مصر په د نهیم پېړۍ پیل کې
مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)
ژانرونه
وعلى ذلك فإنه ما بلغت «لسبس» معلومات أوفى عن مجريات الأمور، حتى بعث يذكر للجنرال «برون» في القسطنطينية في 12 يونيو «أن الأخبار التي وصلته أمس تقول إن الهدوء والسلام مستتبان في القاهرة بفضل مسلك وتدابير البكوات الحكيمة»، وأما دمياط التي كانت التعليمات قد طلبت إليه الذهاب إليها قبل المضي في طريقه إلى القاهرة، فقد كتب «لسبس» في نفس هذه الرسالة: «إن الأرنئود يحاصرونها ونجحوا في الاستيلاء على مواقع الدفاع الأمامية عنها، كما استولوا على مدفعين وعلى سفينتين من سفن المدفعية في النيل»؛ أي إنه يتعذر عليه كذلك الذهاب إلى دمياط.
وفي هذه الظروف إذن بقي «لسبس» في الإسكندرية، وصرف وقته في جمع المعلومات ومراقبة الحوادث، واهتم أكثر ما اهتم بملاحظة نشاط الوكلاء الإنجليز من ناحية، ومعرفة غايات البكوات المماليك ورغائبهم والصلات القائمة بين الوكلاء الإنجليز وبينهم، وقد تبين له أن الإنجليز يولون المماليك حمايتهم ويبذلون قصارى جهدهم لكسبهم حتى يجعلوا من مصر ميدانا لتصريف تجارتهم، وبلدا تخضع حياته التجارية لنشاط الإنجليز التجاري، وذلك بإنشاء الحكومة التي تمكنهم من بلوغ هذه الغاية، وهم يعتمدون في ذلك على نفوذهم السياسي وعلى مؤامراتهم حتى يفوز البكوات المماليك صنائعهم بالسلطة العليا والحكومة في مصر، ويتعارض ذلك كله - كما رأى لسبس - مع مصالح فرنسا التجارية. وأما البكوات فكانوا يسعون لاسترجاع سلطتهم السابقة، ويجتمع إبراهيم بك مع الرسل الذين قال لسبس إن الباب العالي كان يوفدهم لمقابلة إبراهيم، كما صار إبراهيم بك ينهج طريق «مراعاة الخواطر كثيرا» مع الباب العالي؛ الأمر الذي جعل لسبس يعتقد بسير المفاوضات بين الفريقين بنشاط وهمة كبيرة، وأنها قد تنتهي في صالح البكوات، ينهض في رأيه دليلا على ذلك أن الباب العالي صار يبطئ في إرسال النجدات إلى مصر لتأييد سلطة باشا القاهرة، بعد أن وصلت عمارة عثمانية صغيرة إلى الإسكندرية من أربع فرقاطات.
وكان من رأي «لسبس» أن البكوات يريدون الوصول إلى السلطة والحكم، سواء عن طريق الاتفاق مع الباب العالي وإبرام المعاهدات معه، أو الانتقاض على تركيا واللجوء إلى القوة والحرب السافرة لتحقيق هذه الغاية، مع الاحتفاظ في كل الحالات بالتبعية لصاحب السيادة الشرعية، ودفع الخراج السنوي، والقيام بالالتزامات الأخرى نحوه على غرار ما حدث في الماضي. واعتقد «لسبس» أنه في استطاعة البكوات الظفر بحكومة القاهرة إن لم يكن بحكومة مصر بأسرها؛ لأنهم يحتلون القلاع والمراكز الرئيسية في داخل القطر؛ مما يحفظ لهم التفوق على الأتراك دائما.
ولكنه اتضح ل «ماثيو لسبس» أن هؤلاء البكوات أنفسهم يعتقدون - كما قال في كتابه إلى حكومته في 20 يونيو سنة 1803 - «أنهم لا يصبحون حقا أصحاب السلطة في مصر وسادتها إلا إذا وافق القنصل الأول واعتمد ما قد يتم من ترتيبات في صالحهم؛ لأنهم يعرفون قوة القنصل الأول وسلطانه ونشاطه، وهم الذين شهدوه عن كثب، وتعودوا الخوف منه واحترامه.»
ولما كان لسبس مقيدا بتعليماته التي قصرت نشاطه على رعاية المصالح التجارية الفرنسية، وأوصته بكسب ثقة واحترام ممثلي الباب العالي الشرعيين في البلاد، وأزعجه ما شاهده من نشاط الوكلاء الإنجليز مع البكوات، واعتقد أن الأخيرين يطلبون صداقة فرنسا ومساعدتها، وهم في رأيه - كما قدمنا - الذين كان من المنتظر أن تصبح لهم السلطة والحكومة الفعلية في مصر، فقد عز لذلك كله على المندوب التجاري الفرنسي أن يمتنع عن مصارحة حكومته برأيه، فقال إن الفكرة أو الاعتقاد الذي يجعل المماليك يطلبون في واقع الأمر وساطة القنصل الأول ومساعدته لهم «إنما هي فكرة مفيدة لنا، وقد تكفي وحدها لإحباط مشاريع الإنجليز.» ثم استدرك فقال: «ولو أن ما يذكره لا يعدو أن يكون مجرد ملاحظة فحسب تبعا ل «نص تعليماته»، ولكنه يرى من واجبه أن يحيط «تاليران» وزير الخارجية علما بأن كل ما شاهده يحمله على الاعتقاد بأن المماليك سوف يقابلون بنهم زائد كل مفاتحة «في موضوع مساعدتهم» قد تأتيهم من جانب الحكومة الفرنسية.»
وكان في أثناء وجود «لسبس» بالإسكندرية أن وصله من عثمان البرديسي من القاهرة كتاب يظهر فيه صداقته للحكومة الفرنسية، ويدعو «لسبس» للمجيء إلى القاهرة والإقامة بها، وصار لسبس في حيرة من أمره؛ لأن «الحكومة» القائمة بالقاهرة وقتئذ بزعامة إبراهيم والبرديسي ومحمد علي لم تكن «حكومة» شرعية، وكان «الباشا» العثماني خسرو هاربا من القاهرة، بينما كان «ضباط أو مندوبو الباب العالي» الشرعيون يمثلهم في هذه الظروف أحمد خورشيد حاكم الإسكندرية، ويجب على لسبس بمقتضى تعليماته أن يحصر اتصالاته مع مندوبي الباب العالي، بل ويجب عليه كذلك «عدم التدخل» في أية نزاعات قد تقوم بين هؤلاء الأخيرين، وبين البكوات المماليك وغيرهم ممن قد ينازعونهم السلطة كالجند الأرنئود الذين صار زعيمهم محمد علي متضامنا مع البكوات في إقامة «حكومة» القاهرة غير القانونية.
يقابل ذلك كله أن هذه «الحكومة القاهرية غير القانونية كانت السلطات القائمة» فعلا، وقد نصت التعليمات على وجوب مقابلته ل «السلطات القائمة» بالقاهرة ليؤكد إخلاص وصدق نوايا حكومته لها، فصح عزم «لسبس» على الذهاب إلى القاهرة بعد أن جاءته دعوة البرديسي، وبخاصة لأنه «حسب الأوضاع القائمة قد ينجم تعريض الفرنسيين للخطر وإيذاء مصالحهم التجارية، إذا هو أغضب الحزب الذي يحكم القاهرة يقينا، والذي من المحتمل أن يصبح صاحب السلطان على مصر بأسرها»، وعلاوة على ذلك فقد كان من رأي «لسبس » إذا هو أهمل الجواب على كتاب البرديسي فقد فرصة استمالة البكوات إلى جانب فرنسا وتعطيل نشاط الوكلاء الإنجليز؛ وعلى ذلك فقد وجد من حسن السياسة، وتمشيا مع تعليماته التي أوصته بكسب ثقة واحترام مندوبي الباب العالي وممثلي صاحب السلطان الشرعي في البلاد، أن يطلع أحمد خورشيد على كتاب البرديسي، وأن يستشيره في أمره مؤملا إقناع خورشيد بفضل ما يظهره له من «ثقة» ينم عليها اطلاعه على الرسالة بتمكينه من السفر إلى القاهرة.
وعندئذ طلب «لسبس» أن يجتمع سرا بخورشيد باشا، وأطلعه على «جزء» من كتاب البرديسي، راجيا منه الكتمان والسرية، وسأله رأيه في الجواب عليه، «فأظهر الباشا تأثره من هذه الثقة» التي وضعها المندوب التجاري الفرنسي في شخصه، وأشار عليه بأن يجيب على رسالة البرديسي بعبارات الملاطفة والمسايرة فحسب؛ لأن «لسبس» - كما قال خورشيد - لا يجب أن يغيب عن ذهنه «أن المماليك أعداء الباب العالي حليف فرنسا، ولا يجب أن يكون لأحد أية علاقات وثيقة معهم»، وحاول «لسبس» أن يظفر من خورشيد - بناء على هذه «الثقة» التي توهم أن خورشيد باشا صار يقدرها حق قدرها - بإجازة السفر له إلى القاهرة، ولكن خورشيد رفض، بل استطاع أن يفهم محدثه أنه لن يتوانى عن استخدام كل وسيلة لمنع «لسبس» من السفر، وكان في استطاعة خورشيد أن يفعل ذلك؛ لأن «براءة» اعتماد الباب العالي ل «ماثيو لسبس» التي تخوله مباشرة مهام وظيفته لم تكن قد جاءته بعد، ولأن خورشيد اعترض على إقامة «لسبس» بالقاهرة «بالقرب ممن سماهم عصاة» ثائرين على الباب العالي، واضطر «لسبس» إزاء ذلك إلى التصريح بأنه لا رغبة له بتاتا في الذهاب إلى القاهرة، وأجاب على رسالة البرديسي بعبارات ملؤها الأدب والود، منتحلا في الوقت نفسه مختلف الأعذار عن تأخره بالإسكندرية.
وارتكب «لسبس» خطأ كبيرا ب «كشف» البرديسي الذي يسعى لكسب صداقة حكومته وخيانة ثقته به، واعتقد أن في وسعه تبرير هذا المسلك الشائن إذا ادعى - على نحو ما كتب إلى «تاليران» في 20 يونيو 1803 - أنه خشي أن تكون الرغبة في جس نبض الحكومة الفرنسية هي التي جعلت البرديسي يدعوه للحضور إلى القاهرة، أو أن يكون في عزم البرديسي «حمله على إتيان شيء قد يكون موضع استنكار حكومته فيما بعد، فضلا عن أنه كان يخشى إذا علمت الحكومة العثمانية استلامه هذا الكتاب - وهي التي لا يمكن أن تجهل ذلك - أن يسيئها استلامه له، وأن تخرج بسبب ذلك إلى نتائج غير حميدة»، بينما هو إذا أطلع مندوبي الباب العالي على رسالة البرديسي، استطاع «أن يكسب ثقة قوات أو مندوبي السلطان العثماني، وإعطاءهم فكرة عظيمة عن نوايا «فرنسا» الصريحة والموالية لهم».
ثم زادت حيرة «لسبس» عندما وصل أخيرا إلى الإسكندرية في 8 يوليو سنة 1803 «علي باشا الجزائرلي» الوالي الجديد الذي اختاره الباب العالي لباشوية مصر، وكان من أسباب حيرة «لسبس» أنه صار - بقدوم علي باشا - ممثلا ومندوبا شرعيا للسلطان في مصر، ولا يبدو أنه بوسع هذا الباشا العثماني الذهاب إلى القاهرة لتسلم منصبه بها بسبب «الحكومة» التي أوجدها بها الحلفاء الجدد محمد علي والبكوات المماليك، إلا إذا أذن له هؤلاء بالحضور إليها، وقبلوا تنصيبه واليا عليهم، وكانت قواتهم في الوقت نفسه قد استولت على دمياط وبعثت بخسرو محمد باشا أسيرا إلى القاهرة، وكان واضحا أن «محمد علي» والبكوات هم أصحاب السلطة الفعلية، أو أن المماليك - على حد قول لسبس نفسه - «أسياد مصر بأسرها ما عدا الإسكندرية»، وكان عليه حينئذ أن يختار بين الإقامة بالإسكندرية، وقد باتت مقر «السلطة الرسمية»، ويقيم بها ممثل الباب العالي، ويكون في هذه الحالة قد نفذ تعليمات حكومته، وبين الذهاب إلى القاهرة، مقر «السلطة الفعلية» الموزعة بين محمد علي وإبراهيم والبرديسي بالاتفاق فيما بينهم جميعا، وفي ذهابه إلى القاهرة مخالفة صريحة لتعليماته.
ناپیژندل شوی مخ