226

مرقاة المفاتيح شرح مشکاة المصابیح

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح

خپرندوی

دار الفكر

د ایډیشن شمېره

الأولى

د چاپ کال

١٤٢٢هـ - ٢٠٠٢م

د خپرونکي ځای

بيروت - لبنان

كَانَتْ رَحْمَةً عَلَى الْأُمَّةِ لِئَلَّا يَتَضَرَّرُوا بِالِاقْتِدَاءِ، إِذْ لِأَنْفُسِهِمْ عَلَيْهِمْ حَقٌّ وَلِأَزْوَاجِهِمْ عَلَيْهِمْ حَقٌّ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ مُحْتَاجٌ إِلَى الطَّعَامِ لِيَتَقَوَّى صُلْبُهُ، وَالرِّجَالُ مُحْتَاجُونَ إِلَى النِّسَاءِ لِبَقَاءِ النَّسْلِ (فَقَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا)، أَيْ: أَمَّا: رَسُولُ اللَّهِ فَقَدْ خُصَّ بِالْمَغْفِرَةِ الْعَامَّةِ فَلَا عَلَيْهِ أَنْ يُكْثِرَ الْعِبَادَةَ، وَأَمَّا أَنَا فَلَسْتُ مِثْلَهُ (فَأُصَلِّي اللَّيْلَ)، أَيْ: أُحْيِيهِ بِالصَّلَاةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ وَمَا قَبْلَهُ عَزَمَ عَلَى مَا ذَكَرَ، وَيُحْتَمَلُ الْإِخْبَارُ عَنْ ذَلِكَ (أَبَدًا)، أَيْ: طُولَ اللَّيْلِ أَوْ دَائِمًا غَيْرَ مُخْتَصٍّ بِلَيْلٍ دُونَ لَيْلٍ (وَقَالَ الْآخَرُ: أَنَا أَصُومُ النَّهَارَ)، أَيْ: أَبَدًا كَمَا فِي نُسْخَةٍ لَكِنْ يُسْتَغْنَى عَنْهُ بِقَوْلِ (وَلَا أُفْطِرُ)، أَيْ: بِالنَّهَارِ يَعْنِي غَيْرَ الْأَيَّامِ الْخَمْسَةِ الْمَنْهِيَّةِ (وَقَالَ الْآخَرُ: أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ): أَيِ أَجْتَنِبُهُنَّ (فَلَا أَتَزَوَّجُ)، أَيْ: مِنْهُنَّ أَحَدًا (أَبَدًا)، فَإِنَّهُنَّ وَالِاشْتِغَالَ بِهِنَّ يَمْنَعُ الشَّخْصَ عَنِ الْعِبَادَةِ وَيُوقِعُهُ فِي طَلَبِ الدُّنْيَا وَالْحِرْصِ عَلَى تَحْصِيلِهَا فِي الْعَادَةِ، وَهُوَ خِلَافُ سُلُوكِ أَهْلِ الْإِرَادَةِ مِنَ السَّادَةِ (فَجَاءَ النَّبِيُّ ﷺ إِلَيْهِمْ)، وَقَدْ عَلِمَ ذَلِكَ بِأَنْ جَاءَ إِلَى أَهْلِهِ فَأَخْبَرُوهُ وَإِمَّا بِالْوَحْيِ (فَقَالَ: أَنْتُمْ)، أَيْ: أَأَنْتُمْ فَحُذِفَتْ هَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ الَّتِي لِلْإِنْكَارِ مِنْ قَبْلِ أَنْتُمُ الَّذِي هُوَ الْفَاعِلُ الْمَعْنَوِيُّ الْمُزَالُ عَنْ مَقَرِّهِ عَلَى حَدِّ: ﴿أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [المائدة: ١١٦] مُبَالَغَةٌ فِي الْإِنْكَارِ عَلَيْهِمْ (الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا؟ !) كِنَايَةٌ عَمَّا تَقَدَّمَ (أَمَا): بِالتَّخْفِيفِ حَرْفُ تَنْبِيهٍ وَاسْتِفْتَاحٍ. بِمَنْزِلَةِ أَلَا وَيَكْثُرُ قَبْلَ الْقَسَمِ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ حَقًّا، وَأَغْرَبَ ابْنُ حَجَرٍ وَقَالَ: الْهَمْزَةُ لِلِاسْتِفْهَامِ الْإِنْكَارِيِّ وَمَا: حَرْفُ تَنْبِيهٍ (وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ) . قَالَ الْقَاضِي، أَيْ: أَنَا أَعْلَمُ بِهِ وَبِمَا هُوَ أَعَزُّ لَدَيْهِ وَأَكْرَمُ عِنْدَهُ، فَلَوْ كَانَ مَا اسْتَأْثَرْتُمُوهُ مِنَ الْإِفْرَاطِ فِي الرِّيَاضَةِ أَحْسَنُ مِمَّا أَنَا عَلَيْهِ مِنَ الِاعْتِدَالِ لَمَا أَعْرَضْتُ عَنْهُ وَقَوْلُهُ (لِلَّهِ): مَفْعُولٌ بِهِ لِأَخْشَاكُمْ، وَأَفْعَلُ لَا يَعْمَلُ فِي الظَّاهِرِ إِلَّا فِي الظَّرْفِ (وَأَتْقَاكُمْ لَهُ): إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْخَشْيَةَ الَّتِي لَا تُورِثُ التَّقْوَى لَا عِبْرَةَ بِهَا (لَكِنِّي أَصُومُ): اسْتِدْرَاكٌ عَنْ مَحْذُوفٍ، أَيْ: أَنَا أَخْشَاكُمْ لِلَّهِ، فَيَنْبَغِي عَلَى زَعْمِكُمْ أَوْ فِي الْحَقِيقَةِ أَنْ أَقُومَ فِي الرِّيَاضَةِ إِلَى أَقْصَى مَدَاهُ، لَكِنْ أَقْتَصِدُ وَأَتَوَسَّطُ فِيهَا فَأَصُومُ فِي وَقْتٍ (وَأُفْطِرُ): فِي آخَرَ (وَأُصَلِّي): بَعْضَ اللَّيْلِ (وَأَرْقُدُ): فِي بَعْضِهِ (وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ): وَلَا أَزْهَدُ فِيهِنَّ وَكَمَالُ الرَّجُلِ أَنْ يَقُومَ بِحَقِّهِنَّ مَعَ الْقِيَامِ بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ وَالتَّفْوِيضِ إِلَيْهِ، وَهَذَا كُلُّهُ لِيَقْتَدِيَ بِيَ الْأُمَّةُ (فَمَنْ رَغِبَ)، أَيْ: مَالَ وَأَعْرَضُ (عَنْ سُنَّتِي)، أَيِ: اسْتِهَانَةً وَزُهْدًا فِيهَا لَا كَسَلًا وَتَهَاوُنًا (فَلَيْسَ مِنِّي)، أَيْ: مِنْ أَشْيَاعِي، وَضَعَ قَوْلَهُ: عَنْ سُنَّتِي مَكَانَ ذَلِكَ لِيَشْمَلَ كُلَّ مَا جَاءَ بِهِ مِنَ الْمَذْكُورِ وَغَيْرِهِ، وَمِنْ فِي مِنِّي اتِّصَالِيَّةٌ، وَذَكَرَ الْأَبْهَرِيُّ عَنِ الشَّيْخِ أَنَّهُ قَالَ: لَمَّحَ بِذَلِكَ إِلَى طَرِيقَةِ الرَّهْبَانِيَّةِ فَإِنَّهُمُ الَّذِينَ ابْتَدَعُوا التَّشْدِيدَ كَمَا وَصَفَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى، وَقَدْ عَابَهُمْ بِأَنَّهُمْ مَا وَفُّوا بِمَا الْتَزَمُوهُ اهـ.
قُلْتُ: مَا هُوَ تَلْمِيحٌ بَلْ هُوَ تَصْرِيحٌ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيُّ فِي الْمَعَالِمِ " فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ [المائدة: ٨٧] . قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ: ذَكَرَ النَّبِيُّ ﷺ يَوْمًا وَوَصَفَ الْقِيَامَةَ فَرَقَّ لَهُ النَّاسُ وَبَكَوْا، فَاجْتَمَعَ عَشَرَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي بَيْتِ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ الْجُمَحِيِّ وَهُمْ: أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، وَأَبُو ذَرٍّ الْغِفَارِيُّ، وَسَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَالْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ، وَسَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ، وَمَعْقِلُ بْنُ مُقَرِّنٍ، وَتَشَاوَرُوا وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنْ يَتَرَهَّبُوا وَيَلْبَسُوا الْمُسُوحَ جَمْعُ الْمُسْحِ وَهُوَ الصُّوفُ، وَيَجُبُوا مَذَاكِيرَهُمْ، أَيْ: يَقْطَعُوهَا، وَيَصُومُوا الدَّهْرَ،

1 / 228