مصر په د نهیم پېړۍ پیل کې

محمد فؤاد شکری d. 1392 AH
177

مصر په د نهیم پېړۍ پیل کې

مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)

ژانرونه

وكان برشيد وقتئذ قوة سليمان أغا الذي اضطر إلى الارتداد إليها منذ حوادث 15، 20 مارس التي صحبت تسليم الإسكندرية، وهذا عدا حوالي المائتين من الجنود العثمانلي المجلوبين من دمنهور وحامية رشيد الأصلية، وقد تراوح عدد الجنود جميعهم بها بين 450، 550 حسب تقديرات «مسيت» و«تابرنا» و«مانجان»، كانوا مسلحين تسليحا رديئا، ولا ذخائر كافية معهم، ولا أثر لأية روح معنوية لديهم؛ لأنهم على وجه الخصوص ما كانوا يستطيعون الاعتماد على مناصرة أهل رشيد لهم، وقد كتب منها منذ 27 مارس «روشتي» إلى «البطروشي»، وكان الأخير يقيم وقتئذ في قرية قريبة من رشيد، أن الشيخ حسن (وهو السيد حسن كريت نقيب الأشراف برشيد) قد استمر في هذه الأيام الأخيرة يبذل قصارى جهده دون انفكاك لإقناع أهل رشيد والجند الذين بها معا بأن المكان لا يمكن الدفاع عنه، ولا يزال الشيخ حسن كريت يعمل بطريقة تفضي إلى إغراء الجنود على إخلاء المدينة، ويبدو أن هؤلاء قد بدءوا فعلا يتبعون نصائحه ويخلون المدينة مما سوف يكون عند تمامه مبعث راحة عظيمة لنا، ولجميع السكان على السواء، والواقع أن الشيخ حسن كريت كان قد نجح في التأثير على الأهالي، وإقناعهم باستحالة الدفاع عن مدينتهم ضد الإنجليز، حتى إنهم صاروا لا يخفون ولاءهم لهؤلاء الأخيرين، وميولهم الودية نحوهم، ثم إن مساعي الشيخ لدى الجنود لإغرائهم على الانسحاب من رشيد وإخلائها، جعل مقاومة هؤلاء للإنجليز عند قدومهم ميئوسا منها.

وبالفعل ظهر كأنما الإنجليز لن يلقوا أية مقاومة في هجومهم على رشيد، عندما لم يعترض سيرهم شيء، حتى وصلوا إلى مرتفعات أبو منضور وبدا كل شيء هادئا، وساد الاعتقاد بأن المدينة سوف تسقط من غير قتال، وقرر «ووكوب» لذلك دخول رشيد في اليوم التالي، وفي 21 مارس خرج قسم من حامية رشيد لملاقاة العدو خارج أسوار المدينة وتبادل مع كشافة الإنجليز الذين أرسلوا للاستطلاع إطلاق الرصاص، ولكن هؤلاء أرغموهم على الارتداد والدخول إلى مدينتهم ثانية، وعندئذ نظم «ووكوب» قواته في ثلاثة طوابير، الأول لاقتحام المدينة من ناحية البساتين الممتدة على طول شاطئ النيل، والثاني لاقتحامها من الوسط؛ أي من باب المدينة الرئيسي، والثالث في الميسرة لاقتحامها من باب الإسكندرية، وفي هذا الترتيب لم يحتفظ «ووكوب» بقوة احتياطية تحمي مؤخرته إذا حدث تقهقر وارتداد، أو تمنع العدو من الخروج من المدينة لمحاولة إشغال الجنود وإزعاجهم وهم يقاتلون بداخلها، فكان إغفال تنظيم هذه القوة الاحتياطية خطأ من جانب قائد الحملة الذي أغفل كذلك توضيح نوع المقاومة التي قد يلقاها جنوده وضباطه داخل مدينة مزدحمة بالمباني، وإرشادهم إلى الوسائل التي يستطيعون بها التغلب عليها، والظاهر أن «ووكوب» كان يعتقد - بفضل المعلومات التي لديه عن الحالة في رشيد - أن الجند المدافعين عنها سوف يضطرون إلى إخلائها عند دخول الإنجليز واقتحامهم لها أو التسليم كأسرى حرب، ومن المحتمل كذلك أنه كان يجهل طرق العثمانيين في الدفاع داخل مدينة يجدون في مبانيها ودورها وسائل للوقاية من نيران العدو من جهة، ومواقع قد يستخدمونها في إصلاء العدو نارا حامية من النوافذ والطيقان وما إليها، وهم ممتنعون خلف جدرانها من جهة أخرى، ثم إن شوارع المدينة الضيقة تمكن المدافعين عنها إذا شاءوا الثبات والصمود والمقاومة من الالتحام مع عدو يجهل على وجه الخصوص مسالكها، فرادى أو جماعات صغيرة؛ حيث إنه من المتعذر - لضيق الدروب والشوارع - تجمع وحدات كبيرة بها، وفضلا عن ذلك فقد أهمل «ووكوب» - لاعتقاده دائما بأن الأرنئود والعثمانلي سوف يسلمون أو يخلون المدينة - القيام بعمليات استكشافية دقيقة أو كاملة، ولم تتجاوز التعليمات التي أصدرها إلى جنده مطالبتهم بالدخول إلى المدينة فحسب، حقيقة كان بعض الأرنئود قد بدءوا يتقهقرون عند بدء الهجوم، وأعطيت الأوامر لحرق رشيد، وبعث بعض التجار والمسيحيين بها يطلبون ضمانات من الإنجليز لحمايتهم وتأمينهم، ولكنه فات على «ووكوب» إدراك أنه من النادر جدا أن يلقي العثماني أو الشرقي سلاحه، وأنه لا يتوقع أن ينال رحمة من أحد؛ حيث إنه هو نفسه لا يرحم أحدا، وأنه؛ أي العثماني أو الشرقي قد يفر هاربا دون تردد إذا سنحت الفرصة، ولكنه إذا لم تكن هناك وسيلة أخرى غير الصمود والدفاع عن نفسه، فإنه سوف يدافع عن نفسه حتى اللحظة الأخيرة، ولن يبيع حياته عندئذ بثمن بخس، وتلك كانت أخطاء عزا إليها «مسيت» فيما بعد بعض الأسباب الهامة التي أدت في نظره إلى فشل الحملة؛ لأن الإنجليز انهزموا شر هزيمة في هذه الواقعة.

فقد بدأت الطوابير الثلاثة حركتها حسب الأوامر المعطاة لها، ودفع طابورا الجناحين أمامهما في أول الأمر العدو حتى أرغماه على الانسحاب والارتداد السريع، ولكن الطريق الذي كان على الطابور الأول أن يسير فيه لاقتحام البلدة كان صعبا؛ لأنه كان ممتدا على طول حافة النهر (النيل) ويقع على يساره مرتفع مغطى بالأحراش، وأهمل «ووكوب» احتلال هذا المرتفع، ولو أنه فعل لما استطاع المدافعون القيام بحركة خروج مسلح للاشتباك مع المهاجمين، زد على ذلك أن «ووكوب» أخطأ خطأ كبيرا في اجتياز هذا الطريق؛ لأن أسوأ المعلومات عنه ومهما كانت ناقصة، ما كان ينبغي حتى مع قصورها هذا أن تجعله يقرر اتخاذه مدخلا لاقتحام المدينة منه؛ وعلى ذلك، فقد تعرض المهاجمون من هذا الطريق لضرب شديد متصل من المرتفع الذي سبقت الإشارة إليه، وكذلك من مرتفع آخر على ضفة النهر المقابلة دون أن يستطيعوا المجاوبة، فكانت مفاجأة أشاعت الاضطراب في صفوف المهاجمين الذين اضطروا إلى ترك المدفع الذي كانوا يجرونه بأذرعهم، وفقدوا ثلثيهم بين قتيل وجريح، وعندئذ خرجت حفنة من فرسان المدافعين كادت تجهز تماما على البقية الباقية منهم.

وأما الطابور الثاني المكلف باقتحام المدينة من بابها الرئيسي في الوسط، فإنه لم يلبث أن قام بحركة انتشار غير حكيمة، عندما صار على بعد ثمانين ياردة فقط أو ثمانمائة متر تقريبا من منازل المدينة، فتعرض لضرب شديد من مبانيها وطيقان أسوارها، ولكن المهاجمين استطاعوا إسكات هذا الضرب، ثم تمكنوا بعد مشقة من فتح ثغرة في السور تدفق منها المهاجمون وعلى رأسهم الجنرال «ووكوب» إلى داخل المدينة، فأخلى الأتراك والأرنئود المنازل الأمامية، وتقدم الإنجليز بسرعة ودون تكبد خسائر كبيرة إلى وسط المدينة، ولكن دون أن يكون لهم هدف محدد كذلك.

وكان عندئذ أن عرف «ووكوب» أن الطابور الثالث قد أبدى ترددا في اقتحام المدينة من جهة باب الإسكندرية، بسبب مقاومة المدافعين عنه الذين أرغموهم على الارتداد، فأسرع «ووكوب» بالذهاب إلى هذا الموقع، ليجد أن الجنرال «ميد» قد أصيب بجرح بليغ، وأن شيئا من الفوضى منتشر بين الجند، فأعاد النظام إلى نصابه، وعاود الجند الهجوم، وفي هذه المرة تمكنوا بعد مشقة من الدخول إلى رشيد، ولكن على مسافة كبيرة من يسار الهجوم الرئيسي، وعاد «ووكوب» أدراجه لينضم ثانية إلى طابوره الثاني الذي كان عندئذ قد استولى تماما على المواقع الرئيسية بداخل رشيد، وأصيب «ووكوب» عند دخوله إلى المدينة بجرح بسيط في كتفه، ولكنه لم يشأ إطلاع أحد على إصابته، وتقدم حتى وصل إلى مكان الجند الذين وجدهم يحتلون معسكرا أو محلة صغيرة للعدو، وسكت إطلاق الرصاص من البيوت المطلة على هذا الموقع والمجاورة له، عدا بيت واحد، وكان أثناء إصداره الأمر باقتحام هذا البيت أن أصيب «ووكوب» بإصابة قضت عليه من فوره، واقتحم الجند هذا البيت وقتلوا من به من الأتراك، ولكن موت قائد الحملة كان خسارة لا تعوض.

ومع أنه لا يعرف على وجه الدقة ما حدث بعد ذلك، فالثابت أن الإنجليز استمروا مدة ساعة واحدة لا ينازعهم منازع في امتلاك المدينة، ورسخ الاعتقاد في أذهان سكانها بأن رشيد قد سقطت نهائيا في أيدي الإنجليز، حتى إن عددا من كبار أهلها وتجارها المسيحيين، ومن بين هؤلاء «روشتي» كتبوا يطلبون من المحتلين ضمانات تؤمنهم على أرواحهم وأموالهم، وبادر «روشتي» نفسه بالكتابة إلى «بطروشي » يؤكد له أن الجيش البريطاني يحتل معظم المدينة، وأن السكان لم يشتركوا في المعركة؛ أي إنهم لم يدافعوا عن مدينتهم، بل على العكس من ذلك فإنهم راحوا يختلطون بالجنود الإنجليز، وقد بعث بهذا الخبر إلي الشيخ حسن كريت حتى أبلغك إياه، ثم إن الشيخ حسن يطلب حرس شرف لنفسه، ومن رأيي أنه ينبغي عليه أن يكتب بنفسه إلى القائد في ذلك كما اقترحت عليه في وقته، ولكن ما رأيك أنت في هذا كله؟ أرجوك إذا كان لديك وسيلة أخرى أن تحيطني علما بها؛ حيث إني في انتظار ردك علي بأقرب وقت ممكن، وقد أكد فيما بعد قومندان رشيد أو حاكمها علي بك السنانكلي أنه عندما هاجم الإنجليز رشيد للمرة الأولى لم يكن لديه سوى كمية ضئيلة من الذخائر، وأن المدينة التي كان الأرنئود قد أخلوا قسما كبيرا منها كان لا مناص من أخذ الإنجليز لها، لو أن هؤلاء لم يقعدوا ليأكلوا ويشربوا بدلا من الاستمرار في عملياتهم للاستفادة من المزايا التي كانت لهم، ثم إنه عندما سئل «تابرنا» بعد فشل حملة «فريزر» نهائيا وإخلائها الإسكندرية في الظروف التي سوف يأتي ذكرها ثم انسحابها إلى صقلية، وأريد الوقوف على أسباب هزيمة الإنجليز في رشيد، أجاب «تابرنا» على ما قدم إليه من أسئلة، بأن عدد الجند برشيد كان حوالي 450 رجلا، وأن الإنجليز لو أنهم طلبوا من حاكمها التسليم لكان الشيخ حسن كريت والسكان جميعهم قد أرغموا هذا الحاكم على التسليم بالقوة، وأن جنود حاميتها وعلى رأسهم قائد القوات الألبانية قد ألقوا بأنفسهم في النيل طلبا للنجاة بالوصول إلى الشاطئ الآخر سباحة، كما استخدم آخرون لهذا الغرض القوارب أو الألواح وقطع الخشب الطافية في النهر، حتى إنه لو لم يصدر أمر بتقهقر الجيش البريطاني لكان قد تسنى استيلاؤه على المدينة تماما، وأن أهل رشيد أبدوا أصدق العواطف نحو الإنجليز، وخرج عدد عظيم من رجال رشيد ونسائها من المدينة يحملون الخبز والماء وهم يصيحون: ينصر الله الإنجليز، وأنه بعد تقهقر هؤلاء الأخيرين، وانسحابهم ألبس عديدون من هؤلاء التعساء ملابس الجند الإنجليز القتلى، ثم ذبحوا انتقاما منهم.

والحقيقة أن فقد «ووكوب» حرم الجند من القيادة التي في وسعها إرشادهم وتوجيههم، كما أنه لم تكن هناك خطة موضوعة سلفا لبيان ما يجب على الجيش أن يفعله بعد اقتحام المدينة، فلم يعرفوا كيف يسلكون، وغرهم اختلاط الأهالي بهم وما لاحظوه من هدوء، فاعتقدوا أن العدو لن يعاود الكرة عليهم، وزاد في خديعتهم واطمئنانهم بظواهر الأمور أن «البطروشي» نائب القنصل البريطاني في رشيد، بادر بإقامة وليمة غذاء فخمة لضباط الحملة وكبارها في منزله - وقد كانت هذه من نصيب علي بك السنانكلي ورجاله بعد ذلك - فراح الجنود في جماعات صغيرة أو فرادى يجوبون أحياء المدينة وشوارعها الضيقة، وجلسوا في القهاوي والمطاعم يشربون أو يأكلون، بينما استلقى فريق منهم على الأرض ينشد الراحة، أو يطلب الظل في جوار الجدران، وذلك كله بدلا من أن يحتلوا المباني والمواقع الرئيسية في البلدة، أو يعملوا على تأمين خطوط مواصلاتهم.

لاحظ هذا الخمول وعدم النشاط علي بك السنانكلي الذي سرعان ما استرد شجاعته وثقته في نفسه عندما رأى أن أحدا لا يحاول مطاردته أو تعقبه، فعمد إلى نقل كل القوارب والسفن إلى شاطئ النيل الآخر، حتى يوقف ذهاب جنده إلى هذا الشاطئ، ويرغمهم على إطاعة أوامره، واسترد هؤلاء بدورهم شجاعتهم، ودخل بهم علي بك إلى المدينة مرة أخرى، ثم احتلوا المنازل من جديد وبدءوا في التو والساعة إطلاق الرصاص من النوافذ والطيقان على الجند الإنجليز المبعثرين في الشوارع والدروب، وفوجئ هؤلاء مفاجأة بنوع من القتال لا عهد لهم به، وصار من المتعذر عليهم أن يلموا شملهم، أو يدافعوا عن أنفسهم في أي جهد مشترك أو خطة منسقة، فسقط كثيرون منهم قتلى وجرحى، ومع ذلك فإن الموقف لم يكن ميئوسا منه؛ لأن حوالي المائة من الإنجليز بقيادة أحد ضباطهم استطاعوا الصمود في المكان الرئيسي وسط البلدة، ولكن أحد ضباط أركان الحرب تسرع في إبلاغ الجنرال «ميد» الذي تسلم القيادة العامة بعد موت «ووكوب» أن الهزيمة محققة، وأنه يخشى من إفناء الجند وإبادتهم، ولما كان «ميد» جريحا خارج البلدة ولا يعرف ما حدث بها، فقد أصدر أمره بالانسحاب منها، ووجب على الجند إطاعة الأوامر الصادرة إليهم، بالرغم من توقعهم تكبد خسارة فادحة من جراء التقهقر في الشوارع الضيقة، وعلمهم بأن العدو يهدد بقطع خط الرجعة عليهم.

ولشد ما كانت دهشة الجند الآخرين الذين كانوا مع ضابطهم لا يزالون صامدين في المكان الرئيسي بالبلدة، عندما شاهدوا زملاءهم على أهبة التقهقر والانسحاب، بينما يجد الأتراك والأرنئود في تعزيز مراكزهم خارج المدينة ومن جانبها، فلم يجدوا مناصا من الانسحاب هم أيضا، وكان عليهم أن يمروا في شارع ضيق ينتهي إلى الثغرة التي فتحت في السور وقت اقتحام المدينة، ولما لم تتسع هذه لمرور المدفع الذي كان معهم اضطروا إلى تركه.

ويقول التقرير الذي سجل حوادث حملة «فريزر»: «إن كثيرين من الجرحى بالمدينة وقعوا في يد العدو أثناء هذا الانسحاب، كما أن قسما من الجرحى الذين كانوا قد حملوا قبل ذلك خارج المدينة ووضعوا تحت حماية حرس صغير، لم يلبث الفرسان الأتراك أن أجهزوا عليهم، فكان عندئذ أن قتل البارودن «دي لوفين»

ناپیژندل شوی مخ