وإن اخلف الفقهاء- أخذ بوقل أورعهم، وأكثرهم علما بتفسير القرآن، وبسنة النبي(- صلى الله عليه وسلم -)، وأهل السلف من أصحاب رسول الله (- صلى الله عليه وسلم -) الذين لم يحدثوا حدثا [في الدين]، والذين لم يقتتلوا على الدنيا، ولم يحكموا غير الله، ومن بعدهم [من] التابعين بإحسان، السالكين سبيلهم، فهذا رأي المسلمين: آخرهم يتبع أولهم، ويعترفون لهم بفضائلهم.
وقيل: إذا اختلف الفقهاء في شيء من الرأي؛ فمن كان يبصر عدل الأقاويل - أخذ بأعدلها، وأقربها إلى الحق في بصيرته، وإن كان لا يبصر ذلك - أخذ بقول وليه منهم، وإن كانوا كلهم أولياء - أخذ بقول أعلمهم بكتاب الله، وسنة نبيه محمد (- صلى الله عليه وسلم -)، وآثار المسلمين؛ فإن كانوا كلهم سواء في ذلك، واستووا - أخذ بقول أورعهم، وأفضلهم، وأنزههم، فإن استووا في ذلك كله أخذ بقول أسنهم، أو أقدمهم في الإسلام؛ لموضع قدمه، فإن استووا في ذلك، ولم يكن هو يبصر عدل الأمور أخذ بما شاء من أقاويلهم، ورسعه ذلك، فكان ذلك جائزا له.
ويوجد عن الشيخ محمد بن إبراهيم بن سليمان - أرجو أنه مؤلف كتاب "بيان الشرع": وأما اختلاف الرأي: فهو كل حادث لم يأت فيه حكم من كتاب الله، ولا من سنة رسول محمد (- صلى الله عليه وسلم -)، ولا من إجماع المسلمين، ولا ما أشبه ذلك.
وللعلماء أن يجتهدوا رأيهم في ذلك الحادث، وعليهم ولاية بعضهم لبعض، ولو تضاروا في رأيهم، واختلفوا؛ فأحل بعضهم شيئا، وحرم بعضهم شيئا، وتولي بعضهم، وبرئ بعضهم - فعلي الحل أن يتولي المحرم، وعلى المحرم أن يتولي المحل، وعلى المتبرى أن يتولي المتولي، وعلى المتولي أن يتولي المتبري، ولا يجوز لهم الافتراق في هذا الموضع.
وعلى من علم باختلافهم ذلك، وتضادهم، وافتراقهم - أن يجمع بينهم في الولاية، ولا يجوز له أن يفرق بينهم، والجمع بين الأصداد هاهنا حلال ولازم، والتفريق بينهم هاهنا حرام، وضلال.
مخ ۱۰۵