مرقاة المفاتيح شرح مشکاة المصابیح
مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح
خپرندوی
دار الفكر
د ایډیشن شمېره
الأولى
د چاپ کال
١٤٢٢هـ - ٢٠٠٢م
د خپرونکي ځای
بيروت - لبنان
الصَّغِيرِ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَهُوَ مُتَوَاتِرٌ، أَيْ مَعْنَوِيٌّ، بِلَفْظِ: («أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ»)، وَفِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ رَوَى ابْنُ جَرِيرٍ، وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَنَسٍ وَحَسَّنَهُ " («أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ، وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا) قِيلَ: وَمَا حَقُّهَا؟ قَالَ: (زِنًا بَعْدَ إِحْصَانٍ، أَوْ كُفْرٌ بَعْدَ إِسْلَامٍ، أَوْ قَتْلُ نَفْسٍ فَيُقْتَلُ» بِهَا) اهـ.
فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى أَنَّ الْإِقْرَارَ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْإِسْلَامِ وَتَرَتُّبِ الْأَحْكَامِ، وَرَدٌّ بَلِيغٌ عَلَى الْمُرْجِئَةِ فِي قَوْلِهِمْ: إِنَّ الْإِيمَانَ غَيْرُ مُفْتَقِرٍ إِلَى الْأَعْمَالِ، وَدَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ تَكْفِيرِ أَهْلِ الْبِدَعِ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ الْمُقِرِّينَ بِالتَّوْحِيدِ الْمُلْتَزِمِينَ لِلشَّرَائِعِ.
١٣ - وَعَنْ أَنَسٍ ﵁ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ («مَنْ صَلَّى صَلَاتَنَا، وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا، وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا، فَذَلِكَ الْمُسْلِمُ الَّذِي لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ، فَلَا تُخْفِرُوا اللَّهَ فِي ذِمَّتِهِ») رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
ــ
١٣ - (وَعَنْ أَنَسٍ) مَرَّ ذِكْرُهُ (أَنَّهُ) هُوَ ثَابِتٌ فِي النُّسَخِ الْمُصَحَّحَةِ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (مَنْ صَلَّى صَلَاتَنَا) أَيْ كَمَا نُصَلِّي، وَلَا تُوجَدُ إِلَّا مِنْ مُوَحِّدٍ مُعْتَرِفٍ بِنُبُوَّتِهِ، وَمَنِ اعْتَرَفَ بِهِ فَقَدِ اعْتَرَفَ بِجَمِيعِ مَا جَاءَ بِهِ، فَلِذَا جَعَلَ الصَّلَاةَ عَلَمًا لِإِسْلَامِهِ، وَلَمْ يَذْكُرِ الشَّهَادَتَيْنِ لِدُخُولِهِمَا فِي الصَّلَاةِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا، (وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا): إِنَّمَا ذَكَرَهُ مَعَ انْدِرَاجِهِ فِي الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ الْقِبْلَةَ أَعْرَفُ، إِذْ كُلُّ أَحَدٍ يَعْرِفُ قِبْلَتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ صَلَاتَهُ، وَلِأَنَّ فِي صَلَاتِنَا مَا يُوجَدُ فِي صَلَاةِ غَيْرِهِ، وَاسْتِقْبَالُ قِبْلَتِنَا مَخْصُوصٌ بِنَا، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلزَّكَاةِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْأَرْكَانِ اكْتِفَاءً بِالصَّلَاةِ الَّتِي هِيَ عِمَادُ الدِّينِ، أَوْ لِتَأَخُّرِ وُجُوبِ تِلْكَ الْفَرَائِضِ عَنْ زَمَنِ صُدُورِ هَذَا الْقَوْلِ، ثُمَّ لَمَّا مُيِّزَ الْمُسْلِمُ عَنْ غَيْرِهِ عِبَادَةً ذَكَرَ مَا يُمَيِّزُهُ عِبَادَةً وَعَادَةً بِقَوْلِهِ: (وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا) ; فَإِنَّ التَّوَقُّفَ عَنْ أَكْلِ الذَّبَائِحِ كَمَا هُوَ مِنَ الْعِبَادَاتِ فَكَذَلِكَ مِنَ الْعَادَاتِ الثَّابِتَةِ فِي الْمِلَلِ الْمُتَقَدِّمَاتِ، وَالذَّبِيحَةُ فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ، وَالتَّاءُ لِلْجِنْسِ كَمَا فِي الشَّاةِ (فَذَلِكَ) أَيْ مَنْ جَمَعَ هَذِهِ الْأَوْصَافَ الثَّلَاثَةَ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ (الْمُسْلِمُ)، أَوْ صِفَتُهُ وَخَبَرُهُ (الَّذِي لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ) أَيْ أَمَانُهُمَا وَعَهْدُهُمَا مِنْ وَبَالِ الْكُفَّارِ، وَمَا شُرِعَ مِنَ الْقَتْلِ وَالْقِتَالِ وَغَيْرِهِمَا، أَيْ يَرْتَفِعُ عَنْهُ هَذَا، وَكَرَّرَ لَفْظَةَ (ذِمَّةُ) إِشْعَارًا بِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَقْصُودٌ، وَأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ الْأَوَّلُ، وَأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُتَلَازِمَانِ؛ وَلِذَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ: («فَلَا تُخْفِرُوا اللَّهَ فِي ذِمَّتِهِ») مِنَ الْإِخْفَارِ أَيْ لَا تَخُونُوا اللَّهَ فِي عَهْدِهِ، وَلَا تَتَعَرَّضُوا فِي حَقِّهِ مِنْ مَالِهِ، وَدَمِهِ، وَعِرْضِهِ، أَوِ الضَّمِيرُ لِلْمُسْلِمِ أَيْ فَلَا تَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ، بِحَذْفِ الْمُضَافِ وَإِقَامَةِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ مَقَامَهُ، " فِي ذِمَّتِهِ " أَيْ مَا دَامَ هُوَ فِي أَمَانِهِ (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ بِمَعْنَاهُ.
١٤ - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قَالَ: «أَتَى أَعْرَابِيٌّ النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَ: دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا عَمِلْتُهُ دَخَلْتُ الْجَنَّةَ، قَالَ: " تَعْبُدُ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ، وَتُؤَدِّي الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ، قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا شَيْئًا وَلَا أَنْقُصُ، فَلَمَّا وَلَّى قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا» ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
١٤ - (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) مَرَّ ذِكْرُهُ (قَالَ: أَتَى أَعْرَابِيٌّ) أَيْ بَدَوِيٌّ، مَنْسُوبٌ إِلَى الْأَعْرَابِ وَهُمْ سُكَّانُ الْبَادِيَةِ كَمَا أَنَّ الْعَرَبَ هُمْ سُكَّانُ الْبَلَدِ (النَّبِيَّ) أَيْ جَاءَهُ، وَفِي نُسْخَةٍ: إِلَى النَّبِيِّ ﷺ (فَقَالَ: دُلَّنِي) بِضَمِّ الدَّالِ وَفَتْحِ اللَّامِ الْمُشَدَّدَةِ أَيْ أَرْشِدْنِي بِالدَّلَالَةِ (عَلَى عَمَلٍ): صِفَتُهُ أَنَّهُ (إِذَا
1 / 82