وقال آخرون: بل ذلك جائز، وليس في الآيتين ناسخ، ولا منسوخ وإنما نسخ الوصية للوارث بسنة النبي (صلي الله عليه وسلم)، وقالوا: فالناسخ لا يكون إلا بما يجوز اجتماعه، والمنسوخ، ولا يجوز الحكم بهما في حال واحدة على لسان واحد، والنظر يوجب عندي - والله أعلم أن الوصية للوالدين، والأقربين غير منسوخة، وقول النبي (صلي الله عليه وسلم): "لا وصية لوراث" ليس بنسخ لها؛ وإنما هو بيان لحكمها، لأن من كان ليس بوارث: فالوصية لهم جائزة [أو] واجبة؛ فهذا يدل على أن النبي (صلي الله عليه وسلم): بين أن الوصية لا تجب لمن كان وارئا واختلفوا في ذلك من وجه آخر، فقال قوم: الناسخ، والمنسوخ قد يكون في وصف الله تعالي، والثناء عليه، وفيما ليس بأمر، ولا نهي من الخير، وغيره، وقد بينا قبل هذا ما نذهب إليه، وتختاره، وهو قول أهل الحق: أن النسخ لا يجوز أن يكون إلا في الأمر، أو النهي.
وزعمت فرقة من ضلال أهل القبلة: أن الأئمة المنصوص عليهم مفوض إليهم نسخ القرآن، وتبديله، وتجاوز بعض هؤلاء حتى أفرطوا وخرجوا من الدين، [فقالوا]: إن النسخ يجوز على سبيل أن يأمر الله بالشيء، ولا يريده في وقت أمره به أن يغيره ثم يبدو له فيغيره بعد ذلك فتعالي الله عن مقالة هؤلاء.
وقال قوم: إن ما نزل بالمدينة ناسخ لما نزل بمكة، وهذا غلط أيضا، لأن النسخ لا يكون إلا في الأمر والنهي.
والحجة على من زعم أن النسخ لا يكون حتى ترفع تلاوته، ما نسخ الله من التوراة بالقرآن وهما متلوان جميعا.
مخ ۲۰۴