فلما كان الأمر يقتضي الفعل، وكان له صيغة تعرف في اللغة التي خوطبنا بها علمنا أن من قال بالتوقف غالط.
والذي يذهب إليه شيوخنا، والأشبه بأصول أئمتنا، أن الأمر؛ إذ ورد بفعل قد خص بوقت؛ فالأمور [به] إيقاعه في أوله، أو أوسطه، أو آخره، وتعجيل الفعل في أول الوقت أفضل؛ وإذا ورد الأمر بفعل غير مخصوص بوقت - فإن تأخيره جائز عندهم إلى أخر أيام الحياة.
والنظر يوجب: أنه ما لم يكن محصورا بوقت، فالواجب تعجيله أول أوقات الإمكان، الدليل على ذلك: أن الأمر إذا ورد مطلقا ولم يفيد بوقت آن وروده - لا يخلو من أن يلزم ذلك على الفور مع القدرة، أو يجوز للمأمور التأخير إلى آخر أيام حياته، أو إلى وسائط بين الفور، وآخر العمر؛ مجهول، والوسائط أيضا مجهولة الأوقات، ولا سبيل إلى علم ذلك إذا كان مجهولا لم يصح تعلق العباد به؛ وما كان آخره مجهولا لا يعرف ووسائطه لا تعرف - لم يلزم فعله، وإذ بطل هذان الوجهان صح أيجابه على الفور، لأن الأمر إذا أمر من يجب له الطاعة عليه، وأزاح عنه العلل، وكان الأمر يريد تعجيل الفعل المأمور به لم يكن للمأمور تأخير الفعل عن أول أوقات الإمكان، ويدل على هذا. قوله الله " وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين ":؛ فأوجب علينا المسارعة إلى الأفعال التي تؤدينا إلى الجنة، والغفران، والله أعلم.
فصل:
وصورة الأمر في اللغة. أن يقول الأمر: افعلوا. مثل قوله تعالي: " أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة "، وقوله: " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين "، " يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم ".
مخ ۱۷۹