وقد كان للنبي (صلي الله عليه وسلم) كتاب يكتبون الوحي لا يدفع ذلك صاحب خبر، ولا حامل أثر. وكان منهم: ابن أبي مسرح، وزيد بن ثابت، ومعاذ ابن جبل، ومعاوية بن أبي سفيان(1). فلو لم يكن القرآن مجموعا مكتوبا، في زمان رسول الله (صلي الله عليه وسلم)، فأي شيء كان يكتب هؤلاء؟، وكيف يجوز على القوم الذين ذكرنا أحوالهم - أن يتركوا جمع القرآن، والوقوف على تأليفه، ومقدمه، ومؤخرة، وهو إنما أنزل عليهم، وفيهم على ما تقدم من شرح ... من ذكرنا.
ومما يدل على حفظهم لما استحفظوا له وفهمهم لما استنكفوا إياه أنهم كانوا علماء لنظم السور، وتأليف الآي، لا يحرفون الكتابة، ولا يقصرون في التأدية، [و] إنما أو ما أنزل [من] القرآن بمكة " اقرأ باسم ربك الذي خلق "، وأول ما أنزل بالمدينة سورة البقرة، وآخر ما أنزل سورة براءة.
فلو كانوا إنما ألفوا السورة على تقدير رأيهم - تقدموا في المصحف المقدم، وأخروا المؤخر، ففي تقديمهم سورة البقرة، وفي تأخيرهم سورة براءة دليل على أنهم اتبعوا، ولم يبتدعوا وحكموا، ولم يتخرصوا.
ولن يخفي على ذي لب: أنهم لم يتركوا وضع السور على ما عاينوا، وشاهدوا، والأمر كما ذكرنا، [و] وصفه ما حكينا، ولقد وعوه، وأحصوه حتى عرفوه من جمعه من الأنصار، ومن حفظه من المهاجرين، ومن بقيت عليه السورة، والسورتان، وذلك مشهور معروف.
مخ ۱۶۴