مقدّمة الحمد لله القوي القاهر والصّلاة والسلام على النبي الطاهر وعلى آله وأصحابه وبعد: فهذا هو الكتاب الثالث من سلسلة التراث الإصلاحي في العقيدة والشريعة وقد سبقه الجزءان: مصباح الظّلام، والقول الفصل النفيس. وموضوع كتاب منهج التأسيس والتقديس كشف شبهات داوود بن جرجس في كتابه صلح الإخوان نقل فيه خمسين موضعًا من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وغيرهما يزعم أنها تشهد له على استحباب دعاء الصالحين والاستنجاد بهم كما دافع المؤلف عن الشيخين ابن تيمية وابن القيم مما افتراه ابن جرجيس في تزوير كلامهما وحمله محمل التضليل والالتباس ليأخذ منه حجّة على الابتداع وتشريع ما لم يأذن الله بتشريعه ولداوود البغدادي يد في الإفساد والتضليل حينما استوطن نجدًا وقد التف حوله من يأخذ عنه فكان رائد تضليل فيما يكتبه ويلقيه فلهذا قام العلامة المجدد الشيخ عبد الرحمن بن حسن بالرّد والردع في كتابه القول الفصل النفيس كما قام العلامة الشيخ عبد الله أبا بطين بالدور نفسه الذي قام به الشيخ عبد الرحمن في رد شبهات المفتري داوود وكتاب منهاج التأسيس والتقديس كالطابع لما سبق إلا أن المنية عاجلت الشيخ عبد اللطيف فلم يكمله وقد مضى في رده وردعه غالب الشبهات التي تضمنها كتاب صلح الأخوان. لهذا قام العلامة العراقي السيد محمود شكري الألوسي بإكمال الرد تتمة للفائدة وسماه فتح المنان في السرد على صلح الإخوان تتمة لمنهاج التأسيس، طبع الكتابان معا في مطبعة أنصار السنة المحمدية في مصر

1 / 5

عام ١٣٦٦هـ بمراجعة وتصحيح الشيخ محمد حامد الفقي على نفقة الأمير سعود بن عبد العزيز ولي العهد في وقته ولمضي زمن طويل على تلك الطبعة، ولما تدعو الحاجة إليه في دحض الشبهات فقد رأيت لزامًا إحياء هذا التراث ونشره وإعلانه سيما والحاجة تدعو إلى مثله وقد رفع دعاة الضلال راياتهم المنكسة وأعلنوها صيحة لإحياء ما كان عليه سلف المبتدعين وأهل التضليل والتخريف. ونقول لهم قول الله تعالى ﴿وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا﴾ [لأعراف: من الآية٥٦] فقد أصلح الله هذه الجزيرة وطمس معالم الوثنية والخرافة والابتداع حاملا راية التوحيد الإمامان محمد بن سعود ومحمد بن عبد الوهاب منذ القرن الثاني عشر. والحمد لله أولًا وآخرًا وظاهرًا وباطنًا وحسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلاّ بالله نعم المولى ونعم النصير، وصلّى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. إسماعيل بن سعد بن عتيق الرياض ١٣/١/١٤٠٨هـ

1 / 6

بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين وعليه نتوكل ونعتمد، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم. الحمد لله الذي بعث في الأميين رسولًا منهم يتلو عليه آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين. ويسر لهم من معالم الدين ومواهب اليقين ما فضلهم به واصطفاهم على العالمين. وفتح لهم من حقائق المعارف ومعارف الحقائق ما امتازوا به على من قبلهم من سائر الأمم الماضين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وخليله الصادق الأمين. صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين وسلّم تسليمًا كثيرًا. أما بعد: فإنّ الله قد بعث محمّدًا ﷺ بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون. وكان الناس قبل مبعثه على أديان متفرقة ونحل متباينة، وطرائق مختلفة، وضلال مستبين، كما في صحيح مسلم من حديث عياض بن حمار عن النّبيّ ﷺ: "إنّ الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم، إلاّ بقايا من أهل الكتاب" فقام ﷺ بأعباء النبوة والرسالة، وصدع بالإنكار على كافة أهل الجهالة والضلال، ودعا الناس إلى معرفة الله وتوحيده، وأمرهم بإخلاص الدين لله وتجريده. ولم يزل ﷺ إلى الله داعيًا وإلى سبيله هاديًا، حتى أظهره الله على سائر فرق المشركين الأميين منهم

1 / 7

والكتابيين، واستعلن الدين واستنار، وقهر الإسلام كل مشرك جبار فأكمل الله للأمة الدين، وأتمّ النعمة بما جاء به رسوله الأمين؛ فدخل الناس في دين الله أفواجًا، وأشرقت الأرض بنور النبوة واهتزت طربًا وابتهاجًا، ومحا الله آثار الأصنام والأوثان، وخمدت معابد الصلبان والنيران، ورفعت أعلام السنة والقرآن حتى تركهم ﷺ على البيضاء ليلها كنهارها لا يضل سالكها، ولا تلتبس عليه مناهجها ومسالكها. ولم يزل خلفاؤه الراشدون ومن بعدهم من أهل تلك الأعصار الفاضلة والقرون، على هذا المنهج المنير متفقون، وبعروته مستمسكون، فاستمر الأمر على ذلك، ومضى الصّالحون على تلك المناهج الواضحة والمسالك؛ ثم نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية، ولم يميز بين شعب الشرك والأصول الإسلامية، فانتقضت من الدين عراه، وعزّ خلاصه وعظمت بالجهل محنته وبلواه، وآلت الرياسة إلى الجهال والأغمار، وجاءت دولة غربة الدين واشتد الإدبار، فوقع الشرك بالصّالحين وغيرهم صرفا لم يشب؛ هرم عليه الكبير ونشأ الصغير وشبَّ، واستحكم الأمر استحكاما لا مزيد عليه. حتى جزم الأكثر بكفر من أنكر ذلك وأشير به إليه. وهذا من أعلام نبوة نبينا المصطفى زاده الله صلاة وسلامًا وشرفًا، فقد روى الشيخان وغيرهما من حديث أبي سعيد الخدري ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: "لتتبعن سنن الذين من قبلكم شبرًا بشبر وذراعًا بذراع، حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه. قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟ ". وجاء نحوه عن ابن عباس ﵄ وفيه زيادة: "وباعًا بباع" وفيه: "حتى لو أن أحدهم دخل جحر ضب لدخلتموه، وحتى لو أن أحدهم جامع أمه في الطريق لفعلتموه" وفي الباب عن أبي هريرة وشداد بن أوس وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ﵃. فصار الأمر طبق ما أخبر به هذه الأمة نبيها، وظهر وجه الشبه بينهم وبينها، وانتهى الحال إلى أن قبل بالاتحاد والحلول، وكثرت في ذلك إشارات القوم والنقول، وصار هو مذهب الخاصة والخلاصة عند الأكثرين. ومن أنكره فهو عندهم ليس على شيء من العلم والدين.

1 / 8

وعبدت الكواكب والنجوم. وصنف في ذلك مثل أبي معشر وصاحب السر المكتوم (١)، وعظمت القبور، وبنيت عليها المساجد وعبدت تلك الضرائح والمشاهد، وجعلت لها الأعياد الزمانية والمكانية؛ وصرفت لها العبادات المالية والبدنية. ونحرت لها النحائر والقرابين؛ وطاف بها الفوج بعد الفوج من الزائرين والسائلين، وحلقت لأربابها رؤوس الوافدين؛ وهتف بدعائها ورجائها من حضر وغاب من المعتقدين والمحبين. واعتمدوا عليها في المهمات من دون الله رب العالمين وانتهكت بأعيادها وموالدها محظورات الشريعة والمحرمات، واستبيح فيها ما اتفقت على تحريمه جميع الشرائع والنبوات. وكثر المكاء والتصدية بتلك الفجاج والعرصات. وبارزوا بتلك القبائح والعظائم فاطر الأرض والسموات. وصنف في استحبابه بعض شيوخهم كابن المفيد وظنه الأكثر من دين الإسلام والتوحيد وأشير إلى من أنكره بالكفر الشديد، وقد ضمن الله تعالى لهذه الأمة أن لا تجتمع على ضلالة، وأن لا يزال فيها من يعبد الله قائما على أي وصف وحالة. وجاء الحديث عنه ﷺ بأنه تعالى يبعث لهذه الأمة على رأس كل قرن من يجدّد لها أمر الدين، ويقوم من الحجة بالواضح المستبين. فمنهم من قصّ علينا نبؤه ووصل، ومنهم من انقطع عنا خبره وما اتصل. وأحق أهل القرن الثاني عشر عند من خبر الأمور وسبر، ووقف على ما قرره أهل العلم والأثر: من حصول الوصف الكاشف المعتبر شيخ الإسلام والمسلمين المجدد لما اندرس من أصول الملة والدين، السلفي الأول وإن تأخر زمانه عند من عقل وتأمل، الشيخ محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله تعالى وأجزل له الثواب. وكان قيامه ﵀ بعد الخمسين ومائة وألف؛ من سني الهجرة المحمدية. وايتداء التواريخ الإسلامية، فشمر ﵀ عن ساعدي جده واجتهاده، وأعلن بالنصح لله ولكتابه ولرسوله، وسائر عباده، وصبر على ما _________ (١) هو المعروف بالفخر الرازي صاحب التفسير.

1 / 9

اصول - د اسلامي متنونو لپاره څیړنیز اوزار

اصول.اي آی د اوپنITI کورپس څخه زیات له 8,000 اسلامي متونو خدمت کوي. زموږ هدف دا دی چې په اسانۍ سره یې ولولئ، لټون وکړئ، او د کلاسیکي متونو د څیړلو کولو لپاره یې آسانه کړئ. لاندې ګډون وکړئ ترڅو میاشتني تازه معلومات په زموږ د کار په اړه ترلاسه کړئ.

© ۲۰۲۴ اصول.اي آی بنسټ. ټول حقوق خوندي دي.