مصر په د نهیم پېړۍ پیل کې
مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)
ژانرونه
ويبدو أن «هتشنسون» قد فطن إلى السبب الحقيقي الذي جعل الباب العالي لا يرضى عن استرجاع البكوات لنفوذهم وسيطرتهم السابقة، فكتب في رسالته إلى الريس أفندي في 23 يوليو: «إنه ينبغي للباب العالي أن يكون لديه من الجند ما يكفي لاحتلال المراكز الهامة في البلاد، ولن يبقى الباشا المرسل من القسطنطينية سجينا.» وقد تحدث إلى البكوات المماليك، وجعلهم يشعرون أن إنجلترا تهتم كثيرا بشأنهم، ولكنها لا تستطيع أن تعترف بهم إلا كرعايا للسلطان، وأنه وعدهم ببذل كل جهوده لتخفيف غضب الحكومة العثمانية عليهم، وأن المماليك عليهم في نظير ذلك أن يزيدوا «الخراج» المرسل سنويا للباب العالي.
ونشطت بعد تسليم الجنرال منو بالإسكندرية في أغسطس سنة 1801 مساعي الإنجليز في القسطنطينية من أجل إنشاء حكومة منظمة في مصر بعد جلاء الفرنسيين، وكان عندئذ أن طلب الريس أفندي (شلبي مصطفى أفندي) في أوائل شهر سبتمبر الاجتماع باللورد إلجين لاقتراح عقد مؤتمر يبحث في الوضع المنتظر للحكومة التي يجري إنشاؤها في مصر، وأشار تلميحا في حديثه مع إلجين إلى أنه في وسعه الالتجاء إلى روسيا وطلب نجدة جنود من الروس إذا نشأت حالات معينة متعلقة بالأنظمة الواجب اتخاذها مع المماليك، فهدد إلجين بقطع محادثاته مع الوزراء العثمانيين في موضوع المؤتمر المقترح عقده، إذا كان هناك أي احتمال لاستخدام جنود أجنبية، أو اللجوء إلى نفوذ أجنبي عند وقوع «حالة» غير منتظرة في مصر، غير الجنود أو النفوذ الذي استخدم في إعادة فتح هذه المقاطعة العثمانية، فعدل الباب العالي عن موقفه، وفي 14 سبتمبر عقد المؤتمر فأوضح اللورد إلجين مدى ارتباطات الجنرال هتشنسون مع المماليك، وكان جواب الريس أفندي حاسما، ومنه يتبين إصرار الباب العالي على حرمان البكوات من كل نفوذ وسيطرة في مصر، بل وإبعادهم عنها .
قال الريس أفندي إن المماليك أجانب عن مصر اغتصبوا فيها السلطة، وتجعلهم مبادئهم وأنظمتهم في نضال مستمر ضد كل حكومة منظمة يقيمها الباب العالي في مصر، ومع أن العفو العام الذي صدر منذ دخول الجيش العثماني مصر يشمل المماليك كما يشمل سائر السكان؛ فإن واجب الباب العالي أن يتخذ من الضمانات ما يكفل إزالة الأخطار من ناحيتهم في المستقبل؛ ولذلك يرى الباب العالي أن يكون للمماليك وضع مناسب يسمح لهم بالدخول في خدمة السلطان في الوظائف وبنفس المراتب التي لضباطه، ولكن على شريطة ألا يقيم المماليك بالقاهرة؛ حيث إنهم يكونون إذا ظلوا بها مصدر أخطار ومبعث انزعاج مستمر، أما إذا فصلوا عن رؤسائهم ومعاونيهم فسوف لا يكون هناك سبب للخوف منهم، وفيما يتعلق بعساكرهم فهؤلاء يدخلون كذلك في خدمة الباب العالي.
وقد علل الريس أفندي السبب في تقدمه بهذه العروض، بقوله: إن من المتعذر قطعا إعطاء المماليك كل ممتلكاتهم السابقة من غير أن يحفظ لهم ذلك السلطة والسيطرة التامة في البلاد، وعندما ألح «إلجين» في ضرورة بقائهم بمصر واسترجاعهم لممتلكاتهم، تساءل الريس أفندي عما إذا كان «بلاط إنجلترا» عند تدخله لتخليص مصر من الفرنسيين كان يعتزم إعادة هذه البلاد إلى السلطان أو إعطاءها للبكوات المماليك.
وهكذا لم يكن لدى اللورد «إلجين» أي أمل في نجاح مساعيه في القسطنطينية لصالح البكوات المماليك على أساس إرجاع السلطة والنفوذ إليهم في مصر، وفي أكتوبر فوجئ «إلجين» بأخبار مكيدة القبطان باشا في «أبي قير» والصدر الأعظم في القاهرة للقضاء على المماليك.
فقد كان لدى يوسف ضيا والقبطان حسين باشا تعليمات محددة من الباب العالي لتغيير نظام الحكم القديم في مصر، بإنشاء أربع باشويات تحل محل سلطة البكوات المماليك حتى يتسنى إخضاع هذه البلاد لسلطان الدولة كسائر مقاطعاتها، وطلب الباب العالي إليهما إلقاء القبض على أكبر عدد مستطاع من البكوات، وإرسالهم إلى القسطنطينية على أساس أن يعطيهم الباب العالي من الأملاك هناك ما يعادل إيرادها ما كانوا يعيشون به في مصر، وخيل إليه أن هذا الانقلاب سوف يحدث بسهولة لاعتقاده أن معاهدة التحالف المبرمة بينه وبين الإنجليز (منذ 5 يناير سنة 1799) تجعل هؤلاء الأخيرين يقفون موقف الحياد من مشروعاته.
ولكن الصدر الأعظم والقبطان باشا لم يستطيعا تنفيذ أوامر الباب العالي بشأن المماليك؛ لأن هؤلاء لقوا كل تأييد من جانب القواد الإنجليز في مصر، كما لم يكن من المنتظر إلى جانب هذا أن يوافق الأهلون على حدوث الانقلاب المنشود، بسبب سخطهم على العثمانيين الذين اشتطوا في معاملتهم عند دخولهم القاهرة، واعتدى جنودهم على الأهلين وآذوهم في القاهرة والأقاليم حتى «تمنى أكثر الناس على حد قول الجبرتي - وخصوصا الفلاحين - أحكام الفرنساوية.»
وعلى ذلك فقد عمد الصدر الأعظم يوسف ضيا باشا - تمهيدا لإجراء التغيير الحكومي المطلوب - إلى أساليب الغدر والوقيعة بالمماليك، وبذر بذور الشقاق بينهم لتفريق كلمتهم قبل البطش بهم، فأعطى «إمارة الصعيد»؛ أي إقطاعة أقاليم الوجه القبلي، إلى محمد بك الألفي، وكانت هذه الأقاليم «ملكا» مشاعا بين البكوات حتى هذا الوقت، ويقتسم «الإمارة» عليها البكوات من بيت مراد، الذين اشتدت المنافسة بينهم وبين البكوات من بيت الألفي دائما، وفضلا عن ذلك، فقد كان البكوات من مرادية أو ألفية متألمين من وقوع الصعيد في قبضة مراد بك وحده، منذ أن عقد معه الجنرال كليبر معاهدة أبريل سنة 1800، التي أعطت مراد «إمارة الصعيد» وجعلته يتمتع وحده بإيرادات هذه الأقاليم القبلية، فجاء تعيين الألفي الآن لهذه الإمارة ضغثا على إبالة، وزاد الانقسام بين البكوات.
وانتهز الصدر الأعظم والقبطان باشا فرصة هذا الانقسام الذي أضعف البكوات؛ ليضربا ضربتهما الأخيرة، فدبر الصدر الأعظم مكيدته المعروفة في القاهرة في 20 أكتوبر سنة 1801 (وفي رواية الجبرتي يوم 19 أكتوبر)، بأن دعا إليه في منزله البكوات الموجودين بالقاهرة، وألقى القبض على «شيخ البلد» إبراهيم بك، ومرزوق بك، وتسعة من البكوات الآخرين، وأرسل على الفور طاهر باشا إلى الصعيد للقبض على محمد بك الألفي. وكان من المفهوم - كما جاء في تقرير القواد الإنجليز عن هذا الحادث، إلى اللورد إلجين بالقسطنطينية بعد وقوعه بيومين - أن يحذو القبطان باشا حذو الصدر الأعظم بالإسكندرية، ولكن مكيدة القبطان باشا تأخرت حتى يوم 22 أكتوبر، وقد دعا القبطان باشا جماعة البكوات هناك لمقابلته، حتى يبلغهم أمر الباب العالي بإلحاقهم بخدمة السلطان بالقسطنطينية، وضرورة ترحيل من لا يرضى منهم بهذه العروض عن مصر إلى أية جهة يشاؤها.
وكان في أثناء نقل البكوات إلى إحدى سفن عمارته أن حدث الفتك بجماعة منهم؛ فقتل عثمان بك الطنبورجي (المرادي)، وعثمان بك الأشقر، ومراد بك الصغير، وإبراهيم كتخدا السناري، وصالح أغا، ومحمد بك، كما جرح كثيرون، واقتيد الجرحى إلى سفينة القبطان باشا؛ حيث أرغموا على القسم على ألا يذهبوا إلى الأجنبي، وحلف يمين الولاء للسلطان العثماني، وكان من بين هؤلاء عثمان البرديسي، واستعد القبطان باشا لإرسالهم إلى القسطنطينية.
ناپیژندل شوی مخ