111

مرقاة المفاتيح شرح مشکاة المصابیح

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح

خپرندوی

دار الفكر

د ایډیشن شمېره

الأولى

د چاپ کال

١٤٢٢هـ - ٢٠٠٢م

د خپرونکي ځای

بيروت - لبنان

وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ ﵊ لِكَوْنِهِ رَحْمَةً لِلْعَالِمِينَ، وَرَحِيمًا بِالْمُؤْمِنِينَ، وَمَظْهَرًا لِلْجَمَالِ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ، وَطَبِيبًا لِأُمَّتِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ لَمَّا بَلَغَهُ خَوْفَهُمْ وَفَزَعَهُمْ وَاضْطِرَابَهُمْ أَرَادَ مُعَالَجَتَهُمْ بِإِشَارَةِ الْبِشَارَةِ؛ لِإِزَالَةِ الْخَوْفِ وَالنِّذَارَةِ، فَإِنَّ الْمُعَالَجَةَ بِالْأَضْدَادِ، وَلَمَّا كَانَ عُمَرُ مَظْهَرًا لِلْجَلَالِ، وَعَلِمَ أَنَّ الْغَالِبَ عَلَى الْخَلْقِ التَّكَاسُلُ وَالِاتِّكَالُ، فَرَأَى أَنَّ الْأَصْلَحَ لِأَكْثَرِ الْخَلْقِ الْمَعْجُونُ الْمُرَكَّبُ، بَلْ غَلَبَةُ الْخَوْفِ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِمْ أَنْسَبُ فَوَافَقَهُ ﷺ وَهَذِهِ مَرْتَبَةٌ عَلِيَّةٌ وَمَزِيَّةٌ جَلِيَّةٌ لِعُمْرَ ﵁. وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: وَكَانَ وَجْهُ اسْتِبَاحَةِ عُمَرَ لِذَلِكَ أَنَّهُ لِأَبِي هُرَيْرَةَ بِمَنْزِلَةِ الشَّيْخِ وَالْمُعَلِّمِ، وَلِلشَّيْخِ وَالْمُعَلِّمِ أَنْ يُؤَدِّبَ الْمُتَعَلَّمَ بِمِثْلِ ذَلِكَ إِذَا رَأَى مِنْهُ خِلَافَ الْأَدَبِ، وَهُوَ هُنَا الْمُبَادَرَةُ إِلَى إِشَاعَةِ هَذَا الْخَبَرِ قَبْلَ تَفَهُّمِ الْمُرَادِ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ مَعَ إِشْكَالِهِ، وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنِ اتِّكَالِ النَّاسِ وَإِعْرَاضِهِمْ عَنِ الْأَعْمَالِ، وَكَانَ حَقُّهُ إِذَا أُمِرَ بِتَبْلِيغِهِ أَنْ يَتَفَهَّمَ الْمُرَادَ بِهِ لِيُورِدَهُ فِي مَوَارِدِهِ دُونَ غَيْرِهَا، فَاقْتَضَى اجْتِهَادُ عُمَرَ أَنَّ إِخْلَالَهُ بِذَلِكَ مُقْتَضٍ لِتَأْدِيبِهِ، فَأَدَّبَهُ بِذَلِكَ. فَتَطْوِيلٌ لَا طَائِلَ تَحْتَهُ، فَإِنَّهُ مَعَ تَسْلِيمِ مَا ذَكَرَ كُلَّهُ لَا يُعْقَلُ ضَرْبُهُ ابْتِدَاءً مِنَ الشَّيْخِ الْحَقِيقِيِّ فَضْلًا عَنْ غَيْرِهِ، ثُمَّ قَوْلُهُ أَيْضًا: وَيُحْتَمَلُ أَنَّ عُمَرَ اسْتَبْعَدَ صُدُورَ هَذَا الْعُمُومِ مِنْهُ ﵊ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ الْآتِي: أَبَعَثْتَ إِلَخْ. وَنَسَبَهُ إِلَى تَصَرُّفِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَدَّبَهُ لِذَلِكَ - مُسْتَبْعَدٌ غَايَةَ الْبُعْدِ؛ فَإِنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى سُوءِ الظَّنِّ، وَعَدَمِ قَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ فِي الدِّيَانَاتِ، وَمَعَ هَذَا كَيْفَ يُتَصَوَّرُ ضَرْبُهُ عَلَى ذَلِكَ؟ ثُمَّ مِنَ الْغَرِيبِ أَنَّهُ فَرَّعَ عَلَيْهِ أَيْضًا بِأَنَّ لِلْأَفَاضِلِ مِنَ الْأَتْبَاعِ تَأْدِيبُ مَنْ دُونَهُمْ إِذَا كَانُوا لَهُمْ بِمَنْزِلَةِ التَّلَامِذَةِ، وَأَنَّ لِلشَّيْخِ أَنْ يُؤَدِّبَ تِلْمِيذَهُ وَلَوْ بِالضَّرْبِ، وَنَقَلَ جَوَازَ ذَلِكَ عَنْ بَعْضِ أَئِمَّتِهِ اهـ. وَلَا رَيْبَ أَنَّ الضَّرْبَ عَلَى عَدَمِ فَهْمِ الْمُرَادِ أَوْ عَلَى سُوءِ الظَّنِّ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرَجَعْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَأَجْهَشْتُ بِالْبُكَاءِ) وَالْبَاءُ لِلْمُصَاحَبَةِ، وَالْبُكَاءُ إِمَّا لِشِدَّةِ الْإِيلَامِ أَوْ لِقِلَّةِ الِاحْتِرَامِ. وَيُرْوَى " جَهِشْتُ " بِكَسْرِ الْهَاءِ وَغَيْرِ هَمْزٍ، وَهُمَا صَحِيحَانِ، وَكَلَاهُمَا بِصِيغَةِ الْفَاعِلِ، وَالْجَهْشُ كَالْإِجْهَاشِ أَنْ يَفْزَعَ الْإِنْسَانُ إِلَى إِنْسَانٍ وَيَلْجَأَ إِلَيْهِ، وَمَعَ ذَلِكَ يُرِيدُ الْبُكَاءَ كَمَا يَفْزَعُ الصَّبِيُّ إِلَى أُمِّهِ (وَرَكِبَنِي عُمَرُ) أَيْ أَثْقَلَنِي عَدْوُ عُمَرَ مِنْ بَعِيدٍ خَوْفًا وَاسْتِشْعَارًا مِنْهُ كَمَا يُقَالُ: رَكِبَتْهُ الدُّيُونُ أَيْ أَثْقَلَتْهُ يَعْنِي تَبِعَنِي عُمَرُ (وَإِذَا هُوَ) أَيْ عُمَرُ، وَإِذَا لِلْمُفَاجَأَةِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِالْفَاءِ، بَيَانٌ لِوُصُولِهِ إِلَيْهِ أَيْ فَنَظَرْتُ فَإِذَا هُوَ (عَلَى أَثَرِي): فِيهِ لُغَتَانِ فَصِيحَتَانِ فَتْحُهُمَا وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَكَسْرُ الْهَمْزَةِ، وَسُكُونُ الثَّاءِ أَيْ عَقِبِي (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (مَا لَكَ رَجَعْتَ) وَأَيُّ شَيْءٍ رَجَعَ بِكَ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ الْمُنْكَرَةِ؟ (يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ . قُلْتُ): وَفِي نُسْخَةٍ: فَقُلْتُ (لَقِيتُ عُمَرَ فَأُخْبِرْتُهُ بِالَّذِي بَعَثَتْنِي بِهِ فَضَرَبَ بَيْنَ ثَدْيَيَّ ضَرْبَةً خَرَرْتُ لِاسْتِي فَقَالَ) أَيْ عُمَرُ (ارْجِعْ، قَالَ): وَفِي نُسْخَةٍ: فَقَالَ، بِالْفَاءِ (رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (يَا عُمَرُ مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا فَعَلْتَ؟) أَيْ مِنَ الْأَمْرِ بِالرُّجُوعِ، وَالْمَنْعِ مِنَ التَّبْلِيغِ (قَالَ) وَفِي نُسْخَةٍ: فَقَالَ (يَا رَسُولَ اللَّهِ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي) الْبَاءُ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ قِيلَ: هُوَ اسْمٌ تَقْدِيرُهُ أَنْتَ مُفْدًى بِأَبِي، وَقِيلَ فِعْلٌ، أَيْ فَدَيْتُكَ بِأَبِي، وَحُذِفَ هَذَا الْمُقَدَّرُ تَخْفِيفًا؛ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَعِلْمِ الْمُخَاطَبِ بِهِ (أَبَعَثْتَ أَبَا هُرَيْرَةَ بِنَعْلَيْكَ؟) وَالِاسْتِفْهَامُ لِلتَّقْرِيرِ وَالتَّحْقِيقِ (مَنْ لَقِيَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُسْتَيْقِنًا بِهَا قَلْبُهُ بَشَّرَهُ) بِصِيغَةِ الْمَاضِي أَيْ مَنْ لَقِيَهُ بَشَّرَهُ (بِالْجَنَّةِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ) أَيْ عُمَرُ (فَلَا تَفْعَلْ فَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَتَّكِلَ النَّاسُ عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى هَذِهِ الْبِشَارَةِ الْإِجْمَالِيَّةِ، وَيَعْتَمِدُ الْعَامَّةُ عَلَى هَذِهِ الرَّحْمَةِ الْجَمَالِيَّةِ، وَيَتْرُكُوا الْقِيَامَ بِوَظَائِفَ الْعُبُودِيَّةِ الَّتِي تَقْتَضِي الصِّفَاتِ الرُّبُوبِيَّةِ، وَحِينَئِذٍ يَنْخَرِمُ نِظَامُ الدُّنْيَا وَالْعُقْبَى حَيْثُ أَكْثَرُهُمْ يَقَعُونَ فِي الْمِلَّةِ الْإِبَاحِيَّةِ كَمَا

1 / 113