176

مرآة الجنان وعبرة الیقظان

مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة ما يعتبر¶ من حوادث الزمان

خپرندوی

دار الكتب العلمية

د ایډیشن شمېره

الأولى

د چاپ کال

١٤١٧ هـ - ١٩٩٧ م

د خپرونکي ځای

بيروت - لبنان

ژانرونه

تاريخ
تصوف
الطبقات كان جامعًا عالمًا رفيعًا فقيهًا حجة مأمونًا عابدًا ناسكًا كثير العلم فصيحًا جميلًا وسيمًا، رحمة الله عليه. وقال غيره: كان من سادات التابعين وكبرائهم، وجمع من كل من علم وزهد وورع وعبادة، وأبوه مولى زيد بن ثابت الأنصاري، وأمه مولاة أم سلمة، زوج النبي ﵌، وربما غابت أمه في حاجة، فيبكي، فتعطيه أم سلمة ثديها تعلله به إلى أن تجيء أمه، فتدر عليه فيروى، ان تلك الحكمة والفصاحة من بركة ذلك. قال أبو عمرو بن العلاء: ما رأيت أفصح من الحسن البصري ومن الحجاج بن يوسف الثقفي. فقيل له: فأيهما كان أفصح؟ قال: الحسن. وكان من أجمل أهل البصرة، ولما ولي عمرو بن هبيرة الفزاري العراق، وأضيفت إليه خراسان في أيام يزيد بن عبد الملك، استدعى الحسن البصري ومحمد بن سيرين والشعبي، وذلك في سنة ثلاث ومائة، فقال لهم: ان يزيد خليفة الله استخلفه على عباده، وأخذ عليه الميثاق بطاعته، وأخذ عهودنا بالسمع والطاعة، وقد ولاني ما ترون، فيكتب إلي بالأمر من أموره فأقلده ما يقلده من ذلك الأمر، فقال ابن سيرين والشعبي: قولًا فيه تقية. فقال ابن هبيرة: ما تقول يا حسن؟ فقال: يا ابن هبيرة خف الله في يزيد، ولا تخف يزيد في الله، فإن الله يمنعك من يزيد، ولا يمنعك يزيد من الله، ويوشك أن يبعث إليك ملكًا فيزيلك عن سريرك، ويخرجك من سعة قصر إلى مضيق قبر، ثم لا ينجيك إلا عملك. يا ابن هبيرة، اياك أن تعصي الله، فإنما جعل الله هذا السلطان ناصر الدين الله وعباده، فلا تتركن دين الله وعباده بهذا السلطان، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فأجازهم ابن هبيرة، وأضعف جائزة الحسن، فقال محمد بن سيرين والشعبي: سفسفنا فسفسف لنا. قلت: السفاف الردي من العطية. وروي أنه كتب عمربن عبد العزيز إلى الحسن ﵄ يقول له: اني قد ابتليت بهذا الأمر، فانظر لي أعوانًا يعينوني عليه، فكتب إليه الحسن كتابًا يقول في أثنائه: اما أبناء الدنيا فلا تريدهم، وأما أبناء الآخرة فلا يريدونك، فاستعن بالله والسلام. ورأى الحسن يومًا رجلًا وسيمًا حسن الهيئة، فسأل عنه، فقيل: انه يتمسخر للملوك ويحبونه، فقال: لله أبوه أو قال: لله دره ما رأيت أحدًا يطلب الدنيا بما يشبهها إلا هذا، قلت يعني أن الدنيا رذيلة، فأخذها بالرذائل أنسب من أخذها بالفضائل، وكان أكثر كلامه حكمًا وبلاغة. ولما حضرته الوفاة أغمي عليه قبل موته، ثم أفاق فقال: لقد نبهتموني من جنات وعيون ومقام كريم، وقال رجل كريم قبل موته لابن سيرين: رأيت كأن طائرًا أخذ حصاة بالمسجد، فقال: ان صدقت رؤياك مات الحسن، فلم يكن إلا قليلًا حتى مات الحسن، فتبع الناس جنازته، فلم تقم صلاة العصر بالجامع، وما علم أنها تركت فيه مذ كان الإسلام

1 / 182