مصر په د نهیم پېړۍ پیل کې
مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)
ژانرونه
وساء الوكلاء الفرنسيين، أن يظفر الإنجليز بكل هذه المزايا، وراحوا يعزون هذا إلى نشاط أعدائهم، الذي تزايد بعد عودة «بريجز» إلى الإسكندرية، فقال «دروفتي» في كتابه إلى حكومته في 12 مارس 1810: «إنه بعودة بريجز إلى منصبه، قد عادت إلى مصر المؤامرات والدسائس من كل نوع، والتي هي عادة تسير في ركاب الدبلوماسية البريطانية.» وحنق «دروفتي» على وجه الخصوص على ترجمان الباشا، وهو الذي شكا منه «دروفتي» و«مانجان» أيام المفاوضات التي انتهت باتفاق تسليم الإسكندرية إلى محمد علي، كما حنق على طبيب الباشا المسمى «مندريشي»
Mandrici
وأصله من جنوة، وخدم في بلاط باي تونس قبل نزوحه إلى مصر، ويقول عنه «دروفتي» إنه في حماية الإنجليز، ويذيع عن نفسه أنه يعمل وكيلا للولايات المتحدة الأمريكية في مصر، وأما الرجل الذي أثار حنق وغيظ الوكلاء الفرنسيين دائما، فكان «بتروتشي» الذي شكا منه هؤلاء شكوى مرة؛ لأنه بعد أن خدم «جيش الشرق» لم يلبث أن تنكر لفرنسا بعد جلاء حملتها عن مصر، وأعلن عداءه لها، وعظم نشاطه التجاري مع الإنجليز في مالطة، وصار يبعث بالسفن الكبيرة المحملة بالقمح والشعير إلى مالطة، وكان بسبب نشاطه التجاري هذا، وتظاهره بالحرص دائما على إرضاء الباشا، مقربا منه وصاحب حظوة لديه، ومع أن «سانت مارسيل» كان قد ذكر للوزير «شامباني» في مارس 1809، أن الفرنسيين المنسحبين من مصر في عام 1801 هم الذين لم يأذنوا ل «بتروتشي» باللحاق بهم، فقد راح يؤكد الآن لوزير الخارجية الجديد «الدوق دي كادور»
Cadore
أن بتروتشي قد خشي، بسبب اختلاساته - ولا شك - أثناء وظيفته كمحاسب في أسيوط، مناقشته الحساب إذا هو ذهب إلى فرنسا، فآثر البقاء في مصر، يخدم المصالح الإنجليزية، وينفس عن كراهيته لفرنسا بتدبير المؤامرات والدسائس التي تلحق الأذى بمصالحها.
ولقد جعلت الباشا حاجته إلى المال، إلى جانب الأرباح التي يجنيها من اتجاره مع الإنجليز، وتصدير غلاله لهم، ضنينا بإرسال الغلال والحبوب إلى تركيا، بالرغم من أن هذه كغيرها من بلدان البحر الأبيض، كانت تشكو من القحط، وتخشى المجاعة، والسبب في ذلك أنه ما كان يستطيع بيع غلاله للدولة بالثمن المرتفع الذي يبيع به للإنجليز، أو يحصل على الغلال المصدرة إليها نفس الرسوم الجمركية العالية، التي يحصلها من الإنجليز، وقد حدث عند اشتداد القحط، والخوف من انتشار المجاعة في مالطة في عام 1810، أن رفع الباشا الرسوم الجمركية إلى 26 قرشا عثمانيا على الإردب الواحد، ودفع الإنجليز الثمن بطيب خاطر، وخيل إلى الباب العالي أن بوسعه وقف حركة التصدير إلى مالطة، وحمل الباشا على إرسال الغلال إلى القسطنطينية؛ إذ أصدر أوامره لوالي مصر بمنع تصدير القمح إلى أوروبا، وتشدد في مطالبته بذلك، ولكن محمد علي ما كان يأبه لهذه الأوامر المتكررة.
صحيح أنه لبى طلب الباب العالي في أحايين قليلة ونادرة، وأرسل بعض الغلال إلى الدولة، ولكن التصدير إلى مالطة لم يتوقف، بل إن «دروفتي» لم يلبث أن كتب في 17 يوليو 1810، أن تصدير الغلال إلى مالطة قد نشط بدرجة تسترعي الأنظار حقا، ثم لم تلبث أن تأزمت الأمور بين الباشا وبين الباب العالي في شهر فبراير 1811 والشهور التالية، عندما استأنف هذا الأخير إصدار الأوامر المشددة إلى محمد علي بوقف تصدير القمح إلى أوروبا (وآخرها في مايو)، وظل الباشا لا يأبه لها، وإن حاول في الوقت نفسه تهدئة كل من تركيا وفرنسا، بأن صار يعرض على فرنسا أن يبيعها الغلال بأثمان مخفضة، ولو أنه لم يكن واضحا وسيادة الإنجليز مبسوطة على البحر الأبيض، كيف تستطيع فرنسا أن تتسلم الغلال التي تبتاعها، ثم إنه عرض عليها استعداده لتموين جزيرة كرفو التي كانت في حوزته، ولو أن هذه كانت تأخذ من أوروبا حاجتها من الغلال بأثمان تقل كثيرا عن تلك التي طلبها. وأما تركيا، فقد عمد الباشا إلى مراوغتها ومماطلتها، بحجة افتقارها إلى السفن التي تنقل الغلال إلى بلادها، ومع أن تركيا قد أرسلت إلى الإسكندرية في شهر أغسطس 1811 إحدى عشرة سفينة، فإن ثلاثا منها فقط استطاعت أن تأخذ حمولتها من الغلال بعد ستة شهور، ولما طال الانتظار بسائر السفن بقيت منها أربع في الميناء يداعبها الأمل والرجاء، وقفلت الأخرى راجعة بعد أن تملكها اليأس والقنوط.
وأما الإنجليز فقد كان الحال على نقيض ذلك تماما، فقد استمرت سفنهم ترد إلى ميناء الإسكندرية بنظام، وفي أعداد كبيرة، ولم يحدث تأخير في شحن السفن، كما أنه لم يحدث من ناحية الإنجليز تسويف في دفع الثمن، وانحصر نشاط الباشا - على نحو ما ذكر «سانت مارسيل» في كتابه إلى «الدوق دي كادور» في 7 يناير 1811 - في «تجارة الحبوب» والغلال التي يبيعها للإنجليز، ولم يمنع ارتفاع السعر الذي باع به الباشا إقبال هؤلاء على الشراء منه، ولم يكن هناك سبيل للتعامل مع غيره، لاحتكاره تجارة الحبوب وغيرها من منتجات البلاد، بل إن هؤلاء ما لبثوا أن أوفدوا إليه من مالطة في مارس 1811 مندوبين للاتفاق معه على شراء الغلال اللازمة لتموين صقلية كذلك وبالثمن الذي يريده، واستطاع الباشا التصرف في كميات وفيرة من الغلال؛ لأنه كان وقتئذ قد نجح في القضاء على المماليك والاستيلاء على غلات الصعيد في ظروف سوف يأتي ذكرها . وقال «دروفتي» في كتاب إلى حكومته من القاهرة في 8 مايو 1811: «إن الباشا لم يكتف بالمضي في تجارته مع مالطة (وإرسال غلاله إليها)، بل إنه أنشأ مؤسسة بهذه الجزيرة - أو «خانا» - لبيع الغلال، ولتوريد الغلال التي يبغي الباشا إرسالها إلى إسبانيا والبرتغال.» ونشط المشرفون على هذا الخان نشاطا عظيما. وتحدث «سانت مارسيل» في يوليو عن نشاط هؤلاء ومهمتهم، وكان واجبهم إرسال السلع الصالحة للاستهلاك في مصر، لقاء ما يبيعونه من الحبوب. وهكذا - كما قال سانت مارسيل - تستمر دائما تجارة الغلال هنا؛ أي بالإسكندرية مع الإنجليز، وتعج الميناء بالسفن النمساوية والمجرية والتابعة للبندقية تحمل الغلال إلى مالطة أو إسبانيا والبرتغال رافعة الراية الإنجليزية، ويبيع الباشا اليوم الواحد والعشرين مدا بمائة قرش، فجمع محمد علي من هذه التجارة أرباحا وفيرة.
ولم يشك من الأثمان أو الرسوم الجمركية المرتفعة التي فرضها الباشا سوى خصمه القديم «مسيت»، وكان هذا قد عاد إلى منصبه قنصلا بريطانيا في هذه البلاد في أواسط عام 1811، بعد أن رقته حكومته كولونيلا، وقد دخل الإسكندرية في موكب فخم، سار فيه خمسمائة من الجند الأرنئود، وأحاط بمركبته فرسان من الإنجليز المقيمين بالإسكندرية، ثم ربان وضباط قرويت إنجليزية راسية بالميناء، ويتقدم مركبته اثنان من السياس، مما يرمز جميعه إلى ما صار يتمتع به الإنجليز الآن من سمعة ونفوذ، ولو أنه اضطر أن يدفع ألفي قرش لرؤساء هؤلاء الأرنئود الذين طالبوه بثمن حفاوتهم. ومع أن الموقف معه تبدل عما كان عليه منذ السنوات الأربع الماضية، وصار «مسيت» نفسه نهبا للمرض، وأصاب الفالج ذراعيه وساقيه، حتى صار كسيحا مقعدا، فإنه لم يترك خصومته القديمة لمحمد علي، أو ينسيه المرض «واجبه» الذي جعله الآن ينحى باللائحة على الباشا وينقد مسلكه نقدا لاذعا مرا؛ لافتئاته على الحقوق أو الامتيازات التي للبريطانيين في أنحاء الدولة العثمانية وأملاكها، والتي وجب على الباشا احترامها، وعدم فرض الرسوم الجمركية العالية، فاستهل نشاطه الجديد، بالشكوى لحكومته من محمد علي، فقال في كتابه إليها في 4 يوليو 1811: «إنه يؤسفه شديد الأسف أن يجد حاكم أو باشا مصر الحالي (أي محمد علي)، لا يحترم الامتيازات المعطاة للإنجليز، بفضل معاهدات الامتيازات المبرمة بينهم وبين الباب العالي، فقد صمم على الاستئثار لحسابه، أو أنه نفذ ذلك فعلا، بكل أنواع الاحتكارات، ولقد زيدت الرسوم الجمركية القديمة، وفرضت أخرى جديدة على كل سلع تجارة الوارد والصادر، وليس لدى الباشا جواب على احتجاجات الوكلاء الأوروبيين، سوى قوله إن من حقه وضع كل التنظيمات والقواعد الداخلية في نطاق باشويته أو حكومته، ولا جدوى من مخاطبة الباب العالي لعلاج هذه الحالة؛ لأن الباشا، مع اعترافه الاسمي بسلطة السلطان، يرفض الإذعان لكل أوامر يصدرها عظمته، إذا تعارضت مع مصلحته هو الخاصة.»
ولكن تذمر «مسيت» وغضبه، لم يحولا دون استمرار تعامل الإنجليز مع الباشا، وشرائهم للغلال منه، بل قبل هؤلاء في بداية هذا العام نفسه (1811) أن يدفعوا خمسين قرشا عثمانيا ضريبة جمركية على كل إردب من القمح الذي يستوردونه، وهذا بطبيعة الحال علاوة على الثمن الذي يدفعونه في شرائه، ثم إن احتجاج الوكلاء الفرنسيين، وسخط الباب العالي لم يحولا كذلك دون مضي الباشا في بيع غلاله للإنجليز، والتذرع بشتى الوسائل لعدم إرسال القمح إلى القسطنطينية، تارة بدعوى حاجته إلى الغلال ومختلف أنواع الأغذية لتموين جيشه الذي يعده لحملة الحجاز واستخلاص الحرمين الشريفين من الوهابيين، نزولا على إرادة الباب العالي، بل وصار يطلب علاوة على ذلك أن يمده الباب العالي نفسه بالأغذية والمؤن وغير ذلك من الإمدادات التي قال إنه في حاجة إليها؛ ليكمل استعداداته وحتى يتسنى له الخروج إلى الحجاز، وتارة أخرى بدعوى عدم وجود السفن الكافية لديه لشحنها بالغلال وإرسالها إلى القسطنطينية، ناهيك عما يحتاجه هو منها لحملته ضد الوهابيين، وعلاوة على ذلك، لم تعوزه الحجة أمام احتجاجات الوكلاء الفرنسيين، في تبرير تعامله مع أعدائهم الإنجليز.
ناپیژندل شوی مخ