مصر په د نهیم پېړۍ پیل کې
مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)
ژانرونه
تلك كانت بدعة المكس على النشوق.
وأما سائر البدع والمستحدثات، فقد بسطها الشيخ في قوله عن النطرون: إنهم «فرقوه وفرضوه على القرى، محتجين أيضا باحتياج الحياكة والفزازين إليه؛ لغسل غزل الكتان وبياض قماشه ونحو ذلك.» ثم استطرد الشيخ يقول: «وأشنع من ذلك كله أنهم أرادوا فعل مثل هذا في الشراب المسكر المعروف بالعرقي، وإلزام أهل القرى بأخذه ودفع ثمنه إن أخذوه أو لم يأخذوه، فقيل لهم في ذلك، فقالوا: إن شربه يقوي أبدانهم على أعمال الزرع والزراعة، والحرث والكد في القطوة (وهي تشبه الشادوف) والنطالة (أخذ الماء بالنطل وهو الدلو) والشادوف، ثم بطل ذلك.»
ومن الأصناف التي فرضت حكومة الباشا مكوسا مرتفعة عليها، الأرز والكتان والحرير والحطب والملح، فدفع فيها المستهلك أثمانا باهظة، ثم إن هذه المكوس لم تلبث أن زيدت في غضون عام 1810 حتى غلت أسعارها إلى الغاية، فصار سعر الدرهم الحرير خمسة عشر نصفا بعد أن كان نصفين فحسب، وصار القنطار من الحطب الرومي بثلاثمائة نصف بعد ثلاثين أو أربعين نصفا، وأما الملح فقد شرح الشيخ الجبرتي ما حدث من تفنن في زيادة سعره، فقال: «وكان الملح يأتي من أرضه بثمن القفاف التي يوضع فيها لا غير، ويبيعه الذين ينقلونه إلى ساحل بولاق، الإردب بعشرين نصفا، وإردبه ثلاثة أرادب، ويشتريه المتسبب بمصر (القاهرة) بذلك السعر؛ لأن إردبه إردبان، ويبيعه أيضا بذلك السعر، ولكن إردبه واحد، فالتفاوت في الكيل لا في السعر، فلما احتكر صار الكيل لا يتفاوت، وسعره الآن أربعمائة وخمسون نصفا، والتزم به من التزم، وأوقف رجاله في موارده البحرية، لمنع من يأخذ منه شيئا من المراكب المارة بالسعر الرخيص من أربابه، ويذهب به إلى قبلي، أو نحو ذلك.»
ويصف الشيخ الجبرتي مصادر المال الأخرى، أو بالأحرى الحيل - على حد قول الشيخ - التي صارت حكومة الباشا تتوسل بها لأخذ المال، فقال في حوادث مايو 1811: إن الكتخدا محمد آغا لاظ، صار «يتنوع في استجلاب الأموال، ويتحيل في استخراجها بأنواع من الحيل، فمنها أنه يرسل إلى أهل حرفة من الحرف ويأمرهم ببيع بضاعتهم بنصف ثمنها، ويظهر أنه يريد الشفقة والرأفة بالناس، ويرخص لهم في أسعار المبيعات، وأن أرباب الحرف تعدوا الحدود في غلاء الأسعار، فيجتمع أهل الحرفة ويضجون ويأتون بدفاترهم وبيان رأس مالهم، وما ينضاف إليه من غلو جزئيات تلك البضاعة، وما استحدث عليها من الجمارك والمكوس، وغلو الأجر في البحر والبر، فلا يستمع لقولهم ولا يقبل لهم عذرا، ويأمر بهم إلى الحبس، فعند ذلك يطلبون الخلاص ويصالحون على أنفسهم بقدر من المال يدفعونه، ويوزعون ذلك على أفرادهم فيما بينهم، ثم يزيدون في سعر تلك البضاعة ليعوضوا غرامتهم من الناس، معتذرين بتلك الغرامة، وما حل بهم من الخسارة، ثم تستمر الزيادة على الديوان - وأظن استمرار الغرامة أيضا - فجمع بهذه الكيفية أموالا عظيمة، وهي في الحقيقة سلب أموال الناس من الأغنياء والفقراء.»
محاسبة المباشرين
ومن الوسائل التي لجأ إليها الباشا لاستنضاح المال، إرغام المباشرين المكلفين بجباية الضرائب على دفع الغرامات، ومطالبتهم بما اعتقد أنهم أخذوه من المال أو «الميري» المتحصل، وقد ساعد المباشرون أنفسهم الباشا على استنضاح المال منهم لعيش كبارهم في بذخ وترف، لفت إليهم الأنظار، ولاحتفاظهم بطرائقهم في تدوين حساباتهم، حتى صارت جباية الضرائب، وتدوين أقلامها والمتحصل منها في سجلات الحكومة حكرا لهم تقريبا، مما جعلهم موضع شكوك الباشا ورجاله، أضف إلى هذا، تحاسدهم فيما بينهم، وتنافسهم على منصب كبير المباشرين، الأمر الذي جعلهم يتزلفون للباشا بالوقيعة في حق بعضهم بعضا، وتفانى كل منهم في إرشاده إلى مقدار الثروة التي بيد الآخر، ناهيك بما كان يقف عليه الباشا، أو يترامى إليه عن الوسائل التي يتبعها المباشرون، وهم أصحاب الحول والطول في تحصيل المال من الأهلين المرهقين والفلاحين المكدودين في أخذ الرشاوى والعطايا من هؤلاء، وكانت الفكرة السائدة لدى الباشا عنهم - ويشترك معهم في هذا أفندية الروزنامة ورؤساؤهم - أنهم تنقصهم الأمانة، آية ذلك مظاهر الثراء الذي يتمتع به كبارهم خصوصا.
ولقد تقدم كيف أن المعلم غالي، نفس على جرجس الجوهري منصبه في عام 1805، فعمل على تغيير الباشا من ناحيته، وساعده في هذا المسعى المعلم فلتيوس، حتى عزل الباشا جرجس الجوهري وولى المعلم غالي كبيرا للمباشرين، واضطر جرجس الجوهري إلى الفرار، وصودرت أملاكه، ودفع القبط غرامات فادحة بسبب هذا الحادث.
ولكنه ما إن عظمت حاجة الباشا إلى المال، حتى شرع في حساب كبير المباشرين، المعلم غالي نفسه، وأعيان المباشرين ، واستطاع أن ينتزع منهم مبالغ طائلة مصالحة على أنفسهم وفي نظير رضائه عليهم.
وبدأ الباشا في يونيو 1809 بمطالبة المعلم غالي بألف كيس، وألزمه بها، فلم يسع المعلم إلا جمعها، بتوزيعها على المباشرين والكتبة، وجمعها في أقرب زمن. وكان في نوفمبر من العام نفسه أن حضر المعلم جرجس الجوهري إلى القاهرة بأمان من محمد علي، وكان مختفيا في الصعيد، فأظهر غالي مودة عظيمة له، وأثث له بيته الذي بحارة الونديك، وقام له بجميع لوازمه، وأكرمه الباشا، وذهب الناس مسلمهم ونصرانيهم وعالمهم وجاهلهم للسلام عليه، ولكن احتفاء المعلم غالي به لم يكن إلا رياء ومداهنة فلم يمكنه من استرداد مكانته، وانحط قدره، ولازمته الأمراض، حتى وافاه الأجل المحتوم في أواخر سبتمبر 1810، وخلا الجو للمعلم غالي، وتعين بالتقدم، ووافق الباشا في أغراضه الكلية والجزئية.
على أن هذه الموافقة لم تنقذ المعلم غالي وزملاءه من غضب الباشا، الذي اعتقد فيهم دائما - كما أشرنا - الخيانة، هم وكتبة الروزنامة، وقرر الباشا حسابهم بموجب دفاترهم، فأمر في 19 فبراير 1810 بالاحتياط على بيوت عظماء الأقباط، كالمعلم غالي نفسه والمعلم جرجس الطويل وأخيه، وفلتيوس وفرانسيسكو، وعدتهم سبعة، فأحضروهم في صورة منكرة وسمروا دورهم، وأخذوا دفاترهم، فلما حضروا بين يديه قال لهم: أريد حسابكم بموجب دفاتركم هذه، وأمر بحبسهم، فطلبوا منه الأمان، وأن يأذن لهم في خطابه، فأذن لهم، فخاطبه المعلم غالي، وخرجوا من بين يديه إلى الحبس، ثم توسط في أمرهم لدى الباشا حسين أفندي الروزنامجي، فقرر عليهم غرامة سبعة آلاف كيس، بعد أن كان الباشا طلب منهم ثلاثين ألف كيس.
ناپیژندل شوی مخ