ويقال لما جاء في الكتاب فريضة، ولما جاء عن النبي (- صلى الله عليه وسلم -) سنة، ولما جاء عن الأئمة في العلم أثر، وأحكام الشريعة كلها مأخوذة من طريق واحد، وأصل واحد، وهو: كتاب رب العالمين.
وقال الله تعالي: " اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم "، وقال: " وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا "، وقال: " فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول "، وقال: " من يطع الرسول فقد أطاع الله " وقال: " وما ينطق عن الهوى (3) إن هو إلا وحي يوحى ".
فوجب اتباع السنة بكتاب الله تعالي، والإجماع أيضا علم بكتاب الله تعالي، وبالسنة التي هي من كتاب الله تعالي، لأن الإجماع توقيف، والتوقيف لا يكون إلا عن الرسول (- صلى الله عليه وسلم -).
والسنة علي ضربين: مجتمع عليها، ومختلف فيها، فالمجتمع عليها وهي التي لا تحتاج إلي البحث عن طلب صحتها، لإشاعتها عند الرواة، وأهل التأويل، وموافقتها لحكم التنزيل.
وأما المختلف فيها: فهي التي لم تبلغ للكل علمها، ويقع التنازع بين الناس في صحتها، فلذلك تجب الأسانيد، والبحث عن صحتها، ثم يقع التنازع في تأويلها، إذا صح نقلها، فإذا اختلفوا في حكمها كان رجوعهم فيها إلي كتاب الله تعالي.
وقيل إذا وقع حدث من محدث. فلم يجمع العلماء علي صوابه وحقه، ولا علي باطله وخطئه، واختلفوا فيه، فحسكم بعضهم بحقه، وحكم بعضهم بباطله- فلم يصح فيه إجماع لأحدهم، لأنه لو أجمع بعضهم علي حقه، وأجمع بعضهم علي باطله- كان الإجماع منهم هو الاختلاف بعينه، لانه لا يكون شيء واحد مجتمع عليه مختلف فيه، وليس لأحدهم أن يحكم فيه بحكم الإجماع عليه، لثبوت الاختلاف فيه، ولا يجوز لأحد أن يحكم بالاختلاف في موضع الإجماع، ولا بالإجماع في موضع الاختلاف.
مخ ۶۱