفرنسيين، ولم يفلح في إقناع هؤلاء باحترام «الامتيازات» التي تصون التجارة الفرنسية، وكان كل ما أدركه من نجاح في هذه المسألة إقناعه خورشيد باشا بالإسكندرية بإرجاع الأموال التي اغتصبها من المحميين بالإسكندرية تحت ستار «القروض»، ثم بذل الوعود الطيبة والمبهمة بعد ذلك باحترام «الامتيازات»، وأخفق «لسبس» في الظفر بثقة البكوات المماليك وإن ظل هؤلاء وخصوصا عثمان البرديسي يرجون الاعتماد على فرنسا ومناصرتها لهم، وأخفق «لسبس» في كسب احترام وثقة «السلطات العثمانية»، وممثلي الباب العالي الشرعيين في مصر، وأخفق في إحباط مساعي الإنجليز الذين نجحوا في استمالة فريق من البكوات لتأييد سياستهم ومصالحهم في مصر.
وفضلا عن ذلك فقد ارتكب «لسبس» أخطاء كثيرة، أبشعها «خيانة» عهد البكوات المماليك، وأظهر في مهمته عجزا وقصر نظر كبيرين، وخصوصا في علاقاته مع رؤساء الأرنئود ومع محمد علي، على وجه أخص، وفات الوكيل الفرنسي أن يدرك أن السلطة - لا مفر - من نصيب محمد علي عاجلا أو آجلا، ولم يفعل شيئا لمساعدة محمد علي، ولم يخط خطوة من جانبه لاستمالته، بل كان لمحمد علي فضل السبق في محاولة استرعاء انتباه الوكيل الفرنسي له، وجذبه إليه وتوسيطه لدى القنصل الأول حتى يكسب الحكومة الفرنسية لمؤازرته. وأما رأي «لسبس» في محمد علي فقد عبر عنه صراحة في رسالته إلى تاليران من القاهرة في 23 فبراير 1804 - أي قبيل الحوادث التي أفضت إلى طرد البكوات من القاهرة بأيام معدودات - فقال: «إن «محمد علي» زعيم الأرنئود يريد حماية فرنسا وتوسطها لدى السلطان العثماني، وفي وسعي أن أؤكد لك سلفا أنه لا لبس ولا إبهام في مقاصده، وأنه يريد الاستيلاء على السلطة العليا، ولكني لا أعتقد بتاتا أن هذا الزعيم «الألباني» - ولو أنه يقل قسوة وتوحشا عن نظرائه ويبدو مواليا لنا - يتمتع بعبقرية أو نبوغ يمكنه من ابتكار خطة واسعة وبرنامج شامل والوسائل اللازمة لتنفيذه.»
وكان السبب الأكبر في فشل «لسبس» في مهمته إصرار القنصل الأول على المضي في سياسته السلبية نحو مصر، بالرغم مما بذله «لسبس» نفسه لتوجيه أنظار حكومته لحقيقة الموقف في مصر، وكان مبعث هذه الخطة السلبية محاولة بونابرت - قبل أي اعتبار آخر - في الإبقاء على علاقاته الودية مع الباب العالي، ومنع تركيا من الانضمام إلى أعدائه، أضف إلى هذا توهمه أن ممثلي السلطان العثماني كانوا أصحاب السلطة في مصر، فانحصرت سياسته بالنسبة لمصر في عدم إغضاب أو إزعاج مندوبي الباب العالي صاحب السيادة الشرعية فيها، ثم مداراة البكوات المماليك، واستعادة صلاته بهم، وجذبهم إلى جانب فرنسا خدمة لمصالحها التجارية في مصر، ولكن دون أن يقوم بأي عمل «إيجابي» من أجل تحقيق رغبة البكوات الرئيسية؛ وهي استرجاعهم لنفوذهم وسلطتهم السابقة، وعودتهم إلى الحكم في الوضع الذي كانوا عليه قبل الغزو الفرنسي في عام 1798، وطلب البكوات نجدة فرنسية من ثلاثة آلاف رجل، وخمسمائة بندقية بالسونكي، وعشرة مدافع ميدان، وألف سيف، وغير ذلك من الأسلحة، إلى جانب قرض «مائتي مليون» من الفرنكات أو ما يمكن إقراضه (يونيو 1804)، وبطبيعة الحال لم يجب «نابليون» على شيء من ذلك، ثم اهتم بونابرت بضرورة ملاحظة نشاط الوكلاء الإنجليز في هذه البلاد؛ خوفا من أن يقدم الإنجليز على غزو مصر واحتلالها، إذا اضطروا بسبب تطور النضال بينهم وبين بونابرت إلى مثل ذلك. ومع أن السفير الإنجليزي بات يبذل قصارى جهده في القسطنطينية من أجل الوصول إلى اتفاق وحل «إيجابي» يحسم الخلاف بين الباب العالي والمماليك، ويهيئ للأخيرين فرصة العودة إلى الحكم في مصر، ونجحوا فعلا في هذه الفترة في سياستهم - على نحو ما سيأتي ذكره بعد - فقد اكتفى بونابرت بعرض وساطته في القسطنطينية، دون أن يعرض حلولا إيجابية على الديوان العثماني، متحاشيا إزعاج الديوان للاعتبارات التي ذكرناها، وقيد هذا الموقف «السلبي» ولا شك نشاط «لسبس» في القاهرة.
فقد طلب «لسبس» تعليمات جديدة من حكومته منذ وصوله إلى الإسكندرية، وتغير الموقف عن الوقت الذي صدرت إليه تعليماته الأولى فيه في مارس 1803، وظل يطلب هذه التعليمات في الشهور التالية حتى نهاية عام 1803، وكتب الجنرال «برون» من القسطنطينية في 25 أكتوبر 1803 يذكر لتاليران، أنه بناء على التقارير التي وصلته من مصر «قد بات الموقف بها في حالة يجعل ضروريا «أن يوضح وزير الخارجية رأيه ورأي حكومته» بشأن هذه البلاد التي قد تكون مبعث إما آمال عظيمة، وإما خيبة وأسف كبيرين»، وضاق صدر «لسبس» من تحرج الموقف وعدم ظفره من حكومته بما ينير له الطريق وسط الاضطرابات السائدة بالقاهرة في أواخر عام 1803، فكتب في 2 نوفمبر من هذا العام يطلب تعليمات جديدة، بل وقال: «أما إذا كانت نوايا الحكومة ألا يدخل «لسبس» في أية علاقات أو صلات مع البكوات، فإنه يرى لزاما عليه أن يصرح لحكومته أنه لا يرى داعيا مطلقا لوجود وكيل فرنسي هنا تحت رحمة خناجر القتلة والسفاكين.»
وكان كل ما ظفر به «لسبس» من تعليمات - توضح كذلك سياسة القنصل الأول - رسالة من الجنرال «برون» في القسطنطينية بتاريخ 11 أغسطس 1803 ينبئه باستلام رسائل «لسبس» المؤرخة في 9 و10 يونيو، ويبدي ارتياحه لمسلك الوكيل الفرنسي وملاحظته لتقدم النفوذ الإنجليزي في البلاد ونشاط الجماعات التي تخضع لهذا النفوذ، ثم يطلب منه ألا يغيب عن ذهنه أنه مندوب للحكومة الفرنسية لدى الباب العالي، وبالتالي لدى وكلائه (أي وكلاء الباب العالي) المخلصين في مصر؛ أي أن «برون» صار يحضه على التزام تعليماته الأولى، ثم أكد «تاليران» هذا الواجب عندما بعث إليه بتعليماته في 26 سبتمبر 1803 بمناسبة إطلاع لسبس «علي باشا الجزائرلي» على كتاب عثمان البرديسي، فطلب منه عدم تكدير علاقاته مع العثمانيين وإثارة شكوك هؤلاء من جهته؛ «لأنه من المنتظر بسبب النجدات التي سوف يرسلها الباب العالي أن تصبح لهم السلطة في لحظة واحدة.»
ومع أن «لسبس» كتب أكثر من مرة على أثر مقابلته مع البرديسي وإبراهيم بك أن البكوات يريدون معرفة نوايا القنصل الأول الصريحة، ومدى استعداده لمناصرتهم وإرسال النجدات التي طلبوها من مال ورجال وأسلحة، فقد اكتفى القنصل الأول بتكليف «لسبس» أن يبلغهم وصول رسائلهم إلى بونابرت وأن يؤكد محبته لهم، وفي أواخر أكتوبر 1803 أمر بذهاب المواطن فراميري
Frameri
إلى مصر ليسلم «لسبس» رسالة بالشفرة، ولما لم يكن من سياسة القنصل الأول «السلبية» فعل شيء جدي في صالح البكوات بالتوسط لهم في القسطنطينية من أجل إنهاء خلافاتهم مع الباب العالي، وهو التوسط الذي لم يأت بأية نتيجة، فقد طلب إلى «برون» في أكتوبر أن يستمر في إلفات نظر الباب العالي إلى ضرورة استتباب السلام في ممتلكاته، وأن يجعله يدرك ويفهم أن انفصال بعض ممتلكاته من جثمان الدولة، الذي ينجم عن نجاح الثورات المحلية، لا يساعد على استقلال هذه الأجزاء المنفصلة بقدر ما يساعد على استفادة دولة أخرى من الخسارة التي تتحملها وقتئذ الإمبراطورية العثمانية، كما طلب القنصل الأول من «برون» أن يلفت نظر الباب العالي إلى ضرورة تأمين سلامة مصر؛ لأن الإنجليز لم يخلوها إلا مرغمين، ولأن فرنسا طلبت «إخلاءها» في معاهدة أميان، وأن الإنجليز لا يمكن أن يكونوا غير عارفين بالاضطرابات التي صارت تظهر في مصر منذ خروجهم منها، أو أنه لا يد لهم في تحريكها، وواجب الباب العالي أن يشعر بالانزعاج والقلق بسبب مشروعاتهم العدوانية على هذه البلاد ما دام لم يستطع إعادة الأمن والهدوء إلى مصر.
وكانت التعليمات التي أصدرها بونابرت للرسول الذي أوفده إلى مصر غريبة حقا، «يطلب إليه بعد أن يسلم خطاب الشفرة إلى «لسبس» أن يستفيد من وجوده بالبلاد، فيجمع المعلومات الخاصة بقوات المماليك والباب العالي، وحالة الإسكندرية؛ الميناء والشواطئ القريبة، ويقف على الأغراض أو الدوافع التي توجه سياسة كل من المماليك والعثمانيين، ونوع العلاقات السائدة بين الفريقين، ونتائج الصراع المنتظر بينهما، ثم مقدار ما صار لدى المماليك من ثقة بأنفسهم تحت تأثير النفوذ الإنجليزي السري في مصر، ثم معرفة مدى الأثر الذي يحدثه هذا النفوذ فيما قد يقرره البكوات، كما طلب إليه الوقوف على الرأي الذائع في مصر عن الإنجليز، ورأي الأهلين بالبلاد عموما، وحقيقة ميول البكوات خصوصا من ناحية الفرنسيين.»
الفصل الثالث
ناپیژندل شوی مخ