مصر په د نهیم پېړۍ پیل کې
مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)
ژانرونه
وقد لفت «دروفتي» نظر «مانجان» إلى النتيجة المنتظرة من اقتسام الألفي السلطة العليا مع محمد علي، وهي انتصار الإنجليز؛ ولذلك فقد صار واجب الوكلاء الفرنسيين أن يبطلوا مثل هذا المشروع إذا كان له وجود، وأما إذا وجد «مانجان» أن محمد علي قد أبرم فعلا اتفاقا مع البكوات، وهذا أمر استبعده «دروفتي» - كما قال - كشيء مستحيل، فالواجب على «مانجان» عندئذ أن يغير أسلوبه وأن يتناول هذه المسألة بالعناية الكبيرة، وعليه قبل أن يطرق هذا الموضوع مع محمد علي أن يبلغ ما وقف عليه إلى «دروفتي» حتى يبعث إليه هذا بنصائحه فيما يجب أن يكون عليه مسلكه من محادثاته مع الباشا، وكان مما أقض مضجع «دروفتي» ما وصله من أنباء من رشيد تفيد بأن الألفي قد تناول الطعام عند محمد علي يوم العيد الكبير، وأن محادثات دارت بين هذين حول تسمية الألفي شيخا للبلد وبقاء محمد علي في منصب الولاية، وأن الوكلاء الإنجليز يعتبرون هذا الحادث دليلا على نجاح مساعيهم، وطلب «دروفتي» من «مانجان» أن يبذل قصارى جهده حتى يعرف ما إذا كان لهؤلاء الوكلاء الإنجليز مراسلات مع محمد علي ثم نوعها.
وفي 15 مايو بعث «مانجان» إلى «دروفتي» يخبره بزيارته لمحمد علي بعد وصوله إلى الولاية ويشكو من مسلك «كارلو روشتي»، وكيل النمسا في مصر، وقد اهتم «دروفتي» بهذه المسألة، واعتبر أن نشاط «روشتي» يعدل في أذاه للمصالح الفرنسية في هذه البلاد ما يلحقه الوكلاء الإنجليز أنفسهم بنشاطهم من أذى بها؛ لأن «روشتي» - كما قال «دروفتي» - معروف بعدائه لفرنسا؛ ولذلك فالواجب الحذر منه ومن جماعته أكثر من الحذر من الإنجليز، ويرجو أن يسفر ما يحمله «ماثيو لسبس» من شكايات ضده إلى الإمبراطور، وتدخل هذا الأخير لدى حكومة فينا في وضع حد لجهود «روشتي» هذه وقصر نشاطه على تأدية واجباته السياسية؛ أي عدم التآمر ضد مصلحة فرنسا، ولما كان «دروفتي» حريصا على عدم إغضاب الباب العالي، فقد أبلغ «مانجان» في 22 مايو موافقته على زيارته لمحمد علي (الباشا الجديد) ولكنه يكرر عليه ضرورة اتخاذ الحيطة في اتصالاته معه حتى يتضح موقف الباب العالي من هذه الثورة أي انقلاب 13 مايو، وحتى تأتي «دروفتي» تعليمات من الجهات العليا. ومع ذلك، فقد وجد «دروفتي» من واجبه أن يذكر لمانجان أن مقابلة الأخير لمحمد علي وتردده عليه ضروريان لكسبه إلى جانب المصلحة الفرنسية ولإبطال مشاريع أعداء فرنسا، ثم أوصاه بأن تظل علاقاته به محاطة بالكتمان وغير علنية بقدر الإمكان؛ حتى لا تثير غضب ضباط أو رجال الباب العالي، وهم ممثلوه الشرعيون في هذه البلاد ضد الوكلاء الفرنسيين.
وفي اليوم نفسه الذي بعث فيه «دروفتي» بهذه التعليمات إلى «مانجان» في القاهرة، كتب الوكيل الفرنسي في 22 مايو إلى «باراندييه» بالقسطنطينية: أن أحدا لا يعرف عواقب الثورة التي حدثت، وأنه من المشكوك فيه أن يستطيع محمد علي تحقيق الشروط التي عرضها العلماء على خورشيد ورفضها هذا وتسلم محمد علي زمام الحكم على أساسها، إذ كيف يتسنى لمحمد علي إعادة فتح المواصلات مع الصعيد وطرد المماليك ما دام خورشيد موجودا بالقلعة وحوله جماعة من الأرنئود الموالين له، والاحتمال ضعيف في أن حامية المنيا التي منها قسم عظيم من العثمانلي وتحت قيادة سلحدار خورشيد باشا تضمر ولاء لمحمد علي، وفضلا عن ذلك، فمما يثير الاهتمام حقا معرفة نوايا الجند الدلاة ومدى تأثير نفوذ خورشيد عليهم، وكل هذه ظروف صعبة تتطلب إبداء همة ومهارة كبيرتين من جانب محمد علي لمواجهتها، أضف إلى هذا ضرورة استمالة جانم أفندي الدفتردار وهو صادق الولاء للباب العالي ولا يريد انتشار الحروب الأهلية في مصر ويبغض ما يقترن بها من فظائع، ولا يريد فقد البلاد، ويبغي المحافظة على سيادة الباب العالي عليها، تلك كانت الصعوبات التي رأى «دروفتي» أنها تعترض سبيل محمد علي، وأما فيما يتعلق بالمصالح الفرنسية فقد كان من رأي «دروفتي» بناء على ما سمعه من «ماثيو لسبس» ثم من «مانجان»: «إن هذه المصالح سوف تنال من الرعاية على يد محمد علي مثلما تناله على يد خورشيد باشا، ولم يجد الوكلاء الفرنسيون أبدا ما يقولونه عن هذا الأخير سوى الثناء على مسلكه، وإذا كان هناك ما أبطل ميوله الطيبة نحونا في بعض الظروف المعينة، فإن مبعث ذلك تحريض أعدائنا له ضدنا وخديعته، ولقد كان في استطاعتي شخصيا أن أحصل منه (أي من خورشيد) دائما على ممارسة حقوقنا وامتيازاتنا، ومع ذلك، فإني أعتقد - إذا أجيز لي إبداء رأيي - أن مصالح حكومتنا في هذه البلاد تغدو أكثر استقلالا وتحررا من تأثير النفوذ الإنجليز عليها إذا ثبت أن التصريحات التي أدلى بها محمد علي وأبان فيها محبته وولاءه لنا قد صدرت عن إخلاص حقيقي ويمكن الوثوق بها، فإن هذا الرجل الأرنئودي لعلى خلق كبير، وسوف يكون أقل تأثرا بوسائل الإغراء التي يلجأ إليها أعداؤنا، بل ومما يبدو لي أكثر استرعاء من غيره للانتباه، ما هنالك من قرائن عظيمة تشير إلى أن محمد علي بفضل القوات التي لديه سوف يتولى تنظيم مقدرات هذا البلد بالصورة التي تتفق ورغبات الحكومة التي تريد أن يكون لها شيء من النفوذ به عن طريق محمد علي.»
وأزعج «دروفتي» استمرار نشاط «روشتي» قنصل روسيا العام، وهو أيضا وكيل النمسا - الذي قال عنه: إنه يتراسل علانية مع البكوات في الوجه البحري في الوقت الذي يذيع فيه هؤلاء أنهم يعدون هجوما في القريب على رشيد والإسكندرية، ويحصلون الميري من بلدان الوجه البحري، كأنهم أصحاب الحكم الشرعيون في البلاد، كما أن «دروفتي» صار يشكو من «البطروشي» الوكيل الإنجليزي في رشيد، والذي أمد البكوات بالمؤن والذخائر والأسلحة، ومعنى هذا كله أن الوكلاء الإنجليز انتهزوا فرصة النضال القائم بين خورشيد ومحمد علي؛ ليساعدوا الألفي وجماعته على تمكين سلطان المماليك في الوجه البحري تمهيدا لتأسيس الحكومة المملوكية تحت رعايتهم، وتزايد قلق «دروفتي» عندما علم من «مانجان» أن الألفي قد بعث بأحد كشافه لمقابلة محمد علي يعرض عليه الاتفاق معه، ولو أن محمد علي قد رفض ذلك، ثم إن «دروفتي» لم يلبث أن وقف مما بعث به إليه «مانجان» من معلومات في 19، 20 مايو على التطورات التي حدثت بالقاهرة من حيث ذهاب الططر بعرائض المشايخ وعلماء القاهرة إلى القسطنطينية وهي العرائض التي يطلبون فيها عزل خورشيد وتثبيت محمد علي في باشوية مصر، ومن حيث وقوف الألفي بالقرب من الطرانة ينتظر دعوته لدخول القاهرة.
وعلى ذلك، فقد بعث «دروفتي» إلى «مانجان» في أول يونيو بتعليمات تدل على أنه لا يزال يقلب وجوه الرأي في إحدى الخطط الواجب اتباعها لمنع دخول الألفي حليف الإنجليز القاهرة، ولإضعاف حزبه، ولمنع أي اتفاق بينه وبين محمد علي، ولرعاية المصالح الفرنسية قبل أي شيء آخر، سواء تحقق هذا على يد محمد علي أو البكوات الموالين لفرنسا، فقال إنه يبدو له بناء على ما كتبه «مانجان» له: «إن حزبي خورشيد باشا ومحمد علي سوف لا يؤثران على مقدرات هذا البلد الذي يتوقف مصيره على إرادة المشايخ؛ ولذلك فالواجب الاتجاه نحو المشايخ إذا شئنا منع حزب الألفي من السيطرة، أما إذا لم يكن هناك مناص من وجود البكوات في القاهرة (أي دخولهم إليها)، فالأفضل أن يوجد بها عثمان البرديسي وليس الألفي عدو فرنسا، ومن الخير الحيلولة دون وجود الاثنين بالقاهرة إذا كان ذلك ممكنا.» ثم إن «ماثيو لسبس» كان قد ذكر له (أي ل «دروفتي») أنه كان اتفق مع محمد علي على طرد البرديسي من القاهرة؛ ولذلك فقد وعد البرديسي بالانتقام من شخص «لسبس» نفسه ومواطنيه إذا دخل القاهرة مرة ثانية، ومن هذا كان في وسع «مانجان» أن يدرك أن مصالح فرنسا السياسية والتجارية سوف تلقى عنتا كبيرا إذا دانت السلطة في القاهرة لأحد هذين: الألفي والبرديسي، وقد يكون سليمان بك أحد البكوات الآخرين أكثر ميلا من زميليه لخدمة المصالح الفرنسية، ولكن «دروفتي» لا يعرف الكفاية عن هذا البك، ويسأل «مانجان» أن يزوده بما يعرفه عنه، ثم خلص «دروفتي» من هذا كله إلى بيت القصيد من تعليماته هذه، وهو الاستعانة بالمشايخ الذين يتوقف في رأيه مصير هذا البلد على إرادتهم، فكتب: «وصفوة القول إذا استطاع المشايخ حقيقة أن يعطوا السلطة العليا لمن يروق لهم واستقر رأيهم على دعوة البكوات فمن صالحنا أن يقع اختيارهم على الرجل الذي يسعنا الاعتماد على صداقته فيما يعود بالنفع على المصالح الفرنسية.» ولذلك فهو يرجوه أن يبذل كل ما وسعه من جهد وحيلة لخدمة دولته، بالعمل من أجل استمالة المشايخ المعروف أنهم موالون لفرنسا، وبعد أن كرر له تعليماته السابقة بشأن منع أي اتفاق بين الألفي ومحمد علي، وذكر أن استئثار الألفي أو البرديسي بالحكم في القاهرة معناه انضمام محمد علي إلى الجانب الذي يحرم من هذه الحكومة، ثم وقوع الحرب الأهلية.
عاد «دروفتي» إلى مسألة المشايخ فقال: «ولا تنس - مخاطبا «مانجان» - أن تجعل أولئك المشايخ الذين يحفظون الود والاحترام للإمبراطور (نابليون) يشعرون أنهم بحمايتهم لذلك البك الذي يؤثره أعداؤنا على غيره إنما يحرمون أنفسهم من عطف وحماية الإمبراطور لهم، وعليك أن تجعلهم يرجون دائما أن الإمبراطور لن يحول أنظاره عن هذه البلاد.» وعلى «مانجان» أن يكون حكيما في مسلكه مع المشايخ وأن لا يتقيد بشيء معهم قبل استشارة «دروفتي» إلا عند الضرورة القصوى، وذلك إذا وجد المشايخ ينحازون إلى الألفي، فعليه عندئذ أن يعمل بحزم وبسرعة ودون أن يفقد لحظة واحدة، وأوضح «دروفتي» الموقف لمانجان في البحر الأبيض والأسباب التي تبعث القلق في نفسه من ناحية الإنجليز والألفي، فقال: «إن الرأي السائد بالإسكندرية أن الإنجليز إذا جاءوا إلى مصر، فسيكون ذلك بدعوى أنهم يريدون تجنيبها أخطار الغزو الفرنسي، وأنهم حصلوا من السلطان العثماني على فرمانات تخولهم إرسال حاميات إلى الأساكل وبخاصة إلى الإسكندرية، ومع ذلك، فإنه لا مسوغ - كما استمر «دروفتي» يقول - للخوف من الأسطول الفرنسي الذي غادر طولون؛ لأن هذا قد ذهب إلى المحيط الأطلسي، ولا وجه للخوف كذلك على جزيرة مالطة، بل من المستطاع إنقاص حاميتها، فإذا انضم حوالي الثلاثة أو الأربعة آلاف أوروبي إلى أعداد مساوية لهم من القوات التي يأتي بها الإنجليز من الهند، ثم انحاز إليهم الألفي وسائر البكوات الصغار الذين سوف ينضمون إليه ولا شك عندما يرونه وقد تزايدت قوته، فإن هذه الجموع تكفل للإنجليز الاستيلاء على مصر في هدوء وتولي إدارتها وحكومتها باسم الباب العالي.» وتوقع «دروفتي» انفصام العلاقات قريبا بين الباب العالي وفرنسا بسبب ما بلغه عن امتناع السلطان سليم من مقابلة «جوبير» رسول الإمبراطور الشخصي إليه؛ وعلى ذلك، «فسواء حضر الإنجليز إلى مصر وسواء قامت الحرب بين فرنسا والباب العالي، فمن الصالح لنا أن نعمل بكل وسيلة لإنشاء حزب في مصر يجعل احتلال أعدائنا لها أمرا متعذرا، ويضع العراقيل في طريق الإنجليز حتى لا يستطيعوا أثناء الحرب أن يظفروا بأي نفوذ سياسي وتجاري من شأنه أن يخلق مصاعب لا حصر لها وذات آثار ضارة مؤذية عندما يحين عقد السلام وللمستقبل»، وهكذا راح «دروفتي» يؤكد مرة أخرى ضرورة تأليف حزب وصف مهمته بأنها حمل حكومة القاهرة على تعيين قسم من قواتها البرية والبحرية للعمل من أجل دعم سلطانها في مصر في حالة انفصام العلاقات بين تركيا وفرنسا؛ أي تأليف حزب - كما قال - مهمته الإبقاء على الفوضى وركود التجارة وضمان استمرار ميدان الاقتصاد في مصر مجدبا حتى إذا عقد الصلح تسنى لفرنسا أن تعمر هذا الحقل المجدب بمنتجات مصانعها.
وواضح من هذه التعليمات ومما سبقها أن «دروفتي» حتى أول يونيو 1805 كان يرى أن هناك صعوبات كثيرة سوف يتعذر على محمد علي اجتيازها وأن ولايته لذلك غير مستقرة، ومن عوامل عدم هذا الاستقرار أيضا تحصن خورشيد بالقلعة، وتصميم الألفي على دخول القاهرة وإعادة تأسيس الحكومة المملوكية بها، منفردا أو بالاشتراك مع محمد علي، واعتقد «دروفتي» أن نجاح الألفي في أي الحالين سوف يلحق الأذى بالمصالح الفرنسية، ويترتب عليه تفوق النفوذ الإنجليزي في مصر، واحتلال الإنجليز للبلاد في آخر الأمر، وكان في هذه المرحلة إذن التي كانت بالنسبة ل «دروفتي» فترة دراسة وبحث للموقف من كل جوانبه، أن استقر رأيه على استخدام المشايخ على اعتبار أنهم القوة ذات الوزن في تقرير مصير هذه البلاد فأراد أن يؤلف منهم حزبا مستقلا في نشاطه عن جماعات خورشيد ومحمد علي والألفي، ولما كان محمد علي هو المسئول فعلا عن حكومة القاهرة، وكان الألفي صاحب قوات كبيرة في الوجه البحري ويربض بالقرب من القاهرة، وينال مؤازرة الوكلاء الإنجليز الذين يمدونه بالعتاد والأسلحة، فقد صار أخشى ما يخشاه أن يتفق الألفي ومحمد علي، على أساس مشاركة الأول كشيخ للبلد للثاني كباشا للقاهرة في الحكم، فيكفل هذا الاتفاق النصر للإنجليز ووكلائهم في مصر.
على أنه مما تجدر ملاحظته إلى جانب هذا كله أن الاعتماد على حزب المماليك الذي يرأسه البرديسي، والذي تظاهر بالولاء دائما لفرنسا، لم يدخل في هذه الأزمة في حساب «دروفتي» كوسيلة جدية ونافعة لتعطيل مساعي الوكلاء الإنجليز وإحباط مشروعاتهم، للأسباب التي أوضحها «دروفتي» نفسه؛ ولذلك فقد دار تفكير «دروفتي» في هذه المرحلة حول مواضيع ثلاثة: الألفي ومؤازرة الإنجليز له وفي نجاحه الفشل كل الفشل للسياسة الفرنسية في مصر مع ما يترتب على ذلك من آثار على تطور النضال القائم بين الإمبراطور وأعدائه في القارة الأوروبية ولا سيما الإنجليز، لن تكون في صالح فرنسا، ثم المشايخ، وقد صار واجبا أن تمر فترة من الزمن حتى يتأكد لدى «دروفتي» أنهم يناصرون محمد علي قطعا وأنهم قد تخلوا عن خورشيد نهائيا، حتى إذا استقر محمد علي في الحكم انتهى دورهم في الفصل في مصير البلاد حسبما تمليه إرادتهم، واستطاع «دروفتي» أن يقطع برأي حاسم في مصير الحكم في هذه البلاد، ثم محمد علي وقد رأى «دروفتي» أن يخاطبه بلغة الوعد والوعيد، حتى يستوثق من موقفه من فرنسا، فهو يذكره على لسان «مانجان» بتصريحاته الودية نحو فرنسا من جهة، ويذكره كذلك بأنه يعرف سره الذي أفضى به إلى «ماثيو لسبس»، ولا شك في أن «دروفتي» يعني بذلك رغبة محمد علي من مدة سابقة في الوصول إلى الحكم والولاية سواء رغب الباب العالي في ذلك أو لم يرغب.
وقد تبين ل «دروفتي» بعد أيام قلائل، أنه لم يكن في حاجة - في واقع الأمر - إلى اللجوء لهذا التهديد المستتر معه، فقد أكد «مانجان» أن الباشا متمسك بصداقته للفرنسيين، كما أكد له أنه يرفض الاتفاق مع الألفي، ومع ذلك فلم يكن هناك معدى عن تضافر عوامل عدة في الأسابيع القليلة التالية لإقناع «دروفتي» رويدا رويدا بأنه إذا شاء حقا إحباط مساعي الوكلاء الإنجليز، ومنع الألفي صنيعتهم وحليفهم من الاستئثار بالحكم، وجب عليه أن يبذل قصارى جهده لتأييد محمد علي حتى يضمن بقاءه في ولايته، وقد بدأ يظهر هذا التحول في صالح محمد علي بصورة محددة بعد التعليمات الأخيرة التي بعث بها «دروفتي» إلى «مانجان» في أول يونيو.
فقد كتب «دروفتي» إلى «باراندييه» في 6 يونيو أن معلومات قد جاءته من «مانجان» تفيد بأن الباشا لا يميل قطعا للاستماع إلى مقترحات الألفي، وذلك بناء على ما استقاه «مانجان» من أحد المقربين من محمد علي وخلصائه، بل وإنه ليس للإنجليز أية مراسلات معه، ويغضبهم أن يستمر محمد علي في منصبه واليا لمصر، وفضلا عن ذلك، فقد أكد «مانجان» أن خورشيد لن يستطيع البقاء طويلا في القلعة والدفاع عن نفسه في معقله هذا، ومع أن «دروفتي» اطمأن لتأكيدات «مانجان» الأولى، فإنه كان لا يزال يساوره الشك في عجز خورشيد عن الدفاع، فكان من رأيه أن هذا سوف يظل ممتنعا بالقلعة حتى يعود الططر الذين أرسلوا إلى القسطنطينية بقرار الباب العالي في النزاع القائم بينه وبين محمد علي، وبنى «دروفتي» رأيه هذا على جملة اعتبارات: منها مناصرة بعض الزعماء الأرنئود لخورشيد، ومن هؤلاء حسن باشا الذي قال عنه: إنه يمكن اعتباره منافسا لمحمد علي، ولأن محمد علي الذي يتمسك في ظاهر أعماله بالخضوع لمشيئة الباب العالي؛ بدليل أنه بعث مع المشايخ يطلب تعليمات جديدة من القسطنطينية، لا يمكن أن يلجأ إلى استخدام القوة مع خورشيد وهو ممثل السلطان الشرعي في مصر، ولأن «مانجان» نفسه يذكر وجود حزبين من العامة أو الشعب بزعامة المشايخ أحدهما مع خورشيد والآخر مع محمد علي، ومن صالح هؤلاء جميعا أن يسود الهدوء وأن تنتعش التجارة ويستقر الأمن والنظام؛ ولذلك فهم سوف ينتظرون أوامر الباب العالي، ولن يحمل المشايخ الشعب على اتخاذ أية إجراءات متطرفة، ثم إن «مانجان» لا يذكر شيئا عن الدلاة وهم عامل لا يجب في رأي «دروفتي» إغفال أثره.
ناپیژندل شوی مخ