وفي سنة 1182ه، انتشبت الحرب بين روسيا والدولة العلية، فبعثت هذه إلى مصر أن تمده باثني عشر ألفا، فوصلت الأوامر لعلي بك بذلك ومشروعه لم ينضج بعد، فلم يسعه إلا مباشرة ما أمر به لما ابتدأ بجمع الجنود، أما أعداؤه فاغتنموا تلك الفرصة للوشاية، فضموا إليهم الباشا الجديد الذي كان قد أرسل إلى القسطنطينية بدلا من الباشا الذي أخرجه «علي بك». واتفقوا جميعا على كتابة تقرير أمضاه الباشا وسائر البكوات أعداء «علي» يشون به إلى الديوان الشاهاني بدعوى أنه إنما أراد بما يجمعه من الجيوش معاضدة روسيا للاستقلال بمصر، فأنفذ الديوان الشاهاني إلى الباشا أمرا مشددا أن يقتل «علي بك» ويرسل رأسه إلى الآستانة.
فاتصل ذلك لعلي بواسطة أصدقائه بالآستانة فبعث «علي بك طنطاوي» أحد دعاته في عشرة من أتباعه المماليك، متنكرين بلباس البدو ويكمنون على مسافة قصيرة من القاهرة حيث لا بد للقابجي باشي حامل ذلك الفرمان من المرور به، فمكثوا هناك ثلاثة أيام، وفي اليوم الرابع بان لهم القابجي ومعه أربعة رجال، فوثبوا بهم وقتلوهم وطمروهم بالرمل، وأخذوا ملابسهم والفرمان وصاروا إلى «علي» فقرأه.
ثم جمع إليه ديوان البكوات العمومي وأطلعهم عليه وأقنعهم أن ذلك ليس لقتله وحده بل لقتلهم جميعا. ثم خاطبهم قائلا:
دافعوا إذن عن حياتهم وحقوقهم واعلموا أن مصر ما برحت منذ القدم يحكمها دول من المماليك كانوا سلاطين أشداء تفاخر بهم الأرض السماء فأعيدوها إليهم وهذه فرصة لا يضيعوها. فإنهم لن تعثروا عمركم على فرصة مثلها. هلم إذن نسعى في الاستقلال، فإن فيه حياتنا وحريتنا. (2) استقلال علي بك بمصر
فتأثر البكوات من فصاحة «علي» وبلاغته، وكانوا ثمانية عشر، قد أجمعوا على دعوته، فعاهدوه على الدفاع عنه ما استطاعوا إلى الدفاع سبيلا. أما سائر الأمراء المماليك من أعدائه فخافوا العاقبة، ولزموا السكوت، فكتب ديوان «علي بك» أمرا إلى الباشا أن يبرح الديار المصرية في 48 ساعة، وإذا لم يفعل؛ يقتل وأن مصر قد أصبحت مستقلة. وبعث علي إلى الشيخ «ضاهر العمر» أمير عكا يعلمه رسميا باستقلال مصر، ويدعوه للمساعدة في ذلك. فأجابه الشيخ ضاهر مسرورا، وجمع إليه رجاله ورجال بنيه السبعة وصهره. وانضم الجميع إلى جنود «علي» وكان قد أضاف إلى الستة الآلاف التي عنده من المماليك الاثني عشر ألفا التي جمعت مددا للعثمانيين، وأضاف إلى هذه أيضا رجال أصدقائه البكوات حتى رجال أعدائه لأنهم لم يعد يسعهم إلا طاعته.
فاتصل ذلك بالآستانة، فأرسل الباب العالي أمرا إلى والي دمشق أن يسير في 25 ألفا لمنع جنود عكا من معاضدة «علي» فسار الوالي في ذلك العدد من الرجال، فلاقاه الشيخ «ضاهر» في 6 آلاف بين لبنان وبحيرة طبرية، ورده على أعقابه سنة 1183ه. وكانت هذه الواقعة آخر الوقائع لأن الباب العالي أمسك بعدها عن إرسال الجند كأنه نسي علاقته مع «سوريا» و«مصر» بالكلية.
أما «علي» فاغتنم اشتغال الدولة العلية بالمحاربة مع روسيا وصرف عنايته في تنظيم مملكته الجديدة، وإصلاح داخليتها من الخلل. فخفض الضرائب وجعل على المالية مدير الكمرك القديم المعلم «ميخائيل فرحات القبطي» بدلا من يوسف بن لاوي الإسرائيلي، وكان قد قتل جزاء خيانته. ونظم التجارة الخارجية والمواصلات، وأبعد العربان إلى الصحراء، فاستولى الأمن وانتشر الإصلاح في القطر، فزادوا على ألقاب «علي» لقب بلوط قبان - مبيد اللصوص. (3) قبيلة الهوارة
وكان في جملة القبائل الثائرة على «مصر» قبيلة «الهوارة» وهي أشدهن بأسا وأطول باعا، جاءت في الأصل من ضواحي تونس الغرب، واستقرت بين «جرجا»، «فرشوط» في بقعة من الأرض لم تكن تصلح للزراعة. فاعتنوا فيها حتى أنشئوا عدة قرى. وما زالوا ينشرون سطوتهم حتى احتلوا البقاع بين هوارة وكفر الشيخ سليم.
ثم اغتنم الشيخ «هامان» - شيخ الهوارة - اشتغال مصر بما تقدم، ووضع يده على البلاد من «أسيوط» إلى «أصوان» وجمع إليه محصولاتها، وكان قد حارب هذه القبيلة كثيرون ممن تولوا مصر قبل «علي» وفرضوا عليها ضريبة مقدارها 250 ألف أردب من الحنطة توردها سنويا إلى مصر.
ففي سنة 1183ه، أرسل «علي بك» صديقه «محمد بك أبا الذهب» لمحاربة الشيخ «هامان» وقبيلته فحاربهم وتغلب عليهم في أواخر تلك السنة. فاضطر أبناء الشيخ أن يبتاعوا حياتهم بما لديهم من ثروة أبيهم، فربح «أبو الذهب» من ذلك مالا كثيرا ثم أسرع إلى «القاهرة» لما علمه من الدسائس التي كان ساعيا بها رفيقه «أحمد بك الجزار» على «علي بك» وكأنه لم يكن يريد أن يشاركه أحد بالدسائس على سيده.
ناپیژندل شوی مخ