145

مرقاة المفاتيح شرح مشکاة المصابیح

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح

خپرندوی

دار الفكر

د ایډیشن شمېره

الأولى

د چاپ کال

١٤٢٢هـ - ٢٠٠٢م

د خپرونکي ځای

بيروت - لبنان

الْخَطَرَاتُ الشَّيْطَانِيَّةُ، (حَتَّى تَنْصَرِفَ) أَيْ: تَفْرُغَ مِنَ الصَّلَاةِ (وَأَنْتَ تَقُولُ): لِلشَّيْطَانِ صَدَقْتَ (مَا أَتْمَمْتُ صَلَاتِي): لَكِنْ مَا أَقْبَلُ قَوْلَكَ، وَلَا أُتِمُّهَا إِرْغَامًا لَكَ، وَنَقْضًا لِمَا أَرَدْتَهُ مِنِّي، وَهَذَا أَصْلٌ عَظِيمٌ لِدَفْعِ الْوَسَاوِسِ، وَقَمْعِ هَوَاجِسِ الشَّيْطَانِ فِي سَائِرِ الطَّاعَاتِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْخَلَاصَ مِنَ الشَّيْطَانِ إِنَّمَا هُوَ بِعَوْنِ الرَّحْمَنِ، وَالِاعْتِصَامِ بِظَوَاهِرِ الشَّرِيعَةِ، وَعَدَمِ الِالْتِفَاتِ إِلَى الْخَطَرَاتِ، وَالْوَسَاوِسِ الذَّمِيمَةِ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ (رَوَاهُ مَالِكٌ) .
[بَابُ الْإِيمَانِ بِالْقَدَرِ]
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
٧٩ - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ﵄ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ («كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) قَالَ: ﴿وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ﴾ [هود: ٧]») رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ــ
[٣] بَابُ الْإِيمَانِ بِالْقَدَرِ
هَذَا نَوْعُ تَخْصِيصٍ بَعْدَ تَعْمِيمٍ، أَوْ ذِكْرُ جُزْئِيٍّ بَعْدَ الْكُلِّيِّ اهْتِمَامًا بِهِ، وَاعْتِنَاءً بِاتِّصَافِهِ لِمَا وَقَعَ فِيهِ مِنَ الِاخْتِلَافِ النَّاشِئِ عَنِ التَّحَيُّرِ فِي هَذَا الْأَمْرِ الَّذِي هُوَ عَظِيمُ الشَّأْنِ بَيْنَ أَهْلِ الْإِيمَانِ، وَالْقَدَرُ: بِالْفَتْحِ، وَتُسَكَّنُ مَا يُقَدِّرُهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الْقَضَايَا. قَالَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: الْإِيمَانُ بِالْقَدَرِ فَرْضٌ لَازِمٌ، وَهُوَ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَالِقُ أَعْمَالِ الْعِبَادِ خَيْرِهَا، وَشَرِّهَا، وَكَتَبَهَا فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ قَبْلَ أَنْ خَلَقَهُمْ، وَالْكُلُّ بِقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ، وَإِرَادَتِهِ، وَمَشِيئَتِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ يَرْضَى الْإِيمَانَ وَالطَّاعَةَ، وَوَعَدَ عَلَيْهِمَا الثَّوَابَ، وَلَا يَرْضَى الْكُفْرَ وَالْمَعْصِيَةَ وَأَوْعَدَ عَلَيْهِمَا الْعِقَابَ. وَالْقَدَرُ: سِرٌّ مِنْ أَسْرَارِ اللَّهِ تَعَالَى لَمْ يُطْلِعْ عَلَيْهَا مَلَكًا مُقَرَّبًا، وَلَا نَبِيًّا مُرْسَلًا، وَلَا يَجُوزُ الْخَوْضُ فِيهِ، وَالْبَحْثُ عَنْهُ بِطَرِيقِ الْعَقْلِ، بَلْ يَجِبُ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الْخَلْقَ فَجَعَلَهُمْ فِرْقَتَيْنِ: فِرْقَةً خَلَقَهُمْ لِلنَّعِيمِ فَضْلًا، وَفِرْقَةً لِلْجَحِيمِ عَدْلًا، وَسَأَلَ رَجُلٌ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ ﵁ فَقَالَ: أَخْبِرْنِي عَنِ الْقَدَرِ؟ قَالَ: طَرِيقٌ مُظْلِمٌ لَا تَسْلُكْهُ، وَأَعَادَ السُّؤَالَ فَقَالَ: بَحْرٌ عَمِيقٌ لَا تَلِجْهُ، فَأَعَادَ السُّؤَالَ فَقَالَ: سِرُّ اللَّهِ قَدْ خَفِيَ عَلَيْكَ فَلَا تَفْتِشْهُ، وَلِلَّهِ دَرُّ مَنْ قَالَ:
تَبَارَكَ مَنْ أَجْرَى الْأُمُورَ بِحُكْمِهِ ... كَمَا شَاءَ لَا ظُلْمًا أَرَادَ، وَلَا هَضْمًا
فَمَا لَكَ شَيْءٌ غَيْرُ مَا اللَّهُ شَاءَهُ ... فَإِنْ شِئْتَ طِبْ نَفْسًا وَإِنْ شِئْتَ مُتْ كَظْمًا
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
٧٩ - (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو): ﵄ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ): جَمْعُ مِقْدَارٍ، وَهُوَ الشَّيْءُ الَّذِي يُعْرَفُ بِهِ قَدْرُ الشَّيْءِ، وَكَمِّيَّتُهُ كَالْمِكْيَالِ، وَالْمِيزَانِ، وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الْقَدَرِ نَفْسِهِ، وَهُوَ الْكَمِّيَّةُ، وَالْكَيْفِيَّةُ (قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ، وَالْأَرْضَ): وَمَعْنَى كَتَبَ اللَّهُ؛ أَجْرَى اللَّهُ الْقَلَمَ عَلَى اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ بِإِيجَادِ مَا بَيْنَهُمَا مِنَ التَّعَلُّقِ، وَأَثْبَتَ فِيهِ مَقَادِيرَ الْخَلْقِ مَا كَانَ، وَمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى الْأَبَدِ عَلَى وَفْقِ مَا تَعَلَّقَتْ بِهِ إِرَادَتُهُ أَزَلًا كَإِثْبَاتِ الْكَاتِبِ مَا فِي ذِهْنِهِ بِقَلَمِهِ عَلَى لَوْحِهِ، وَقِيلَ: أَمَرَ اللَّهُ الْقَلَمَ أَنْ يُثْبِتَ فِي اللَّوْحِ مَا سَيُوجَدُ مِنَ الْخَلَائِقِ ذَاتًا وَصِفَةً، وَفِعْلًا، وَخَيْرًا، وَشَرًّا عَلَى مَا تَعَلَّقَتْ بِهِ إِرَادَتُهُ، وَحِكْمَةُ ذَلِكَ إِطْلَاعُ الْمَلَائِكَةِ عَلَى مَا سَيَقَعُ لِيَزْدَادُوا بِوُقُوعِهِ إِيمَانًا، وَتَصْدِيقًا، وَيَعْلَمُوا مَنْ يَسْتَحِقُّ الْمَدْحَ وَالذَّمَّ فَيَعْرِفُوا لِكُلٍّ مَرْتَبَتَهُ، أَوْ قَدَّرَ وَعَيَّنَ مَقَادِيرَهُمْ تَعْيِينًا بَتًّا لَا يَتَأَتَّى خِلَافُهُ بِالنِّسْبَةِ لِمَا فِي عِلْمِهِ الْقَدِيمِ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ بِأُمِّ الْكِتَابِ، أَوْ مُعَلَّقًا كَأَنْ يَكْتُبَ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ فُلَانٌ يَعِيشُ عِشْرِينَ سَنَةً إِنْ حَجَّ، وَخَمْسَةَ عَشَرَ إِنْ لَمْ يَحُجَّ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَقْبَلُ الْمَحْوَ وَالْإِثْبَاتَ الْمَذْكُورَيْنِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾ [الرعد: ٣٩] أَيِ: الَّتِي لَا مَحْوَ فِيهَا، وَلَا إِثْبَاتَ فَلَا يَقَعُ فِيهِمَا إِلَّا مَا يُوَافِقُ مَا أَبْرَمَ

1 / 147