العامل الوحيد في تفشي هذه المدنية المصرية القديمة هو العقيدة السحرية أو الدينية التي جعلت جدودنا يبحثون عن الذهب والجواهر، ثم جعلتهم أيضا يطوفون الأقطار النائية لكي يحصلوا على الطيوب التي يحتاج إليها التحنيط والأخشاب المقدسة، وليس عجيبا أن يكون الذهب رائد الاكتشاف فقد كان كذلك عندما قصد الأوروبيون إلى القارة الجديدة في القرن الخامس عشرة، وهو السبب لاستثمار أفريقيا الجنوبية في العصر الحديث.
إن الذهب يبهر العين بجماله فكيف به إذا أضيف إلى هذا الجمال خاصة أخرى هي أنه يطيل العمر ويمنع الموت؟
هذه هي العقيدة الأولى التي آمن بها المصريون القدماء عن الذهب، وهذا هو السبب في وضعه في توابيت الملوك؛ لأنه يجب علينا ألا ننسى أن الملك في تابوته ليس ميتا وإنما هو في حال أخرى من الحياة يحتاج فيها إلى الذهب لكي تطول، وكان الذهب يجمع من الأقطار البعيدة ويحمل إلى خزانة فرعون، وهي في ذلك الوقت خزانة الدولة؛ ومن هنا صار الذهب نقدا للتعامل.
ولم يكن الذهب وحيدا في هذه الخاصة أي إطالة العمر؛ فإن الجواهر الأخرى كالمرجان واللؤلؤ كانت كذلك، وإلى وقت قريب كان بعض العامة يأكلون الذهب والجواهر باعتقاد إنهما يطيلان العمر.
ولفظة «النوبة» تعني بلاد الذهب، وفي هذا المعنى ما يدل على الباعث الأصلي الذي جعل المصريين القدماء يستعمرونها. •••
وفي هجرة المصريين للبحث عن الذهب والجواهر يجب أن نلاحظ شيئين: الأول أنهم كانوا حين يهتدون إلى منجم يقيمون حوله، ولم تكن المواصلات سهلة إذ لم يكونوا قد عرفوا بعد الجمل أو الفرس، فكان المنجم نواة للاستعمار ينتقل إليه المصريون فيزرعون ما حوله ويبنون قريتهم ويقيمون حكومتهم على النحو الذي ألفوه في مصر قبل أن يغادروها، وكانوا ينظرون إلى من حولهم من البشر كأنهم متوحشون، وكان هؤلاء ينجذبون إليهم إما طوعا لأن خيرات الزراعة تغريهم وإما كرها بالقتال والأسر، وكان بعض المصريين بالطبع يعود إلى مصر محملا بالذهب والجواهر والأسرى، ولكن كثيرين منهم كانوا يلبثون حيث هم يتناسلون ويتزوجون مع القبائل المتوحشة التي حولهم.
والشيء الثاني الذي يجب أن نلاحظه أن انتقال الثقافة المصرية من النوبة إلى الحبشة مثلا لا يشترط له هجرة المصريين الأقحاح، بل يكفي أن ينتقل النوبيون الذين امتزجوا بالدم المصري أو تثقفوا بالثقافة المصرية إلى الحبشة، ثم تستقر هذه الثقافة في الحبشة أو تتفشى الأنظمة المصرية ومعها العقائد التي تتعلق بالذهب والجواهر فتنتقل من الحبشة إلى الصومال وهلم جرا.
فإذا قيل إن ثقافة مصر انتقلت إلى أمريكا، فليس المعني المقصود أن المصريين نقلوها إذ قد تكون هذه الثقافة قد مرت على أيدي شعوب مختلفة تأثرت بها وسلمتها كما تسلمتها أو بعد تنقيحات اقتضتها البيئة. •••
إننا نجد في أمريكا أهراما كالأهرام التي في مصر، ونجد فيها طريقة التحنيط وعبادة الشمس والثعبان، ونجد في طريقة التحنيط تفاصيل غير لازمة ولكنها تؤدي لأنها حفظت بالتقاليد، فهي تجري في أمريكا كما كانت تجري في مصر لأنها تلتصق بشعائر دينية في مصر.
زخارف فرعونية.
ناپیژندل شوی مخ