الطهارة
مخ ۱
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ولي الحمد ومستحقه وصلى الله على خير خلقه محمد وآله الطاهرين من عترته وسلم تسليما
مخ ۳
سألتم أيدكم الله أن أجمع 1 عبادات السنة، ما يتكرر منها وما لا يتكرر، وأضيف إليها الأدعية المختارة عند كل عبادة على وجه الاختصار، دون التطويل والإسهاب، فإن استيفاء الأدعية يطول، وربما مله 2 الإنسان وتضجر منه، وأسوق ذلك سياقة يقتضيه العمل وذكر 3 ما لا بد منه من مسائل الفقه فيه دون بسط الكلام في مسائل الفقه وتفريع المسائل عليها، فإن كتبنا المعمولة في الفقه والأحكام تتضمن ذلك على وجه لا مزيد عليه، كالمبسوط والنهاية والجمل والعقود ومسائل الخلاف وغير ذلك، والمقصود من هذا الكتاب مجرد العمل وذكر الأدعية التي لم نذكرها في كتب الفقه، فإن كثيرا من أصحابنا ينشط للعمل دون التفقه وبلوغ الغاية فيه، وفيهم من يقصد التفقه، وفيهم من يجمع بين الأمرين، فيكون لكل طائفة منهم شئ يعتمدونه ويرجعون إليه وينالون بغيتهم منه، وأنا مجيبكم إلى ذلك مستعينا بالله ومتوكلا عليه، بعد أن أذكر فصلا يتضمن ذكر العبادات وكيفية أقسامها وبيان ما يتكرر منها وما لا يتكرر وما يقف منها على شرط وما لا يقف، ليعلم الغرض بالكتاب، والله الموفق للصواب.
فصل: في ذكر حصر العبادات وبيان أقسامها عبادات الشرع على ثلاثة أقسام: أحدها: تختص الأبدان 4. والثاني: تختص الأموال.
والثالث: تختص الأبدان 5 والأموال. فالأول كالصلاة والصوم. والثاني كالزكاة والحقوق الواجبة المتعلقة بالأموال: والثالث: كالحج والجهاد. وتنقسم هذه العبادات ثلاثة أقسام أخر: أحدها:
يتكرر في كل يوم: والثاني: يتكرر في كل سنة. والثالث: يلزم في العمر مرة. فالذي يتكرر في كل يوم الصلوات الخمس، والذي يتكرر في كل سنة كالصوم والزكاة، والذي يلزم في العمر مرة فالحج لا غير، فأما الجهاد: فلا يجب إلا عند وجود الإمام العادل وحصول شرائطه 6، وإنما يجب بحسب الحاجة إليه وحسب ما يدعو إليه الإمام.
مخ ۴
وتنقسم هذه العبادات قسمين آخرين: أحدهما: مفروض، والآخر: مسنون، والمفروض منها 7 على ضربين: أحدهما: مفروض بأصل الشرع من غير سبب 8 كالصلوات الخمس وصوم شهر رمضان وزكاة الأموال وحجة الإسلام. والثاني 9: يجب عند السبب مثل النذور والعهود وغير ذلك. والمسنون أيضا على ضربين: أحدهما: مرتب بأصل الشرع، والآخر: مرغب فيه على الجملة، فما هو مرتب بأصل الشرع كنوافل الصلاة 10 في اليوم والليلة المرتبة، وصوم الأيام المرغب 11 فيها وغير ذلك. والآخر فكالصلاة المرغب 12 فيها مثل صلاة التسبيح وغير ذلك وكالترغيب في الصوم 13 والصلاة على الجملة والحث على الحج المتطوع به، وقد تعرض أسباب لوجوب 14 صلوات 15 مخصوصة 16 واجبات ومندوبات، فالواجبات منها كالصلاة 17 على الأموات وصلاة العيدين وصلاة الكسوف 18 على ما يذهب إليه أصحابنا في كونها مفروضة، والمندوب: كصلاة الاستسقاء فإنه 19 يستحب عند جدب الأرض وقحط الزمان، وأنا إن شاء الله 20 أذكر جميع ذلك على وجه الاختصار إن شاء الله تعالى. 21 واعلم: أن العبادات بعضها آكد من بعض، فآكدها الصلاة، لأنها لا تسقط إلا بزوال العقل أو العارض 22 كالحيض في النساء، وقد يسقط باقي العبادات عن كثير من الناس فلذلك نقدم الصلاة على باقي العبادات، فأما الزكاة والحج فقد يخلو كثير من الناس منها 23 ممن لا يملك النصاب والاستطاعة، والصوم قد يسقط عمن به فساد المزاج، والعطاش الذي لا يرجى زواله والمريض الذي لا يقدر عليه، ولا يسقط عن واحد من هؤلاء الصلاة 24 بحال.
والصلاة لها مقدمات وشروط لا تتم إلا بها، فلا بد من ذكرها نحو الطهارة وستر العورة ومعرفة القبلة ومعرفة الوقت ومعرفة أعداد الصلاة، وما يصح الصلاة فيه وعليه من المكان
مخ ۵
واللباس، وأنا أبين ذلك على أخصر الوجوه وأبينها إن شاء الله تعالى.
فصل: في كيفية الطهارة وبيان أحكامها:
الطهارة على ضربين: طهارة بالماء وطهارة بالتراب، فالطهارة بالماء على ضربين:
أحدهما: وضوء، والآخر: غسل، فالموجب للوضوء عشرة أشياء: البول والغائط والريح والنوم الغالب على السمع والبصر وكل ما أزال العقل من سكر وجنون وإغماء وغير ذلك والجنابة والحيض والاستحاضة والنفاس ومس الأموات من الناس بعد بردهم بالموت وقبل تطهير هم بالغسل.
والموجب 25 للغسل خمسة أشياء من هذه الأشياء وهي : الجنابة والحيض والنفاس والاستحاضة على بعض الوجوه ومس الأموات من الناس على ما ذكرناه.
1، فالوضوء له مقدمات: وهو أنه إذا أراد أن يتخلى لقضاء الحاجة 26 والدخول إلى الخلاء فليغط رأسه ويدخل رجله اليسرى قبل اليمني وليقل:
بسم الله وبالله، أعوذ بالله من الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم.
وإذا قعد للحاجة فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها مع الاختيار، ولا يستقبل الريح بالبول ولا الشمس والقمر، ولا يبولن في جحرة الحيوان، ولا يطمح ببوله في الهواء ويتجنب المشارع والشوارع وأفنية الدور وفئ النزال وتحت الأشجار المثمرة، ولا يبول ولا يتغوط في الماء الجاري ولا الراكد.
ويكره له الأكل والشرب عند الحدث والسواك والكلام إلا بذكر الله فيما بينه وبين نفسه أو تدعوه 27 إلى ذلك ضرورة، فإذا فرغ من حاجته فليستنج فرضا واجبا بثلاثة أحجار
مخ ۶
وإن غسل الموضع كان أفضل، وإن جمع بين الحجارة والماء كان أفضل، وإن اقتصر على الحجارة أجزاه. فأما مجري البول فلا يجزي 28 غير الماء مع القدرة 29، وكلما أزال العين من خرقة أو مدر أو تراب قام مقام الحجارة ولا يستنج 30 باليمين مع الاختيار.
2، وليقل إذا استنجى:
اللهم! حصن فرجي وأعفه واستر عورتي 31 وحرمهما 32 على النار ووفقني لما يقربني منك يا ذا الجلال والاكرام!.
3، ثم يقوم من موضعه ويمر يده على بطنه ويقول:
الحمد لله الذي أماط عني الأذى وهنأني طعامي وشرابي وعافاني من البلوي.
4، فإذا أراد الخروج من الموضع الذي تخلي فيه، أخرج رجله اليمنى قبل اليسرى، فإذا خرج قال:
الحمد لله الذي عرفني لذته وأبقى في جسدي قوته وأخرج عني أذاه، يا لها نعمة يا لها نعمة يا لها نعمة لا يقدر القادرون قدرها.
5، فإذا أراد الوضوء، وضع الإناء على يمينه ويقول إذا نظر إلى الماء:
الحمد لله الذي جعل الماء طهورا ولم يجعله نجسا 6، ثم يغسل يده من البول أو النوم قبل أن يدخلها الإناء، ومن الغائط مرتين ومن الجنابة ثلاث مرات، ثم يأخذ كفا من الماء فيتمضمض به ثلاث مرات، سنة واستحبابا
مخ ۷
ويقول:
اللهم ! لقني حجتي يوم ألقاك وأطلق لساني بذكرك. 33 7، ثم يستنشق ثلاثا أيضا مثل ذلك ندبا واستحبابا ويقول:
اللهم! لا تحرمني طيبات الجنان واجعلني ممن يشم ريحها وروحها وريحانها.
8، ثم يأخذ كفا من الماء فيغسل به وجهه، من قصاص شعر الرأس إلى محادر شعر الذقن طولا، وما دارت عليه الوسطى والابهام 34 عرضا، وما خرج عن ذلك فلا يجب غسله ولا يلزم تخليل شعر 35 اللحية، ويكفي إمرار الماء عليها إلى ما يحاذي الذقن، وما زاد عليه لا يجب، ويقول إذا غسل وجهه:
اللهم! بيض وجهي يوم تسود فيه الوجوه ولا تسود وجهي يوم تبيض فيه الوجوه.
وغسل الوجه دفعة واحدة فريضة، والثانية سنة، وما زاد عليه غير مجزئ وهو تكلف.
9، ثم يغسل ذراعه الأيمن من المرفق إلى أطراف الأصابع، يستوعب غسل جميعه يبتدئ من المرفق وينتهي إلى أطراف الأصابع، ويقول إذا غسل يده اليمنى:
اللهم! أعطني كتابي بيميني والخلد في الجنان بشمالي 36 وحاسبني حسابا يسيرا.
وغسل اليد مرة واحدة فريضة، والثانية سنة، وما زاد عليه تكلف غير مجزئ ويستحب للرجل أن يبتدئ بظاهر الذراع والمرأة بباطنها 10، ثم يغسل يده اليسرى على هذا الوجه، ويبتدئ من المرفق إلى أطراف الأصابع ويقول:
اللهم! لا تعطني كتابي بشمالي ولا من وراء ظهري ولا تجعلها مغلولة إلى عنقي
مخ ۸
وأعوذ بك من مقطعات النيران 37.
11، ثم يمسح بما يبقى في يده من النداوة، مقدم رأسه مقدار ثلاثة 38 أصابع مضمومة، ويقول: اللهم! غشني رحمتك وبركاتك 39.
12، ولا يكرر مسح الرأس بحال، ثم يمسح برجليه يضع يده على رؤوس أصابعهما ويمسح إلى الكعبين وهما الناتيان في وسط القدم ببقية النداوة أيضا مرة واحدة من غير تكرار، ويقول:
اللهم! ثبت قدمي على الصراط يوم تزل فيه الأقدام واجعل 40 سعيي فيما 41 يرضيك عني يا ذا الجلال والاكرام!.
13، فإذا فرغ من وضوئه، قال:
الحمد لله رب العالمين.
وأما الغسل فموجبه الخمسة الأشياء التي قدمنا ذكرها، ونحن نفرد لكل قسم 42 من ذلك بابا مفردا إن شاء الله.
فصل: في ذكر الجنابة وكيفية الغسل منها:
الجنابة تكون بشيئين: أحدهما: إنزال 43 الماء الدافق على كل حال في النوم واليقظة بشهوة وغير شهوة، وعلى كل حال، رجلا كان أو امرأة. والثاني: الجماع في الفرج حتى تغيب الحشفة، سواء أنزل أو لم ينزل، وحكم المرأة في ذلك مثل حكم الرجل سواء، ومتى حصل 44
مخ ۹
جنبا، فلا يجوز له دخول شئ من المساجد إلا عابر سبيل عند الضرورة، ولا يضع فيها شيئا مع الاختيار، ولا يمس كتابة المصحف ولا شيئا فيه اسم من أسماء الله تعالى وأسماء أنبيائه وأئمته 45، ويجوز له قراءة القرآن إلا العزائم الأربعة 46، فإنه لا يقرأ منها شيئا على حال 47 ويكره له أن يأكل أو يشرب إلا عند الضرورة، وعند ذلك يتمضمض ويستنشق، ويكره له النوم إلا بعد الوضوء، ويكره له الخضاب.
فإذا أراد الغسل فالواجب 48 على الرجل أن يستبرئ نفسه بالبول، وليس بواجب ذلك على النساء. ويستحب 49 أن يغسل فرجه وجميع الموضع الذي 50 أصابه شئ من النجاسة ثم يغسل يده ثلاث مرات استحبابا، وينوي الغسل إذا أراد الاغتسال ويقصد بذلك استباحة الصلاة أو رفع حكم الجنابة، ويستحب أن يقدم المضمضة والاستنشاق وليسا بواجبين 51 ثم يبتدئ فيغسل رأسه جميعه، ويوصل الماء إلى جميع أصول شعره 52، ويميز الشعر بأنامله ويخلل أذنيه بإصبعيه، ثم يغسل جانبه الأيمن مثل ذلك، ثم يغسل الجانب الأيسر 53 ويمر يده على جمع بدنه حتى لا يبقى موضع إلا ويصل الماء إليه وأقل ما يجزئ من الماء ما يكون به غاسلا والاسباغ 54 بصاع فما زاد عليه.
14، ويستحب أن يقول عند الغسل:
اللهم طهرني وطهر قلبي واشرح لي صدري وأجر على لساني مدحتك والثناء عليك، اللهم اجعله لي طهورا وشفاء ونورا إنك على كل شئ قدير.
ويكره 55 الخضاب والترتيب واجب في غسل الجنابة والموالاة ليست بواجبة 56.
مخ ۱۰
فصل: في ذكر الحيض والاستحاضة والنفاس الحائض التي 57 تري الدم الأسود الخارج بحرارة، ويتعلق به أحكام مخصوصة، ولقليل أيامها 58 حد، فإذا رأت هذا الدم فإنه يحرم عليها الصوم والصلاة 59، ولا يجوز لها دخول المساجد إلا عابرة سبيل، ولا يصح منها الاعتكاف، ولا الطواف، ويحرم على زوجها وطئها 60 فإن وطئها كانت عليه عقوبة وتلزمه كفارة، ولا يجوز 6 1 لها قراءة العزائم ويجوز 62 قراءة ما عداها، ولا يصح طلاقها ويجب عليها قضاء الصوم دون الصلاة، ويكره لها مس المصحف ويحرم عليها مس كتابة القرآن، ويكره لها 63 الخضاب، وأقل الحيض ثلاثة أيام وأكثره عشرة 64 وما بينهما بحسب العادة، فإذا انقطع عنها الدم بعد العشرة الأيام 65 اغتسلت، وإن لم ينقطع كان حكمها حكم الاستحاضة 66، وإن رأت أقل من ثلاثة أيام كان أيضا مثل ذلك، وإن انقطع بعد الثلاثة وقبل العشرة 67 استبرأت نفسها بقطنة، فإن خرجت ملوثة فهي بعد حائض، وإن خرجت نقية كان عليها الغسل، وكيفية غسلها مثل غسل الجنابة، ويزيد عليها 68 بوجوب تقديم الوضوء على الغسل ليصح لها الدخول في الصلاة.
وأما المستحاضة فهي التي تري الدم الأصفر البارد 69 أو رأت الدم بعد العشرة من أيام الحيض أو النفاس، ولها ثلاثة أحوال: إن رأت الدم القليل 70 وهو ما لا يظهر على القطنة إذا احتشت به 71 فعليها تجديد الوضوء وتغيير القطنة والخرقة عند كل صلاة، وإن رأت أكثر من ذلك وهو أن يظهر من الجانب الآخر ولا يسيل فعليها غسل 72 لصلاة الغداة وتجديد الوضوء وتغيير القطنة والخرقة لباقي الصلوات، وإن رأت أكثر من ذلك وهو أن يسيل من خلف الخرقة فعليها ثلاثة أغسال في اليوم والليلة غسل للظهر والعصر تجمع بينهما، وغسل للمغرب والعشاء الآخرة تجمع بينهما، وغسل لصلاة الليل وصلاة الغداة أو لصلاة الغداة وحدها إن لم تصل
مخ ۱۱
صلاة الليل، وحكم المستحاضة حكم الطاهر سواء إذا فعلت ما تفعله 73 المستحاضة، لا يحرم 74 عليها ما يحرم على الحائض بحال 75 وأما النفساء فهي التي تري الدم عند الولادة فإذا 76 رأت الدم عند ذلك، كان حكمها حكم الحائض سواء في جميع ما ذكرناه من المحرمات والمكروهات، وأكثر أيام النفاس عشرة أيام، وروي: ثمانية عشر يوما، والأول أحوط وليس لقليله حد، ويجوز 77 أن يكون ساعة، وترى الطهر بعد ذلك فيلزمها الغسل والصلاة.
فصل: في ذكر الأغسال المسنونة:
الأغسال المسنونة ثمانية وعشرون غسلا: غسل يوم الجمعة، وليلة النصف من رجب، ويوم السابع والعشرين منه، وليلة النصف من شعبان، وأول ليلة من شهر رمضان، وليلة النصف منه وليلة سبعة عشرة منه، وتسع عشرة 78، وإحدى وعشرين، وثلاث وعشرين 79، وليلة الفطر، ويوم الفطر، ويوم الأضحى، وغسل الاحرام، وعند دخول الحرم، ودخول المسجد الحرام، ودخول الكعبة، ودخول المدينة، ودخول مسجد النبي عليه وآله السلام 80، وعند زيارة النبي، وعند زيارة الأئمة، ويوم الغدير ويوم المباهلة، وغسل التوبة، وغسل المولود، وغسل قاضي صلاة الكسوف إذا احترق القرص كله وتركه 81 متعمدا، وعند صلاة الحاجة، وعند صلاة الاستخارة.
فصل: في ذكر أحكام المياه:
الماء على ضربين: مطلق ومضاف، فالمطلق على ضربين: جار وواقف 82، فالجاري طاهر مطهر ما لم تغلب عليه نجاسة تغير أحد أوصافه: لونه أو طعمه أو رائحته، والواقف على ضربين:
ماء الآبار وماء غير الآبار، فماء 83 الآبار طاهر مطهر ما لم تقع فيها 84 نجاسة، فإذا حصل 85
مخ ۱۲
فيها شئ ما النجاسة نجست، ولا يجوز استعمالها قليلا كان ماؤها أو كثيرا، غير أنه يمكن تطهيرها بنزح بعضها 86، وقد ذكرنا تفصيل ذلك في النهاية 87 والمبسوط وغير ذلك من كتبنا وماء غير الآبار على ضربين: قليل وكثير، فالقليل ما نقص عن كر، والكثير ما بلغ كرا فما زاد عليه.
والكر: ما كان قدره ألفا ومائتي 88 رطل بالعراقي أو كان قدره ثلاثة أشبار ونصفا 89 طولا في عرض في عمق 90، فإذا كان أقل من كر فإنه ينجس بما يقع فيه من النجاسة على كل حال ولا يجوز استعماله بحال، وما كان كرا فصاعدا فإنه لا ينجس بما يقع فيه من النجاسة إلا ما غير أحد أوصافه: إما لونه أو طعمه أو رائحته.
وأما المضاف من المياه: فهو كل ماء يضاف إلى أصله 91 أو كان مرقة نحو ماء الورد وماء الخلاف وماء النيلوفر 92 وماء الباقلي 93 وغير ذلك، فما هذه صورته لا يجوز استعماله في الوضوء والغسل 94 وإزالة النجاسة 95 ويجوز استعماله في ما عدا ذلك ما لم تقع فيه 96 نجاسة، فإذا وقعت فيها نجاسة فلا يجوز استعمالها 97 بحال، قليلا كان أو كثيرا.
فصل: في ذكر التيمم وأحكامه:
التيمم هو الطهارة بالتراب، ولا يجوز التيمم إلا مع عدم الماء أو عدم ما يتوصل به إليه من آلة ذلك أو ثمنه أو الخوف من استعماله إما على النفس أو المال، ولا يصح التيمم إلا عند تضيق وقت الصلاة ولا يصح التيمم أيضا إلا بما يسمي أرضا بالاطلاق 98 ويكون طاهرا من تراب أو مدر أو حجر، وإذا 99 أراد التيمم فإن كان عليه وضوء ضرب 100 بيديه على الأرض
مخ ۱۳
دفعة واحدة، ثم ينفضهما ويمسح بهما وجهه من قصاص شعر الرأس إلى طرف أنفه وببطن يده 102 اليسرى ظهر كفه اليمنى من الزند إلى أطراف الأصابع، وببطن كفه اليمنى ظهر كفه اليسرى من الزند إلى أطراف الأصابع، وإن كان عليه غسل ضرب بيديه 103 ضربتين، إحداهما 104 للوجه والأخرى لليدين، والكيفية واحدة. وكل ما نقض الوضوء نقض التيمم سواء، وينقضه أيضا التمكن من استعمال الماء، وكل ما يستباح بالوضوء يستباح بالتيمم على حد واحد.
فصل: في وجوب 105 إزالة النجاسة من البدن والثياب 106:
لا يصح الدخول في الصلاة مع النجاسة على الثوب أو البدن إلا بعد إزالتها، فالنجاسة على ضربين: ضرب يجب إزالة قليله وكثيره، وذلك مثل دم الحيض والاستحاضة والنفاس والخمر وكل شراب مسكر 107 والفقاع والمني من كل حيوان 108 والبول والغائط من الأدمي وكل ما لا يؤكل لحمه وما يؤكل لحمه لا بأس ببوله وروثه وذرقه إلا ذرق الدجاج خاصة، فإنه نجس.
والضرب الآخر على ضربين: أحدهما: تجب 109 إزالته إذا كان في سعة درهم وهو باقي الدماء من كل حيوان، والضرب الآخر: لا يجب إزالته قليله ولا كثيره، بل هو معفو عنه، نحو دم البق والبراغيث ودم السمك ودم الدماميل اللازمة والجراح الدامية 110 وما لا يمكن التحرز منه.
ويجب غسل الإناء من ولوغ الكلب خاصة والخنزير ثلاث مرات: أولاهن 111 بالتراب ومن باقي النجاسات ثلاث مرات 112، وكل ما ليس فيه دم 113 فليس بنجس كالذباب والجراد والخنافس، ويكره العقرب والوزغ، وماله نفس سائلة ينجس بالموت ويفسد الماء إذا مات فيه، والأول لا يفسده، ويغسل الإناء من الخمر وموت الفأرة فيه سبع مرات.
مخ ۱۴
فصل: في ذكر غسل الميت 114 وما يتقدمه 115 من الأحكام 116:
يستحب للإنسان الوصية وأن لا يخل بها فإنه روي: أنه ينبغي أن لا يبيت الإنسان إلا ووصيته تحت رأسه، ويتأكد ذلك 117 في حال المرض، ويحسن 118 وصيته ويخلص نفسه فيما بينه وبين الله تعالى من حقوقه ومظالم العباد، فقد روي عن النبي عليه السلام 119 أنه قال:
من لم يحسن 120 الوصية عند موته كان ذلك نقصا في عقله ومروته قالوا: يا رسول الله وكيف الوصية؟، قال: إذا حضرته الوفاة واجتمع الناس إليه 121.
15، قال:
اللهم! فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم! إني أعهد إليك أني أشهد أن لا إله إلا أنت وحدك 122 لا شريك لك وأن محمدا صلى الله عليه وآله عبدك ورسولك 123 وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأنك تبعث 124 من في القبور وأن الحساب حق وأن الجنة حق، وما وعدت 125 فيها من النعيم من المأكل والمشرب والنكاح حق وأن النار حق وأن الايمان حق وأن الدين كما وصفت وأن الإسلام كما شرعت 126 وأن القول كما قلت وأن القرآن كما أنزلت وأنك أنت 127 الله الحق المبين، وأني أعهد إليك في دار الدنيا أني رضيت بك ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وآله نبيا وبعلي وليا وبالقرآن كتابا وأن أهل بيت نبيك عليه وعليهم السلام أئمتي.
مخ ۱۵
اللهم! أنت ثقتي عند شدتي ورجائي عند كربتي وعدتي عند الأمور التي تنزل بي فأنت وليي في نعمتي 128 وإلهي وإله آبائي، صل على محمد وآله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبدا وآنس 129 في قبري وحشتي واجعل لي عندك عهدا يوم ألقاك منشورا.
فهذا عهد الميت يوم يوصي بحاجته والوصية حق على كل مسلم. قال أبو عبد الله عليه السلام 130 وتصديق هذا في سورة مريم قول الله تبارك وتعالى: لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا، وهذا هو العهد.
وقال النبي صلى الله عليه وآله 131 لعلي عليه السلام 132: تعلمها أنت وعلمها أهل بيتك وشيعتك 133. قال وقال النبي عليه السلام: علمنيها جبريل. 134 16، نسخة الكتاب الذي يوضع عند الجريدة مع الميت يقول قبل أن يكتب:
بسم الله الرحمن الرحيم، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وأن الجنة حق وأن النار حق وأن الساعة آتية 135 لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور.
17، ثم يكتب:
بسم الله الرحمن الرحيم، شهد الشهود المسمون في هذا الكتاب أن أخاهم في الله عز وجل فلان بن فلان ويذكر اسم الرجل أشهدهم واستودعهم وأقر عندهم أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا صلى الله عليه وآله عبده
مخ ۱۶
ورسوله وأنه مقر بجميع الأنبياء والرسل عليهم السلام وأن عليا ولي الله و إمامه وأن الأئمة من ولده 136 أئمته وأن أولهم الحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى و محمد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي والقائم الحجة عليهم السلام، و أن الجنة حق والنار حق والساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور، وأن محمدا صلى الله عليه وآله رسوله جاء بالحق وأن عليا ولي الله والخليفة من بعد رسول الله صلى الله عليه وآله ومستخلفه في أمته مؤديا لأمر ربه تبارك و تعالى، وأن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله 137 وابنيها الحسن و الحسين ابنا رسول الله وسبطاه إماما الهدى وقائدا الرحمة وأن عليا ومحمدا و جعفرا وموسى وعليا ومحمدا وعليا وحسنا والحجة عليهم السلام أئمة وقادة و دعاة إلى الله عز وجل 138 وحجة على عباده. 139 * / 18، ثم يقول للشهود: يا فلان بن فلان ويا فلان! المسمين في هذا الكتاب أثبتوا لي هذه الشهادة عندكم حتى تلقوني بها عند الحوض. ثم يقول الشهود: يا فلان! نستودعك الله و الشهادة والاقرار والإخاء مودوعة عند رسول الله صلى الله عليه وآله ونقرء عليك السلام ورحمة الله وبركاته.
ثم تطوي الصحيفة. وتطبع وتختم بخاتم الشهود وخاتم الميت، وتوضع عن يمين الميت
مخ ۱۷
مع الجريدة وتثبت الصحيفة بكافور وعود على جبهته غير مطيب إن شاء الله وبه التوفيق وصلى الله على سيدنا محمد النبي وآله الأخيار الأبرار وسلم تسليما.
* / 19، وينبغي إذا حضره الموت أن يستقبل 140 بباطن قدميه القبلة ويكون عنده من يقرء القرآن سورة يس والصافات ويذكر الله تعالى 141 ويلقن الشهادتين والإقرار بالأئمة واحدا واحدا، ويلقن كلمات الفرج وهي:
لا إله إلا الله الحليم الكريم، لا إله إلا الله العلي العظيم، سبحان الله رب السماوات السبع ورب الأرضين السبع وما فيهن وما بينهن وما تحتهن ورب العرش العظيم، والحمد لله رب العالمين والصلاة على محمد وآله الطيبين. 142 ولا يحضره جنب ولا حائض، فإذا قضى نحبه غمض عيناه ومدت يداه ويطبق فوه وتمد ساقاه ويشد لحيه ويؤخذ في تحصيل أكفانه فتحصل 143 من الأكفان المفروضة ثلاث قطع:
ميزر وقميص وإزار، ويستحب أن يضاف إلى ذلك حبرة يمنية 144 أو إزار آخر وخرقة خامسة يشد بها فخذاه ووركه، ويستحب أن تجعل له عمامة زائدة على ذلك، ويجعل 145 له شئ من الكافور الذي لم تمسه النار وأفضلها 146 وزن ثلاثة عشر درهما وثلث وأوسطها أربعة مثاقيل وأقله وزن درهم فإن تعذر فما سهل.
* / 20، وينبغي أن يكتب على الأكفان كلها: فلان يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله وأن عليا أمير المؤمنين والأئمة من ولده واحدا واحدا أئمة 147 الهدى الأبرار.
ويكتب ذلك بتربة الحسين أو بالإصبع ولا يكتب بالسواد.
ويغسل الميت ثلاثة أغسال: أولها بماء السدر، والثاني بماء جلال الكافور، والثالث بماء
مخ ۱۸
القراح. وكيفية غسله مثل غسل الجنابة سواء يبدأ أولا فيغسل يد 148 الميت ثلاث مرات، ثم ينجيه بقليل من الأشنان ثلاث مرات، ثم يغسل رأسه 149 ثلاث مرات، ثم جانبه 150 الأيمن ثم الأيسر مثل ذلك ويمر يده على جميع جسده، كل ذلك بماء السدر، ثم 151 يغسل الأواني ويطرح ماء آخر ويطرح فيه قليلا من الكافور، ثم يغسله بماء الكافور مثل ذلك على السواء، ويقلب بقية الماء ويغسل الأواني ثم يطرح الماء القراح ويغسله الغسلة الثالثة مثل ذلك سواء. ويقف الغاسل على جانبه الأيمن، ويقول كلما غسل منه شيئا: عفوا عفوا.
فإذا فرغ نشفه بثوب نظيف ويغتسل الغاسل فرضا، إما في الحال أو 152 فيما بعد.
ويستحب تقديم الوضوء على الغسلات ثم يكفنه فيعمد إلى الخرقة التي هي الخامسة فيبسطها ويضع عليها شيئا من القطن وينثر عليها شيئا من الذريرة المعروفة بالقمحة، ويضعه على فرجيه قبله ودبره، ويحشو دبره بشئ من القطن، ثم يستوثق بالخرقة أليتيه وفخذيه شيئا وثيقا ثم يوزره من سرته إلى حيث يبلغ الميزر، ويلبسه القميص وفوق القميص الإزار وفوق الإزار الحبرة أو ما يقوم مقامها ويضع معه جريدتين من النخل أو من شجر غيره، بعد أن يكون رطبا، ومقدارها 153 مقدار عظم الذراع، يضع واحدة منهما في جانبه الأيمن يلصقها بجلده من عند حقوه، والأخرى من الجانب الأيسر بين القميص والأزار ويضع الكافور على مساجده:
جبهته وباطن يديه وركبتيه وأطراف أصابع رجليه، فإن فضل منه شئ جعله على صدره ويرد عليه أكفانه ويعقدها من ناحية رأسه ورجليه إلى أن يدفنه فإذا دفنه حل عنه عقد أكفانه ثم يحمل على سريره إلى المصلى، فيصلي عليه على ما سنبينه إن شاء الله، وأفضل ما يمشي الإنسان خلف الجنازة أو بين جنبيها، ويستحب تربيع الجنازة بأن يأخذ جانبها الأيمن، ثم رجلها الأيمن 154، ثم رجلها الأيسر 155، ثم منكبها الأيسر يدور خلفها دور الرحي، فإذا جئ بها إلى القبر، ترك جنازة الرجل مما يلي رجلي القبر وتقدم إلى شفير القبر في ثلاث دفعات، وإن كانت جنازة امرأة تركت قدام القبر مما يلي القبلة، ثم ينزل
مخ ۱۹
إلى القبر ولي الميت أو من يأمره الولي، فيكون 156 نزوله من عند رجلي القبر.
* / 21، ويقول إذا نزله:
اللهم اجعلها روضة من رياض الجنة ولا تجعلها حفرة من حفر النار 157 * / 22، وينبغي أن ينزل القبر حافيا مكشوف الرأس محلول الأزرار 158، ثم يتناول الميت ويسل 159 سلا فيبدأ برأسه فيؤخذ وينزل به القبر، ويقول من يتناوله:
بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله 160، اللهم! ايمانا بك وتصديقا بكتابك، هذا ما وعد 161 الله ورسوله وصدق الله ورسوله، اللهم! زدنا ايمانا وتسليما.
* / 23، ثم يضجعه على جانبه الأيمن ويستقبل به القبلة ويحل عقد كفنه من قبل رأسه ورجله ويضع خده على التراب، ويستحب أن يجعل معه شئ من تربة الحسين عليه السلام ثم يشرج عليه اللبن ويقول من يشرجه:
اللهم! صل وحدته، وآنس وحشته، وارحم غربته، وأسكن إليه رحمة يستغني بها عن رحمة من سواك، واحشره مع من 162 يتولاه. * / 24، ويستحب أن يلقن الميت الشهادتين وأسماء الأئمة عليهم السلام عند وضعه في القبر قبل تشريج اللبن عليه، فيقول الملقن: يا فلان بن فلان أذكر العهد الذي خرجت عليه من دار الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده
مخ ۲۰
ورسوله وأن عليا أمير المؤمنين والحسن والحسين ويذكر الأئمة إلى آخرهم 163 أئمتك أئمة الهدى الأبرار.
* / 25، فإذا فرغ من تشريج اللبن عليه، أهال التراب عليه ويهيل كل من حضر الجنازة استحبابا بظهور أكفهم، ويقولون 165 عند ذلك:
إنا لله وإنا إليه راجعون، هذا ما وعد الله ورسوله وصدق الله ورسوله، اللهم!
زدنا ايمانا وتسليما.
* / 26، فإذا أراد الخروج من القبر، خرج من قبل رجليه ثم يطم القبر ويرفع من الأرض مقدار أربع أصابع ولا يطرح فيه من غير ترابه ويجعل عند رأسه لبنة أو لوح، ثم يصب الماء على القبر يبدأ بالصب من عند الرأس، ثم يدار من أربع جوانب القبر حتى يعود إلى موضع الرأس، فإن فضل من الماء شئ صبه على وسط القبر فإذا سوي القبر وضع يده على قبره من أراد ذلك ويفرج أصابعه ويغمزها فيه ويدعو للميت، فيقول:
اللهم أنس 166 وحشته وارحم غربته وأسكن روعته وصل وحدته، وأسكن إليه من رحمتك رحمة يستغني بها عن رحمة من سواك، واحشره مع من كان يتولاه.
* / 27، فإذا انصرف الناس من القبر 167 تأخر أولى الناس بالميت وترحم 168 عليه و ينادي بأعلى صوته إن لم يكن في موضع تقية:
يا فلان بن فلان! الله ربك ومحمد نبيك والقرآن كتابك والكعبة قبلتك وعلي إمامك والحسن والحسين ويذكر الأئمة واحدا واحدا أئمتك أئمة الهدى الأبرار.
مخ ۲۱