مصر په د نهیم پېړۍ پیل کې
مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)
ژانرونه
وكانت الخطوة التالية هي جذب المشايخ إليه وإشراكهم معه في موقف المعارضة - ثم الخصومة إذا لزم الأمر - الذي عقد العزم على وقوفه من أوامر الباب العالي، ولقد كان جذب هؤلاء إليه وإشراكهم معه في المعارضة والخصومة سهلا ميسرا، لأسباب لم يفت على المعاصرين إدراكها، أهمها أن الباشا منذ أن تسلم مقاليد الحكم كان قد درج على خطة توزيع القرى والدساكر التي كانت بأيدي المماليك ودخلت في حوزة الحكومة على المشايخ وكبار العلماء، فصار لهؤلاء حصص التزام كبيرة ينتفعون بفائظها (أي بإيراداتها) بعد دفع مال الميري عنها، ثم ساعدهم كرم الباشا وسخاؤه على الاستكثار من هذه الحصص.
فنشأت بسبب ذلك طبقة من أصحاب الأملاك الذين صار يقتضيهم نفعهم الخاص مناصبة المماليك العداء، ولم يعد من صالحهم أن يسترجع هؤلاء سلطانهم في الحكم، وأن تعود الأوضاع القديمة حسب أوامر الباب العالي، زد على ذلك أن هؤلاء المشايخ قد ارتبطت مصلحتهم بمصلحة الباشا نفسه ارتباطا وثيقا منذ أن اشتركوا في حادث طرد البكوات من القاهرة، ثم فيما تبع ذلك من حوادث أظهرها وأبعدها أثرا انقلاب مايو 1805 الذي ترتب عليه إغداق حصص الالتزام عليهم من جهة، وزيادة رفعة شأنهم بين سواد الشعب من جهة أخرى بسبب ما وجده الباشا نفسه من فائدة الاستمرار في مشاورتهم، وقد خيل لفريق من هؤلاء المشايخ - كما سيأتي ذكره في موضعه - أن في وسعهم آخر الأمر مشاركة الباشا في تصريف شئون الحكم، فكان معنى نقله إلى سالونيك، وتمكين البكوات في الوضع المزمع إقامته من السيطرة على الحكومة زوال المزايا التي صارت لهم، فلم يكن هناك معدى حينئذ عن أن يرتبط مصيرهم بمصير محمد علي، ولم يكن هناك معدى عن إقبالهم على معاضدته، ولهذه الحقيقة أهمية فذة لا لبيان ما ظهر من جانبهم من مؤازرة لمحمد علي في هذه الأزمة؛ لأن ذلك كان حقيقا أن يحدث منذ أن درج المشايخ والسيد عمر مكرم على مساعدته وخصوصا في تحصيل الأموال - بالموافقة على فرض المغارم والإتاوات على الشعب - لدفع مرتبات الجند، ولأنهم كانوا عنصرا هاما من العناصر التي صنعت انقلاب مايو 1805، بل كان وجه الأهمية أن المشايخ والسيد عمر مكرم خضعوا في كل كبيرة وصغيرة أثناء هذه الأزمة لتوجيه محمد علي لهم، حتى إن العرائض التي كتبت باسمهم وقتئذ إنما أمليت عليهم موضوعاتها إملاء وإن كان الباشا قد ترك لهم صياغتها لأسباب واضحة، ثم هي أهمية فذة كذلك إذا عرفنا أن رأي المشايخ الصحيح في هذا الأمر كله عندما اتصل بهم رسل القبطان باشا كان على نحو ما ذكر «دروفتي» في رسالته إلى «تاليران» في 15 يوليو أنهم لا يحبون المماليك أكثر من حبهم للأرنئود (أي يكرهونهم جميعا) ولا يفضلون فريقا منهما على الآخر؛ لأن كلا الجماعتين لصوص، وأنهم لا يتعاونون مع الباب العالي على إنشاء حكومة جديدة إلا إذا شاهدوا منه اهتماما جديا بتوفير أسباب السعادة لأهل مصر، فتكون الحكومة التي يريدها لهم حكومة رشيدة ومنظمة تقوم على أسس ثابتة متينة أو على الأقل من طراز تلك الحكومات التي تتمتع بها سائر مقاطعات الإمبراطورية العثمانية.
ولما كانت الحكومة المقترح إنشاؤها الآن هي حكومة مملوكية في حقيقتها، فالواضح أنهم إنما كانوا يجدون في تأييدهم لمحمد علي والإذعان لتوجيهاته السبيل الوحيد لاحتفاظهم بما ظفروا به من منافع ومزايا لا يريدون التخلي عنها، وعلاوة على ذلك فقد ذكر «دروفتي» أن السيد عمر مكرم صاحب النفوذ الكبير على سكان القاهرة قد اشتراه محمد علي، وقال «مسيت» عند الكلام - في رسالته إلى «أربثنوت» في 10 سبتمبر 1806 - عن الوسائل التي لجأ إليها محمد علي لاجتياز أزمة العزل والنقل إلى سالونيك: أنه ورط في مكر وبمهارة في نزاعه مع الباب العالي جماعة من المتصدرين في القاهرة، بأن جعلهم يظفرون بنصيب كبير من أملاك المماليك المسلوبة، فصار من صالح هؤلاء إذن عدم عود البكوات لممارسة السلطة مرة أخرى، وكان بناء على ما طلبه منهم محمد علي أن كتبوا جملة عرضحالات في صالح محمد علي بعثوا بها إلى الديوان بالقسطنطينية وإلى القبطان باشا.
أما الباشا فقد دعا صبيحة اليوم التالي لاجتماعه برؤساء الأرنئود السيد عمر مكرم والخاصة وعرفهم بصورة الأمر الوارد بعزله وولاية موسى باشا، وأن الأمراء المصريين أعرضوا للسلطنة في طلب العفو وعودهم إلى أمرياتهم وخروج العساكر التي أفسدت الإقليم من أرض مصر، وشرطوا على أنفسهم القيام بخدمة الدولة والحرمين الشريفين وإرسال غلالها ودفع الخزينة وتأمين البلاد، فحصل عنهم الرضا وأجيبوا إلى سؤالهم على هذه الشروط، وأن المشايخ والعلماء يتكفلون بهم، ويضمنون عهدهم بذلك، وطلب منهم أن يتشاوروا في الأمر فيما بينهم، وانفض المجلس.
وحرص الباشا أثناء إعمال المشايخ فكرهم ورأيهم على دعم صلته بهم من جهة، ومعرفة اتجاهات الرأي العام من جهة أخرى، فحضر في 8 يوليو مولد المشهد الحسيني، ودعاه الشيخ السادات وهو الناظر على المشهد والمتقيد لعمل ذلك، فدخل إليه وتغدى عنده، وصار يتجول في القاهرة متزييا بزيه العسكري تارة لإعلاء الروح المعنوية لدى الأهلين، ومتخفيا تارة أخرى حتى يقف بنفسه على ما يدور في أذهانهم ومدى نشاطهم، فقال الشيخ الجبرتي: «إنه أكثر من الركوب والطواف بشوارع المدينة والطلوع إلى القلعة والنزول منها والذهاب إلى بولاق وهو لابس برنسا.»
ثم كان طبيعيا أن يستأثر باهتمام الباشا مسألة توجيه المشايخ فيما هو مطلوب منهم إعمال فكرهم ورأيهم فيه، وتم الاتفاق في قصره على الموضوعات التي يجب أن يتضمنها جواب المشايخ، وكتبت صورة هذا الجواب - كما يقول أصحاب التاريخ العلمي والعسكري للحملة الفرنسية في مصر في قصره كذلك وتحت بصره. وفي 10 يوليو حضر ديوان أفندي وعبد الله أغا بكتاش الترجمان عند السيد عمر مكرم ومعهما صورة هذا الجواب، فيذكر الشيخ الجبرتي أنهما حملا معهما صورة عرض يكتب عن لسان المشايخ إلى الدولة في شأن هذه الحادثة، وتشاور ثلاثتهم - ديوان أفندي وعبد الله بكتاش والسيد عمر مكرم - حصة من النهار، وفي اليوم التالي حضر الأولان عند الشيخ عبد الله الشرقاوي، وقد سجل الشيخ الجبرتي ما حدث، بصورة لا تدع مجالا لأي شك في أن العرضحال الذي وقع عليه المشايخ بعد ذلك لم يكن لهؤلاء يد فيه سوى صياغة المعاني التي أرادها الباشا وترقيمها، وأنهم ما كانوا يجرءون على مناقشة ما طلب منهم أن يكتبوه أو يجسرون على معارضة أوامر الباشا، فقال الجبرتي: «وأمروا المشايخ بتنظيم العرضحال وترصيعه ووضع أسمائهم وختومهم عليه، ليرسله الباشا إلى الدولة، فلم تسعهم المخالفة، ونظموا صورته ثم بيضوه في كاغد كبير.»
وعلى ذلك، فقد تضمن هذا العرضحال الحجج والدعاوى التي رآها الباشا نفسه مؤيدة من الناحية الشعبية لموقف المعارضة الذي اتخذه من قرارات الباب العالي، وأهمها إظهار استياء الأهلين من أن يسترد البكوات المماليك سيطرتهم البائدة، بسبب جرائمهم الماضية التي ارتكبوها في حقهم مما كان يكفي وحده لأن يرفض الباب العالي منحهم العفو وتمكينهم من الحكم مرة أخرى؛ لأن البكوات لم يقلعوا عن عاداتهم السيئة القديمة عندما أسسوا حكومتهم الأخيرة في القاهرة، فأوقعوا بالقاهريين المظالم وآذوهم وفتكوا بعلي باشا الجزائرلي وسدروا في غيهم، فلم تقف أذيتهم حتى بعد طردهم من القاهرة، بل حاولوا أن يكيدوا لهم وأن يبطشوا بهم في حادث 16 أغسطس 1805 المعروف ولا أمل في أن يكفوا عن عدوانهم، وهم طائفة لا تعرف نظاما ولا تحترم قانونا، ولا يستطيع كبارها أن يفرضوا طاعتهم على صغارها، الأمر الذي يجعل متعذرا على المشايخ أن يكفلوهم، وهو بيت القصيد من هذا العرضحال إذ استند الترتيب الجديد على كفالة المشايخ للبكوات في تعهدهم بتنفيذ الشروط التي قام عليها، ثم تصدى المشايخ للدفاع عن محمد علي في أبرز اتهام قد يوجه إليه لتبرير عزله وهو إرهاقه الشعب بالمغارم والإتاوات التي يفرضها عليه، فتضمن العرضحال ما يشعر بأن تحصيلها كان بموافقة الأهلين أنفسهم، وأن الباشا لم يلجأ إلى فرضها إلا مرغما لدفع مرتبات الجند حتى يخرج هؤلاء لقتال المماليك وهم المتمردون على الدولة وامتثالا لأوامر الباب العالي.
وقد أثبت الشيخ الجبرتي صورة هذا العرضحال وهو معنون باسم الصدر الأعظم محمد علي باشا السلحدار، قال المشايخ فيه: «... أما بعد ... فإننا ننهي لمسامعكم العلية بأنه قد قدم قبودان باشا إلى ثغر إسكندرية فأرسل كتخدا البوابين سعيد أغا وصحبته الأمر الشريف الواجب القبول والتشريف المعنون بالرسم الهمايوني العالي فأوضح مكنونه بأنه قد تطاولت العداوة بين محمد علي وبين الأمراء المصريين فتعطلت مهمات الحرمين الشريفين من غلال ومرتبات وتنظيم أمير الحج على حكم سوابق العادات والحال أنه ينبغي تقديم ذلك على سائر المطلوبات وأن هذا التأخير سببه كثرة العساكر والعلوفات وترتب على ذلك لكامل الرعية بالأقاليم المصرية الدمار والاضمحلال، وأنهت الأمراء المصرية هذه الكيفية لحضرة السدة السنية وأنهم يتعهدون بالتزام جميع مرتبات الحرمين الشريفين من غلال وعوائد ومهمات وإخراج أمير الحج على حكم أسلوب المتقدمين مع الامتثال لكامل ما يرد من الأوامر الشريفة إلى ولاة الأمور بالديار المصرية، وأنهم يقومون في كل سنة بدفع الأموال الميرية إلى خزينة الدولة العلية إن حصل لهم العفو عن جرائمهم الماضية والرضا بدخولهم مصر المحمية، والتمسوا من حضرة الدولة العلية قبول ذلك منهم وبلوغهم مأمولهم، فأصدرت لهم الأمر الهمايوني الشريف بعزل الوزير المشار إليه لتقرير العداوة معه ووجهتهم له ولاية سالونيك ووجهتهم ولاية مصر إلى الوزير موسى باشا وقبلتهم توبتهم، وأن العلماء والوجاقلية والرؤساء والوجهاء بالديار المصرية إن تعهدوا بهم وكفلوهم يحصل لهم المساعدة الكلية حكم التماسهم من حضرة الدولة العلية.»
فأمركم مطاع وواجب القبول والاتباع، غير أننا نلتمس من شيم الأخلاق المرضية والمراحم العلية بالعفو عن تعهدنا وكفالتنا لهم، فإن شرط الكفيل قدرته على المكفول، ونحن لا قدرة لنا على ذلك لما تقدم من الأمثال الشهيرة والأحوال والتطورات الكثيرة التي منها خيانة المرحوم السيد علي باشا والي مصر سابقا بعد واقعة ميرميران طاهر باشا وقتل الحجاج القادمين من البلاد الرومية وسلب الأموال بغير أوجه شرعية، والصغير لا يسمع كلام الكبير، والكبير لا يستطيع تنفيذ الأمر على الصغير، وغير ذلك مما هو معلومنا وبمشاهدتنا، خصوصا ما وقع في العام الماضي من إقدامهم على مصر المحمية وهجومهم عليها في وقت الفجرية، فجلاهم عنها محمد علي وقتل منهم جملة كثيرة فكانت واقعة شهيرة، فهذا شيء لا ينكر.
فحينئذ لا يمكننا التكفل والتعهد؛ لأننا لا نطلع على ما في السرائر وما هو مستكن في الضمائر، فنرجو عدم المؤاخذة في الأمور التي لا قدرة لنا عليها؛ لأننا لا نقدر على دفع المفسدين والطغاة والمتمردين الذين أهلكوا الرعايا ودمروهم.
ناپیژندل شوی مخ