211

مصر په د نهیم پېړۍ پیل کې

مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)

ژانرونه

وكان تعليق «فريزر» على هذه المفاوضة أنها سوف تكسبه وقتا آخر لإنجاز استعداداته للتحصن بالإسكندرية والدفاع عنها، وأنه قد يكون الغرض من مقترحات الباشا خديعة الإنجليز، حتى يقللوا من نشاطهم، ويخف حذرهم منه، كما أنها قد أثارت بعض الشكوك لدى أتباع الباشا الذين رأوا في هذه المفاوضة تدبيرا سريا تحاك خيوطه بين «فريزر» ومحمد علي، وأما «ديلانسي» والترجمان فقد غادرا الإسكندرية يوم 18 مايو في طريقهما إلى القاهرة، واختتم «فريزر» رسالته بقوله: إن الترجمان قد وعد بأنه سوف يعود ثانية إلى الإسكندرية سريعا، ورأى «فريزر» من المناسب أن يهديه هدية طيبة.»

وفي اليوم التالي (19 مايو) عاد «فريزر»، فكتب إلى الوزير «وندهام»، يذكر له ضمن مسائل أخرى خبر هذه المفاوضة، فقال: إن «ديلانسي» وترجمان الباشا قد وصلا إلى الإسكندرية من بضعة أيام قليلة مضت، وإن الأخير قد جاءه بكتاب تحية من محمد علي، وقائمة بأسماء الأسرى في القاهرة، ثم استمر يقول: ولقد كان إحضار هذه القائمة السبب الظاهر لمجيئه، ولكن غرضه الحقيقي - على ما يبدو - هو محاولة معرفة نوايانا بشأن هذه البلاد، ويبدو أنه أراد أن يجعل معروفا لدينا ما يرغب فيه سيده من حيث إنشاء العلاقات الودية معنا، ولقد أجبته باحترام، وإنما في عبارات عامة أنه يسعدني أن تقوم علاقتي معه على أساس ودي، وأنه حينما يوضح عواطفه نحونا بصورة أكثر تحديدا، أقوم من ناحيتي وبطيب خاطر بتوضيح كل ما قد يرغب في معرفته بشأن ذلك، وكان من رأي «فريزر» أنه سوف يسمع قريبا من الباشا مرة أخرى.

وأما «مسيت» الذي خشي أن تنجح مساعي محمد علي في استمالة الإنجليز إلى الصلح والمحالفة معه، ثم إخلاء هؤلاء للإسكندرية وجلائهم عن البلاد نتيجة للصداقة الجديدة التي يسعى الباشا لعقد أواصرها معهم، فقد راح يفسر للورد «كاسلريه» في رسالته إليه بتاريخ 18 مايو البواعث التي دعت في نظره إلى مسعى محمد علي لكسب صداقة الإنجليز، وهي بواعث - إذا صح تفسير «مسيت» - لها بالصورة التي تعمد في رسالته إبرازها من شأنها، كما اعتقد «مسيت» أن تصرف حكومته عن التفكير في استبدال صداقة محمد علي بصداقة حلفائها القدامى البكوات المماليك، ولما كان يخشى من تأثر ما قد تتخذه حكومته من قرار فاصل في شأن حملة «فريزر» نفسها، بما صادفته هذه الحملة من هزائم على أيدي الأرنئود، فقد عزا الفشل الذي حدث إلى أخطاء عسكرية فنية في قدرة المسئولين عن عمليات الحملة تلافيها، ولا يجب في واقع الأمر أن تكون مبعث تشاؤم وتوقع تكرار الهزيمة، لا سيما وأن هناك من الوسائل ما يكفل الاحتفاظ بالإسكندرية، ودفع أي هجوم يقع عليها، وبخاصة بعد إرسال النجدات إليها، وتزويد أهلها وحاميتها بالمؤن والأغذية، واستند «مسيت» في رأيه الذي ذهب إليه من حيث ضرورة الاستمرار على مصادقة البكوات والمماليك، على أن هؤلاء لم يعقدوا صلحا مع محمد علي، وأنهم لا يزالون بالرغم من انقطاع رسائلهم إليه مدة من الزمن على عهدهم معه، وكان في رسالته هذه أن نقل «مسيت» إلى «وندهام» خبر المفاوضة التي جرت بين ترجمان الباشا وبين الجنرال «فريزر».

وعلى ذلك، فقد استهل «مسيت» خطابه هذا إلى «وندهام» بقوله إنه يتشرف بإبلاغه أن باشا مصر قد أرسل ترجمانه الخاص إلى هذا المكان مزودا بتعليمات تقتضيه أن يكتشف نوايا الحكومة البريطانية الحقيقية بالنسبة لهذه البلاد؛ إذ يبدو أن محمد علي باشا قد اطلع على رسالة من الجنرال «فريزر» إلى البكوات، أكد فيها قائد الحملة الأعلى لهؤلاء أنه بعيد كل البعد عن التفكير في فتح مصر، حيث تطلب منه تعليمات حكومة جلالة الملك احتلال الإسكندرية فحسب؛ كي يحول دون سقوطها في قبضة الفرنسيين، وأن يؤازر ويضفي حمايته على تلك الأحزاب أو الجماعات التي قد ترغب في إنشاء صلات ودية مستديمة مع بريطانيا العظمى، وكان بسبب هذا أن عمد باشا مصر - وهو الذي يهدف من أمد بعيد إلى الاستقلال على نحو ما ذكرت ذلك مرارا في تقاريري إلى وزراء جلالة الملك - إلى إصدار تعليماته إلى ترجمانه بأن يبذل قصارى جهده ليحمل الجنرال «فريزر» على عقد تلك المحالفة التي عرضها هذا على المماليك معه هو نفسه، ولما كان الجنرال يرى من الحكمة كسب الوقت، فقد أعلن للترجمان أنه إذا كان سيده محمد علي يطلق سراح الأسرى الإنجليز، ويتعهد بعدم وقف أو منع الإمدادات التي تأتيه من الأغذية وما إليها، ويسمح في الوقت نفسه بفتح المواصلات وإبقائها حرة للتبادل التجاري بين الإسكندرية ورشيد والقاهرة، فإنه؛ أي «فريزر» من ناحيته سوف لا يتدخل في أمر حكومة البلاد الداخلية فحسب، بل وسوف يسدي إلى الباشا أية خدمة في مقدوره إسداؤها إليه نظير أن يقوم الباشا من جانبه بإطلاق سراح الأسرى، وأما نوع هذه الخدمة، فلو أنه لم يذكر صراحة، فالمفهوم أنه مبلغ من المال الذي يفتقر إليه الباشا بدرجة بلغت ذروتها القصوى.

وليس من شك في أن عقد معاهدة صداقة مع محمد علي قد تأتي ببعض الفائدة الوقتية، مع ذلك إتاحة الفرصة لنا لتحصين هذا المكان (الإسكندرية) بصورة تدفع عنه العدو مهما عظمت جهوده، وعامل الوقت يتكفل من ناحية بإضعاف ثقة الأرنئود في أنفسهم، وهي الثقة التي سببتها أخطاؤنا نحن، وبتقوية روح جنودنا المعنوية من ناحية أخرى، وهم الذين أضعفت النكبات الأخيرة عزائمهم، ولكن لا ترجى فائدة ينتفع بها بصورة ثابتة من محالفة تعقد مع طراز من الرجال المرتزقة والذين لا يوثق فيهم، كهؤلاء الأرنئود، وسوف ينتهز عندئذ المماليك الذين يصبحون في هذه الحالة أعداء لنا كل فرصة لتحريضهم على الثورة والعصيان، أو على الأقل على الهرب من الصفوف، ثم إن الوكلاء الفرنسيين سوف يقبلون بكل غيرة وهمة على مساعدة المماليك في ذلك، ومع أنه ليس هناك ما يجعلنا نخشى على سلامة الإسكندرية، فقد تضطرب مواصلاتنا مع سائر جهات البلاد اضطرابا عظيما، فصلا عن أن الأهلين سوف يفزعهم ويرعبهم قيام محالفة من شأنها تقوية أولئك الذين استبدوا بهم وأرهقوهم بمظالمهم.

لقد سمح للكابتن «ديلانسي» من آلاي الفرسان الدراجون العشرين، وأحد الضباط الذين أسروا في واقعة الحماد بأن يصحب ترجمان الباشا، وقد وقفت منه على بضع حقائق أرى من واجبي أن أبلغكم إياها.

فالجند الذين هاجموا قسم الجيش الذي كان بالحماد تحت قيادة الكولونيل «ماكليود» لم يزد عددهم على الألفين، وعندما تعجبت من أن ثمانمائة جندي بريطاني يبيحون لمثل هذه القوة أن تلحق الهزيمة بهم، أجاب الكابتن «ديلانسي» بأن الضباط والجنود جميعا كان قد بلغ توقعهم الفشل درجة لا مفر معها من حدوث مثل هذه الكارثة لو أن عدد العدو كان ألفا فقط، ولكنه مما تجب ملاحظته أن جنودنا كانوا مقسمين إلى ثلاث أو أربع فصائل صغيرة، الأمر الذي جنى منه العدو فوائد عظيمة. وعدا ذلك فإنه يستبين من تقرير الكابتن «ديلانسي» أن عملية التقهقر من الحماد لم تنفذ بحكمة.

وإنها لحقيقة مؤسية ومحزنة أن الفشل الذي أصاب جنودنا في هجومهم الأول على رشيد ومشاهدة عصابات الأرنئود المتوحشة، تقطع رءوس الجرحى، قد أحدثا أثرا عميقا في النفوس، حتى إن اليأس والقنوط شملا الجيش بأسره، فبولغ في تقدير قوة العدو وبسالته، وصرنا نسلم دون خجل أو حياء بأننا عاجزون عن الدفاع عن الإسكندرية، وذهب كثير من الضباط الممتازين لأيام قليلة خلت إلى أن الجلاء السريع هو الوسيلة الوحيدة التي يمكن بها إنقاذ الجيش من التحطيم والفناء، ولقد شرفني الجنرال «فريزر» باستشارتي في مناسبة وحكمة اتخاذ مثل هذا الإجراء، فأبديت معارضتي له بأقصى شدة ممكنة، الأمر الذي أرجو أن تنال موافقة جلالة الملك، وقوات باشا مصر لا تزيد على سبعة آلاف رجل يحتفظ بألفين منها في القاهرة، وفي وسعنا بمساعدة الأسطول أن نحول دائما دون اقتراب العدو منا من ناحية جانب المدينة الشرقي، وسوف يكفي - في رأيي - لردعه ومنعه من مهاجمتنا من ناحية الجانب الغربي، معرفته (أي العدو) لكل تلك الصعوبات التي سوف يصادفها عند عبوره الصحراء بمدافعه الثقيلة وذخائره ومؤنه، وحتى إذا سلمنا بأن في قدرته تذليل كل هذه العقبات، فماذا يمكن أن يخشاه جيش بريطاني من حوالي الأربعة آلاف مقاتل من جند من الأتراك يبلغون الخمسة آلاف؟

ومما يدعو للأسف كثيرا أن تكون نسبة الأجانب في الجيش كبيرة، لا سيما وأن آلايا من الآلايات التي تضم إليها أجانب يتألف برمته من مجنديهم، وإذا حدث أن تعرضت هذه المدينة (الإسكندرية) لهجوم العدو عليها، فإن الجنرال «فريزر» الذي لا يزال يرقب السكان بعين ساهرة ولا يطمئن إليهم، ولا يثق في الجنود الأجانب الذين هم تحت قيادته، لا يريد المخاطرة بالخروج من المدينة لقتال العدو، ولو أن الاشتباك في معركة مع العدو خير فرصة لاسترجاع تفوق جيشنا على جيش العدو؛ حيث أنه لا مجال لأي شك في أننا سوف ننتصر عليه انتصارا تاما، نتمكن بفضله من استعادة النفوذ الذي فقدناه.

ولقد أغريت بطريق الهدايا العربان البدو ليس على إمداد المدينة بالمؤن فحسب، بل وإظهار أنفسهم كذلك في حشود كبيرة في إقليم البحيرة المجاور لنا بدرجة جعلت الأتراك حتى هذه اللحظة لا يعتبرون من الحكمة القيام بجهد نشيط لوقف ومصادرة الإمدادات التي تأتينا، ولقد ترتب على المثابرة في تزويد هذه المدينة بكل ما تحتاج إليه من ضرورات الحياة أن صارت كل مجهودات العدو لقطع مواصلاتنا مع داخل البلاد لا جدوى منها، ولا يمكن أن ينجم عنها أي انزعاج لنا؛ حيث إنه صار لدينا من المؤن الآن ما يكفينا لمدة ستة شهور.

ناپیژندل شوی مخ