227

مصر په د نهیم پېړۍ پیل کې

مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)

ژانرونه

ومع أن بعض المواد التي جاءت بهذه المعاهدة التي أطلع محمد علي عليها «مانجان»، كانت متعلقة بمسائل حصل التفاهم عليها فعلا بين الفريقين؛ كاستثناء تسليم أسرى الحرب الذين يريدون بمحض اختيارهم البقاء في البلاد، أو يعتنقون الدين الإسلامي - وهذا ما لم تذكره هذه المعاهدة، أو تلك التي أبرمت فعلا - فالواضح أن الباشا لم يطلع «مانجان» على المعاهدة الحقيقية، ويفسر هذا ما ذكره «مانجان» نفسه عن رغبة الباشا في مداراة الإنجليز، ولخوفه إذا ترامى إلى هؤلاء أن صداقة الباشا لأعدائهم قد بلغت حدا جعله يطلعهم على تفاصيل اتفاقهم معه أن يعمد هؤلاء حينئذ إلى إثارة صعوبات تفضي إلى تعطيل الجلاء عن الإسكندرية، بينما يحرص هو من ناحية كل الحرص على جعلهم يعجلون بجلائهم عنها، ولما لم يكن خافيا عليه الغرض من مجيء «مانجان» إلى دمنهور، ورفض الباشا مقابلته إلا بعد ذهاب المندوبين الإنجليز، فقد أراد إزالة ما يكون قد ساوره من شكوك حول نواياه نحو فرنسا في الوقت الذي كان لا يريد الباشا فيه خسران صداقة هذه الدولة على حساب صداقة جديدة مع دولة لم يظهر وقتئذ أي دليل على أنها راغبة في الاستجابة إلى عروضه الأكثر أهمية؛ أي عقد محالفة معه ضد أعدائه وأعدائها من فرنسيين وأتراك، وهو ما جاء ضمن المقترحات التي حملها ترجمان الباشا في شهر مايو إلى «فريزر»، واعتبرها هذا وقتذاك غير معقولة وغير مفهومة.

على أنه لما كانت المعاهدة التي أطلع الباشا «مانجان» عليها قد خلت من أية نصوص متعلقة برعاية المصالح التجارية البريطانية والتعهد بمنع أي جيش أوروبي من الدخول إلى مملكته، يأتي لغزو مصر، أو يطلب المرور منها إلى الهند على نحو ما عرفه «دروفتي» عن بعض مقترحات الباشا عند بداية المفاوضات في شهر مايو، ووقف عليه وقتذاك من محمد علي نفسه، فقد ساورت «مانجان» الشكوك في أن المعاهدة التي أطلعه عليها الباشا الآن تشمل كل النتائج التي أسفرت عنها المفاوضة، وكتب في تقريره أنه من المحتمل وجود بعض مواد سرية ملحقة بهذه المعاهدة.

وكان عند عودة محمد علي إلى القاهرة بعد جلاء الإنجليز عن الإسكندرية وزيارة الباشا لها في ظروف سوف يأتي ذكرها أن تجدد الحديث بين «دروفتي» وبين محمد علي عن هذه المعاهدة، في مقابلة طويلة نقل خبرها «دروفتي» إلى «سباستياني» في 10 أكتوبر فقال: إن الباشا بعد عودته إلى القاهرة بيومين قابله، وبدأ هو (أي محمد علي) الحديث معه ببيان الضرورة القصوى التي حملته على إبعاد «مانجان» من معسكره العام بالقرب من دمنهور، ثم كذلك الظروف الملحة التي دعته إلى طلب سلفة من ثلاثين كيسا من التجار الإيطاليين بالإسكندرية، وقد حرص الباشا عند ذكر هذه المسألة الأخيرة على استرضاء «دروفتي» بإظهار ما وطد العزم عليه من رعاية المصالح الفرنسية، فاستطرد يقول إنه قد أصدر أمره إلى الدفتردار لدفع هذا المبلغ كله إليهم بكل سرعة بينما ينتظر الآخرون من رعايا الدول الأخرى حتى تدفع لهم مبالغهم من حساب جمارك الإسكندرية.

ويقول «دروفتي» إنه انتهز هذه الفرصة للاحتجاج بلهجة قوية على ما قد صار يبدو من عدم مراعاة وقلة مبالاة في المدة الأخيرة نحو وكلاء الحكومة الفرنسية على عكس ما صار يحدث مع وكلاء الدول المعادية أو المحايدة ويقصد القنصل الفرنسي هنا «بتروتشي» و«روشتي» على وجه الخصوص، ولكن الباشا علل ما حدث بأن الظروف وحدها هي التي اقتضت ذلك، وقال إنه يرغب مخلصا في أن تستمر علاقاته بي تسودها المحبة والانسجام كما كانت من قديم، وفضلا عن ذلك فقد حرص الباشا على إخبار «دروفتي » بأن القواد الإنجليز أرادوا إقناعه بأن جيشا فرنسيا سوف يحضر قريبا إلى مصر، ولم يدع الباشا فرصة ل «دروفتي» حتى يرد على هذا الكلام، بل استمر في حديثه إلى أن قال إنه بمثل الأتباع والجيش اللذين له لا يناسبه بتاتا أن يقبل استبدال أي حكومة أخرى، أو أي مكان آخر في تركيا بباشوية القاهرة، وقد علق «دروفتي» على هذه العبارة بأنه كان الأحرى به أن يقول إنه لن يشعر أنه آمن على نفسه وحكمه في أي مكان آخر أكثر مما يشعر به وهو في مصر.

ويكشف حديث الباشا هذا مع «دروفتي» في القاهرة، كما يكشف حديثه السابق مع «مانجان» في دمنهور عن حقيقة الأغراض التي كان يهدف إليها الباشا من اتفاقه مع الإنجليز، وهي أغراض سبق أن أوضحناها عند الكلام عن مرحلة جس النبض الأولى في المفاوضات التي جرت بينه وبينهم، وتتلخص في رغبة محمد علي أن يستطيع بتسوية خلافاته مع الإنجليز على أساس جلاء هؤلاء عن الإسكندرية ودخول هذه في حوزته، فيحرم الباب العالي من قاعدة هامة، يتسنى له حبك مؤامراته فيها ضد حكومته، أو يرسل إليها أساطيله بقيادة القبطان باشا، تحمل واليا جديدا يحل محله في حكم البلاد، وأمرا بإبعاده من مصر، ونقله إلى باشوية أخرى، نقول: إن محمد علي أراد بتسوية خلافاته مع الإنجليز التمهيد لعقد محالفة معهم، تؤمنه على باشويته في مصر ضد الأتراك أنفسهم قبل أي شيء آخر، ثم ضد أي غزو قد يأتيه من جانب الدول الأجنبية، ومنها فرنسا ذاتها، أضف إلى هذا كله أنه طالما بقي الإنجليز أصدقاء للمماليك، فقد انتفى كل اطمئنان لدى الباشا من ناحية الإنجليز والمماليك على السواء، وظل قائما في نظره خطر تجديد الأولين محاولتهم لغزو البلاد، واستمرار مناصرتهم للبكوات في مسعاهم من أجل استرجاع سلطانهم المفقود في حكمها.

ويزيد اتضاح هذه الحقائق عند الوقوف على ما يصح تسميته بالجانب السري من المفاوضات التي جرت بين محمد علي و«فريزر». (5) الجانب السري من المفاوضات

فقد تقدم كيف بدأ محمد علي محاولاته لإقناع الإنجليز بعقد محالفة معه، وقت أن بعث بترجمانه مع «ديلانسي» في شهر مايو إلى الإسكندرية لمقابلة «فريزر»، وكيف أخفقت هذه المحاولة الأولى، ولكن استئناف المفاوضات لم يلبث أن أحيا أمل الباشا في إمكان بلوغ غايته ، فانتهز فرصة وجود «شربروك» و«فيلوز» بمعسكره لإبرام المعاهدة، وراح يتحدث إليهما من جديد في أمر هذه المحالفة، ولما كانت عروضه السابقة من حيث رعاية المصالح التجارية البريطانية وتمكين النفوذ البريطاني في مصر، ومنع الفرنسيين من النزول في هذه البلاد، والدفاع عنها ضد أي اعتداء قد يقع عليها من جانبهم، لم تكف جميعها لإقناع الإنجليز بالمزايا التي سوف تكون لهم من التحالف معه، فقد عرض عليهم الآن نفس ما ظل أحد أحزاب المماليك برئاسة شاهين بك الألفي يؤكده للميجور «مسيت» وللجنرال «فريزر»، وهو وضع نفسه تحت حماية بريطانيا، ثم إنه لم يلبث أن لوح للإنجليز بمزية أخرى ونفع عاجل، يرجو به استمالتهم إلى عقد هذه المحالفة معه، فوعد بتموين سفنهم سرا طوال مدة الحرب، إذا اقتربت هذه من الإسكندرية تطلب تزويدها بالمياه العذبة من النيل أثناء تجوالها في البحر الأبيض، وطلب الباشا في نظير هذا كله أن يستخدم الإنجليز ما لديهم من قوات بحرية للدفاع عن الإسكندرية إذا حاول الأتراك أو الفرنسيون، أو حاولت جيوش أية دولة أخرى مهاجمة الإسكندرية بحرا.

وقد دلت رغبته في أن يعاونه الإنجليز على دفع أي هجوم قد يقع عليه من ناحية الأتراك، وهي نفس الرغبة التي أبداها بواسطة ترجمانه في شهر مايو، على أن الباشا قد صح عزمه قطعا على الظفر بذلك الاستقلال الذي أشار إليه «مسيت» في تقاريره مرات كثيرة، وبالوضع الذي ذكره «دروفتي» في تقاريره هو الآخر إلى «سباستياني»، أي الاستقلال على نمط ما هو قائم فعلا في وجاقات الغرب، وذلك بأن يستقل في شئون الحكم الداخلية، ويثبت في ولايته، ولا تربطه بالباب العالي سوى تبعية السيادة الرسمية التي لا يرمز لوجودها سوى دفع الخراج السنوي فحسب، والأهم من هذا كله أن يصبح الحكم في مصر وراثة في أسرته.

فمن المعروف أن وجاقات الغرب تتألف من طرابلس الغرب وتونس والجزائر، سميت بالوجاقات نسبة إلى الأوجاق أو الوجاق، وهو الطائفة من الجند، والمقصود هنا هو وجاق اليكجرية أو الانكشارية، وجاق السلطان، وهم الذين كانت قد صارت لهم الغلبة بعد فتح العثمانيين في القرن السادس عشر لهذه البلاد التي أهلها من البربر، فاستأثر الانكشارية بالسلطة الفعلية في وجاقات الغرب، فصاروا يولون ويعزلون «الدايات» في الجزائر حسب أهوائهم، ويستبد «الدايات» بالحكم، ولا يربط أحدهم بمقر السلطنة العثمانية سوى ما يبعث به «الداي» من الهدايا إلى القسطنطينية علامة على خضوعه للسدة السلطانية، ودفع الخراج، وتدهور نفوذ الدولة حتى انعدم كلية في تونس وطرابلس الغرب، فحكمت في تونس الأسرة أو الدولة الحسينية نسبة لمؤسسها المولى حسين بن علي منذ 1701، وكان الحكم وراثيا في هذه الأسرة، ويعاصر هذه الحوادث في مصر من حكامها الباي حمودة باشا (1782-1814)، وحكمت في طرابلس الغرب الأسرة القره مانلية، نسبة إلى مؤسسها أحمد بك القرمانلي منذ 1711، وكان الحكم وراثيا في هذه الأسرة كذلك، وكان الحاكم وقتئذ يوسف باشا القره مانلي (1795-1835)، وكان كل هؤلاء الدايات في الجزائر والبايات في تونس والباشوات في طرابلس الغرب مستقلين في شئونهم الداخلية عن سلطان الدولة العثمانية، بل ويستقلون عنها كذلك لدرجة بعيدة في علاقاتهم الخارجية مع الدول الأجنبية، ولا يربطهم بالسلطان العثماني سوى التبعية الاسمية.

وذلك إذن هو الوضع أو الاستقلال الذي طمح إليه محمد علي، وأراد التهيؤ لبلوغه بكسب صداقة الإنجليز، واستمالتهم إلى التحالف معه، وكانت رغبته في الظفر به من الباب العالي طوعا أو كرها مبعث تلك المفاوضة السرية التي أجراها مع الإنجليز إلى جانب مفاوضته العلنية معهم، والتي انتهت بعقد اتفاق الجلاء عن الإسكندرية.

ناپیژندل شوی مخ