مرقاة المفاتيح شرح مشکاة المصابیح

Mulla Ali al-Qari d. 1014 AH
9

مرقاة المفاتيح شرح مشکاة المصابیح

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح

خپرندوی

دار الفكر

د ایډیشن شمېره

الأولى

د چاپ کال

١٤٢٢هـ - ٢٠٠٢م

د خپرونکي ځای

بيروت - لبنان

وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَرْجِعَ الضَّمِيرُ فِي (هَدْيِهِ) إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَالْمُرَادُ بِهَدْيِهِ تَوْحِيدُهُ، وَيُؤَيِّدُهُ عَطْفُ قَوْلِهِ الْآتِي: (وَالِاعْتِصَامُ بِحَبْلِ اللَّهِ) عَلَيْهِ، غَايَتُهُ أَنَّهُ، وُضِعَ الظَّاهِرُ مَوْضِعَ الضَّمِيرِ دَفْعًا لِلتَّوَهُّمِ، وَتَبَعًا لِلْوَارِدِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ﴾ [آل عمران: ١٠٣] وَعُكِسَ فِي الْأَوَّلِ ; لِظُهُورِهِ، وَدَلَالَةِ الْمَقَامِ عَلَيْهِ، فَلَوْ بُيِّنَ الضَّمِيرُ بِالتَّصْرِيحِ لَكَانَ أَوْلَى سِيَّمَا مَعَ وُجُودِ الْفَصْلِ بِفَصْلِ الْخِطَابِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ (وَالِاعْتِصَامَ) بِالنَّصْبِ، وَيَجُوزُ رَفْعُهُ أَيْ: التَّمَسُّكُ (بِحَبْلِ اللَّهِ): وَهُوَ الْقُرْآنُ: لِمَا وَرَدَ: («الْقُرْآنُ حَبْلُ اللَّهِ الْمَمْدُودُ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ») شُبِّهَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يُتَوَسَّلُ بِهِ إِلَى الْمَقْصُودِ، وَيَحْصُلُ بِهِ الصُّعُودُ إِلَى مَرَاتِبِ السُّعُودِ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ قَابِلٌ لِلتَّعَلِّي، وَالتَّدَلِّي، لِذَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ " «الْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ، أَوْ عَلَيْكَ» "، فَهُوَ كَالنِّيلِ مَاءٌ لِلْمَحْبُوبِينَ، وَدِمَاءٌ لِلْمَحْجُوبِينَ، قَالَ تَعَالَى: ﴿يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا﴾ [البقرة: ٢٦]، ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا﴾ [الإسراء: ٨٢] (لَا يَتِمُّ) أَيْ: لَا يَكْمُلُ الِاعْتِصَامُ بِالْكِتَابِ (إِلَّا بِبَيَانِ كَشْفِهِ) أَيْ: مِنَ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ، وَالْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ، قَالَ تَعَالَى: ﴿لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾ [النحل: ٤٤] وَلَا خَفَاءَ فِي الْإِجْمَالَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ، وَالتَّبْيِينَاتِ الْحَدِيثَيَّةِ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ مُجْمَلَةٌ لَمْ يُبَيِّنْ أَوْقَاتَهَا، وَأَعْدَادَهَا، وَأَرْكَانَهَا، وَشَرَائِطَهَا، وَوَاجِبَاتِهَا، وَسُنَنَهَا، وَمَكْرُوهَاتِهَا، وَمُفْسِدَاتِهَا إِلَّا السُّنَّةُ، وَكَذَا الزَّكَاةُ لَمْ يُعْلَمْ مِقْدَارُهَا، وَتَفَاصِيلُ نِصَابِهَا، وَمَصَارِفِهَا إِلَّا بِالْحَدِيثِ، وَكَذَا الصَّوْمُ، وَالْحَجُّ، وَسَائِرُ الْأُمُورِ الشَّرْعِيَّةِ، وَالْقَضَايَا، وَالْأَحْكَامِ الدِّينِيَّةِ، وَتَمْيِيزُ الْحَلَالِ، وَالْحَرَامِ، وَتَفَاصِيلُ الْأَحْوَالِ الْأُخْرَوِيَّةِ، فَعَلَيْكَ بِالْكِتَابِ، وَالسُّنَّةِ، وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ، وَبِالِاجْتِنَابِ عَنْ طَرِيقِ أَرْبَابِ الْهَوَى، وَأَصْحَابِ الْبِدْعَةِ ; لِتَكُونَ مِنَ الْفِرْقَةِ النَّاجِيَةِ السَّالِكَةِ طَرِيقَ الْمُتَابَعَةِ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِقَامَةِ. وَللَّهِ دَرُّ الْقَائِلِ: كُلُّ الْعُلُومِ سِوَى الْقُرْآنِ مَشْغَلَةٌ ... إِلَّا الْحَدِيثَ، وَإِلَّا الْفِقْهَ فِي الدِّينِ الْعِلْمُ مُتَّبَعٌ مَا فِيهِ حَدَّثَنَا ... وَمَا سِوَى ذَاكَ وَسْوَاسُ الشَّيَاطِينِ وَمَا قَالَهُ بَعْضُ الصُّوفِيَّةِ مِنْ أَنَّ (حَدَّثَنَا) بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الدُّنْيَا مُرَادُهُ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يُرِدْ بِهِ مَرْضَاةَ الْمَوْلَى، وَلِذَا قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْمُحَدِّثِينَ: طَلَبْنَا الْعِلْمَ لِغَيْرِ اللَّهِ فَأَبَى أَنْ يَكُونَ إِلَّا لِلَّهِ. وَقِيلَ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: إِلَى مَتَى الْعِلْمُ فَأَيْنَ الْعَمَلُ؟ ! قَالَ: عِلْمُنَا هَذَا هُوَ الْعَمَلُ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ عَلِيٍّ - كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ - «أَنَّهُ ﵊ خَرَجَ يَوْمًا مِنَ الْحُجْرَةِ الشَّرِيفَةِ، وَقَالَ: " اللَّهُمَّ ارْحَمْ خُلَفَائِي ". قُلْنَا: مَنْ خُلَفَاؤُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: خُلَفَائِي الَّذِينَ يَرْوُونَ أَحَادِيثِي، وَسُنَنِي، وَيُعَلِّمُونَهَا لِلنَّاسِ» . وَفَى صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ: أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيَّ ارْتَحَلَ مِنَ الْمَدِينَةِ مَسَافَةَ شَهْرٍ لِتَحْصِيلِ حَدِيثٍ وَاحِدٍ. (وَكَانَ كِتَابُ الْمَصَابِيحِ): قِيلَ: أَحَادِيثُهُ أَرْبَعَةُ آلَافٍ وَأَرْبَعُمِائَةٍ وَأَرْبَعَةٌ وَثَلَاثُونَ حَدِيثًا، وَزَادَ صَاحِبُ الْمِشْكَاةِ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ وَأَحَدَ عَشَرَ حَدِيثًا فَالْمَجْمُوعُ خَمْسَةُ آلَافٍ وَتِسْعُمِائَةٍ وَخَمْسَةٌ

1 / 11