مرقاة المفاتيح شرح مشکاة المصابیح

Mulla Ali al-Qari d. 1014 AH
49

مرقاة المفاتيح شرح مشکاة المصابیح

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح

خپرندوی

دار الفكر

د ایډیشن شمېره

الأولى

د چاپ کال

١٤٢٢هـ - ٢٠٠٢م

د خپرونکي ځای

بيروت - لبنان

ــ الْفَصْلُ الْأَوَّلُ ٢ - (عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ذَاتَ يَوْمٍ، إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ): أَصْلُهُ بَيْنَ فَأُشْبِعَتِ الْفَتْحَةُ فَقِيلَ بَيْنَا. وَزِيدَتْ مَا فَقِيلَ بَيْنَمَا، وَهُمَا ظَرْفَا زَمَانٍ بِمَعْنَى الْمُفَاجَأَةِ، وَيُضَافَانِ إِلَى الْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ تَارَةً، وَإِلَى الْفِعْلِيَّةِ أُخْرَى، وَيَكُونُ الْعَامِلُ مَعْنَى الْمُفَاجَأَةِ فِي إِذْ، فَمَعْنَى الْحَدِيثِ وَقْتَ حُضُورِنَا فِي مَجْلِسِ رَسُولِ اللَّهِ! فَاجَأَنَا وَقْتُ طُلُوعِ ذَلِكَ الرَّجُلِ، فَبَيْنَا ظَرْفٌ لِهَذَا الْمُقَدَّرِ، وَإِذْ مَفْعُولٌ بِهِ بِمَعْنَى الْوَقْتِ كَمَا قَالَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ﴾ [الزمر: ٤٥] أَيْ: وَقْتُ ذِكْرِ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ فَجَاءُوا وَقْتَ الِاسْتِبْشَارِ. فَنَحْنُ: مُبْتَدَأٌ، وَعِنْدَ ظَرْفُ مَكَانٍ، وَذَاتَ يَوْمٍ ظَرْفٌ لِقَوْلِهِ عِنْدَ بِاعْتِبَارِ أَنَّ فِيهِ مَعْنَى الِاسْتِقْرَارِ، أَيْ: بَيْنَ أَوْقَاتٍ نَحْنُ حَاضِرُونَ عِنْدَهُ، فَنَحْنُ مُخْبَرٌ عَنْهُ بِجُمْلَةٍ ظَرْفِيَّةٍ، وَالْمَجْمُوعُ صِفَةُ الْمُضَافِ إِلَيْهِ الْمَحْذُوفِ، وَزِيَادَةُ ذَاتَ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ التَّجَوُّزِ بِأَنْ يُرَادَ بِالْيَوْمِ مُطْلَقُ الزَّمَانِ لَا النَّهَارُ كَمَا فِي قَوْلِكَ: رَأَيْتُ ذَاتَ زَيْدٍ، وَقِيلَ ذَاتَ مُقْحَمٌ، وَقِيلَ بِمَعْنَى السَّاعَةِ، وَقِيلَ بَيْنَ يُضَافُ إِلَى مُتَعَدِّدٍ لَفْظًا كَقَوْلِكَ: جَلَسْتُ بَيْنَ الْقَوْمِ، أَوْ مَعْنًى كَقَوْلِكَ جِئْتُ بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ، وَإِذَا قُصِدَ إِضَافَتُهُ إِلَى جُمْلَةٍ يُزَادُ أَلِفٌ، أَوْ مَا عِوَضًا عَنِ الْأَوْقَاتِ الَّتِي تَقْتَضِيهَا بَيْنَ، وَقِيلَ فَائِدَةُ الْمَزِيدَتَيْنِ إِنَّمَا هِيَ التَّهَيُّؤُ لِدُخُولِ الْجُمْلَتَيْنِ، وَيَجُوزُ دُخُولُ إِذْ فِي جَوَابِهِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ، وَيَجُوزُ تَرْكُهُ كَمَا فِي الشِّعْرِ الْفَصِيحِ: وَبَيْنَا نَحْنُ نَرْقُبُهُ أَتَانَا وَجَاءَ فِي طَرِيقٍ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي آخِرِ عُمْرِهِ، وَالْحِكْمَةُ فِي تَأْخِيرِ مَجِيئِهِ إِلَى مَا بَعْدَ إِنْزَالِ جَمِيعِ الْأَحْكَامِ تَقْرِيرُ أُمُورِ الدِّينِ الَّتِي بَلَّغَهَا مُتَفَرِّقَةً فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ لِتُغْبَطَ، وَتُضْبَطَ، وَقِيلَ مَجِيئُهُ كَانَ فِي السَّنَةِ الْعَاشِرَةِ قُبَيْلَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَسَبَبُ الْحَدِيثِ مَا فِي مُسْلِمٍ أَنَّهُ! قَالَ: (سَلُونِي) فَهَابُوا أَنْ يَسْأَلُوهُ فَجَاءَهُ جِبْرِيلُ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْدَةَ: بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَخْطُبُ أَيْ: يَعِظُ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ، وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ كَانَ ﵊ يَوْمًا بَارِزًا لِلنَّاسِ، وَفِي أُخْرَى لِأَبِي دَاوُدَ كَانَ ﵊ يَجْلِسُ بَيْنَ أَصْحَابِهِ فَيَجِيءُ الْغَرِيبُ فَلَا يَدْرِي أَيُّهُمْ هُوَ حَتَّى يَسْأَلَ فَطَلَبْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنْ يَجْعَلَ لَنَا مَجْلِسًا يَعْرِفُهُ الْغَرِيبُ إِذَا أَتَاهُ قَالَ: فَبَنَيْنَا لَهُ دُكَّانًا أَيْ: دِكَّةً مِنْ طِينٍ يَجْلِسُ عَلَيْهِ، وَكُنَّا نَجْلِسُ بِجَنْبِهِ، وَاسْتَنْبَطَ مِنْهُ الْقُرْطُبِيُّ أَنَّهُ يُسَنُّ لِلْعَالِمِ الْجُلُوسُ بِمَحَلٍّ مُرْتَفِعٍ مُخْتَصٍّ بِهِ إِذَا احْتَاجَ إِلَيْهِ لِلتَّعْظِيمِ، وَنَحْوِهِ، ثُمَّ الطُّلُوعُ بِمَعْنَى الظُّهُورِ مِنْ كَمَالِ النُّورِ مُسْتَعَارٌ مِنْ طَلَعَتِ الشَّمْسُ، وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى كَمَالِ عَظَمَتِهِ، وَعُلُوِّ مَرْتَبَتِهِ، وَالتَّنْوِينُ فِي رَجُلٍ لِلتَّعْظِيمِ، وَيُحْتَمَلُ التَّنْكِيرُ؛ لِأَنَّ الرَّاوِيَ حِينَ رِوَايَتِهِ، وَإِنْ كَانَ عَارِفًا بِأَنَّهُ جِبْرِيلُ لَكِنَّهُ حَكَى الْحَالَ الْمَاضِيَةَ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِ: لَا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَلَكَ لَهُ أَنْ يَقْتَدِرَ بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى التَّشَكُّلِ مِمَّا شَاءَ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا﴾ [مريم: ١٧] وَالْحِكْمَةُ فِي اخْتِيَارِ شَكْلِ الْبَشَرِ الِاسْتِئْنَاسُ لِأَنَّ الْجِنْسِيَّةَ عِلَّةُ الضَّمِّ، فَالْمَعْنَى رَجُلٌ فِي الصُّورَةِ إِذْ هُوَ جِبْرِيلُ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي رِوَايَةٍ، وَمَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ مِنْ أَنَّ جِبْرِيلَ نَزَلَ فِي صُورَةِ دَحْيَةَ الْكَلْبِيِّ مَعْلُولٌ بِأَنَّهُ وَهْمٌ مِنْ رِوَايَةٍ لِقَوْلِ عُمَرَ الْآتِي. وَلَا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ. نَعَمْ كَانَ غَالِبًا يَتَمَثَّلُ بِصُورَةِ دَحْيَةَ لِكَمَالِ جَمَالِهِ. (شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ، شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعْرِ): بِإِضَافَةِ شَدِيدٍ إِلَى مَا بَعْدَهُ إِضَافَةً لَفْظِيَّةً مُفِيدَةً لِلتَّخْفِيفِ فَقَطْ صِفَةُ رَجُلٍ، وَاللَّامُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ عِوَضٌ عَنِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ الْعَائِدِ إِلَى الرَّجُلِ. أَيْ: شَدِيدٌ بَيَاضُ ثِيَابِهِ شَدِيدٌ سَوَادُ شَعْرِهِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِالتَّنْوِينِ فِي الصِّفَتَيْنِ الْمُشَبَّهَتَيْنِ، وَرَفْعِ مَا بَعْدَهُمَا عَلَى الْفَاعِلِيَّةِ، وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ الْبَيَاضِ، وَالنَّظَافَةِ فِي الثِّيَابِ، وَأَنَّ زَمَانَ طَلَبِ الْعِلْمِ أَوَانُ الشَّبَابِ لِقُوَّتِهِ عَلَى تَحَمُّلِ أَعْبَائِهِ، وَقُدْرَتِهِ عَلَى تَعَلُّمِ

1 / 51