مرقاة المفاتيح شرح مشکاة المصابیح
مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح
خپرندوی
دار الفكر
د ایډیشن شمېره
الأولى
د چاپ کال
١٤٢٢هـ - ٢٠٠٢م
د خپرونکي ځای
بيروت - لبنان
ابْنَةٌ لِي، فَلَمَّا أَجَابَتْ، وَكَانَتْ مَسْرُورَةً بِدُعَائِي إِذَا دَعَوْتُهَا يَوْمًا فَاتَّبَعَتْنِي فَمَرَرْتُ حَتَّى أَتَيْنَا بِئْرًا مِنْ أَهْلِي غَيْرَ بَعِيدٍ، فَأَخَذَتُ بِيَدِهَا فَرَدَّيْتُ بِهَا فِي الْبِئْرِ، وَكَانَ آخِرُ عَهْدِي بِهَا أَنْ تَقُولَ: يَا أَبَتَاهُ يَا أَبَتَاهُ، فَبَكَى ﵊ حَتَّى وَكَفَ دَمْعُ عَيْنَيْهِ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ جُلَسَاءِ النَّبِيِّ ﷺ: أَحْزَنْتَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ. فَقَالَ لَهُ: " كُفَّ فَإِنَّهُ يَسْأَلُ عَمَّا أَهَمَّهُ ". ثُمَّ قَالَ لَهُ: أَعِدْ عَلَيَّ حَدِيثَكَ فَأَعَادَ فَبَكَى حَتَّى وَكَفَ الدَّمْعُ مِنْ عَيْنَيْهِ عَلَى لِحْيَتِهِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: " إِنَّ اللَّهَ قَدْ وَضَعَ عَنِ الْجَاهِلِيَّةِ مَا عَمِلُوا فَاسْتَأْنِفْ عَمَلَكَ» . قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: فَظَاهِرُ قَوْلِهِ مَا عَمِلُوا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِمْ أَهْلُ الْفَتْرَةِ، قُلْتُ: لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ وَضَعَ عَنْهُمْ مَا عَمِلُوا إِذَا أَسْلَمُوا، وَلِذَا قَالَ تَسْلِيَةً لَهُ: فَاسْتَأْنِفْ عَمَلَكَ، فَهُوَ كَحَدِيثِ: " «الْإِسْلَامُ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ» ". وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ﴾ [المائدة: ٩٥]: رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَسَكَتَ عَلَيْهِ هُوَ، وَالْمُنْذِرِيُّ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ الزُّهْرِيِّ غَيْرُ أَبِي مُعَاذٍ، وَهُوَ نَاسِي الْحَدِيثِ؛ لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ، كَذَا نَقَلَهُ مِيرَكُ شَاهْ ﵀.
الْفَصْلُ الثَّالِثُ
١١٣ - عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ ﵁ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: («إِنَّ اللَّهَ ﷿ فَرَغَ إِلَى كُلِّ عَبْدٍ مِنْ خَلْقِهِ مِنْ خَمْسٍ: مِنْ أَجَلِهِ، وَعَمَلِهِ، وَمَضْجَعِهِ، وَأَثَرِهِ، وَرِزْقِهِ») رَوَاهُ أَحْمَدُ.
ــ
الْفَصْلُ الثَّالِثُ
١١٣ - (عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ) ﵁، هُوَ عُوَيْمِرُ بْنُ عَامِرٍ الْأَنْصَارِيُّ الْخَزْرَجِيُّ، اشْتَهَرَ بِكُنْيَتِهِ، وَالدَّرْدَاءُ ابْنَتُهُ، تَأَخَّرَ إِسْلَامُهُ قَلِيلًا فَكَانَ آخِرَ أَهْلِ دَارِهِ إِسْلَامًا، وَحَسُنَ إِسْلَامُهُ، وَكَانَ فَقِيهًا عَالِمًا حَكِيمًا، سَكَنَ الشَّامَ، وَمَاتَ بِدِمَشْقَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ.
(قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: («إِنَّ اللَّهَ ﷿ فَرَغَ إِلَى كُلِّ عَبْدٍ»): فَرَغَ: يُسْتَعْمَلُ بِاللَّامِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ﴾ [الرحمن: ٣١] وَاسْتِعْمَالُهُ بِإِلَى هُنَا لِتَضْمِينِ مَعْنَى الِانْتِهَاءِ، أَوْ يَكُونُ حَالًا بِتَقْدِيرِ مُنْتَهِيًا، وَالْمَعْنَى انْتَهَى تَقْدِيرُهُ فِي الْأَزَلِ مِنْ تِلْكَ الْأُمُورِ الْخَمْسَةِ إِلَى تَدْبِيرِ هَذَا الْعَبْدِ بِإِبْدَائِهَا كَمَا سَبَقَ مِنْ قَوْلِهِ: شُئُونٌ يُبْدِيهَا لَا يَبْتَدِئُ بِهَا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إِلَى بِمَعْنَى اللَّامِ، يُقَالُ: هَدَاهُ إِلَى كَذَا، وَلِكَذَا، وَقَوْلُهُ (مِنْ خَلْقِهِ): صِلَةُ فَرَغَ؛ أَيْ: مِنْ خِلْقَتِهِ، وَمَا يَخْتَصُّ بِهِ، وَمَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ مِنَ الْأَجَلِ وَالْعَمَلِ وَغَيْرِهِمَا، وَقَوْلُهُ (مِنْ خَمْسٍ): عَطَفٌ عَلَيْهِ، وَلَعَلَّ سُقُوطَ الْوَاوِ مِنَ الْكَاتِبِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ بَدَلٌ مِنْهُ بِإِعَادَةِ الْجَارِّ، وَالْوَجْهُ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى أَنَّ الْخَلْقَ بِمَعْنَى الْمَخْلُوقُ، وَمِنْ: فِيهِ بَيَانِيَّةٌ أَوْ تَبْعِيضِيَّةٌ، وَمِنْ فِي خَمْسٍ مُتَعَلِّقٌ بِفَرَغَ؛ أَيْ: فَرَغَ إِلَى كُلِّ عَبْدٍ كَائِنٍ مِنْ مَخْلُوقِهِ مِنْ خَمْسٍ (مِنْ أَجَلِهِ): بِفَتْحَتَيْنِ، مِنْ: بَيَانِيَّةٌ لِلْخَمْسِ، أَوْ بَدَلٌ بِإِعَادَةِ الْجَارِّ، وَالْمُرَادُ بِالْأَجَلِ مُدَّةُ عُمُرِهِ، (وَعَمَلِهِ): خَيْرِهِ، وَشَرِّهِ، (وَمَضْجَعِهِ): بِفَتْحِ الْجِيمِ؛ أَيْ: سُكُونِهِ، وَقَرَارِهِ، (وَأَثَرِهِ): بِحَرَكَتَيْنِ؛ أَيْ: حَرَكَتِهِ، وَاضْطِرَارِهِ، (وَرِزْقِهِ): حَلَالِهِ، وَحَرَامِهِ، وَكَثِيرِهِ، وَقَلِيلِهِ، وَقِيلَ الْمُرَادُ بِأَثَرِهِ: مَشْيُهُ فِي الْأَرْضِ. قَالَ السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ: وَجَمَعَ بَيْنَ مَضْجَعِهِ، وَأَثَرِهِ، وَأَرَادَ سُكُونَهُ وَحَرَكَتَهُ لِيَشْمَلَ جَمِيعَ أَحْوَالِهِ مِنَ الْحَرَكَاتِ، وَالسَّكَنَاتِ، وَقَالَ نَجْلُهُ السَّعِيدُ: الْأَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ مِنْ مَضْجَعِهِ مَحَلُّ قَبْرِهِ، وَأَنَّهُ بِأَيِّ أَرْضٍ يَمُوتُ، وَمِنْ أَثَرِهِ مَا يَحْصُلُ لَهُ مِنَ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ، وَأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَوِ النَّارِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (رَوَاهُ أَحْمَدُ) .
1 / 187