فإن تقتلوني في الحديد فإنني ... قتلت أخاكم، مطلقا لم يكبل
وقد يوجد في الكلام ما صورته الطباق وليس بمطابقة من جهة المعنى كقول قيس بن الخطيم: (الطويل -ق- المتدارك)
وإني لأغني الناس عن متكلف ... يرى الناس ضلالا وليس بمهتدي
٣- إضاءة: ويجري مجرى المطابقة تخالف وضع الألفاظ لتخالف في وضع المعاني، ولنسبة بعضها من بعض، فيقع بذلك بين جزأين من أجزاء الكلام نسبتان متخالفتان، فيجرى ذلك مجرى المطابقة في الألفاظ المفردة كقول بعضهم: (الرمل -ق- المتدارك)
أنت للمال إذا أصلحته ... فإذا أنفقته فالمال لك
ومن هذا النحو قول بعضهم: "إن من خوفك حتى تلقى الأمن خير ممن أمنك حتى تلقى الخوف". ويسمى هذا النوع من الكلام التبديل.
وقد تكلم الناس في ضروب المطابقات وبسطوا القول فيها فلا معنى للإطالة إذ قصدنا أن نتخطى ظواهر هذه الصناعة وما فرغ الناس منه إلى ما وراء ذلك مما لم يفرغ منه.
ط- مأم من المذاهب المستشرفة بالمعلم المتقدم أيضًا وهو مذهب المقابلة
وإنما تكون المقابلة في الكلام بالتوفيق بين المعاني التي يطابق بعضها بعضا والجمع بين المعنيين اللذين تكون بينهما نسبة تقتضي لأحدهما أن يذكر مع الآخر من جهة ما بينهما من تباين أو تقارب، على صفة من الوضع تلائم بها عبارة أحد المعنيين عبارة الآخر كما لاءم كلا المعنيين في ذلك صاحبه.
١- إضاءة: وأنواع المقابلات تتشعب. وقل من تجده يفطن لمواقع كثير منها في الكلام. كما أن كثيرا من الناس يعد من المقابلة ما ليس منها. وأكثر ما يشعر به منها مقابلة التضاد والتخالف، كقول الجعدي: (الطويل -ق- المتدارك)
فتى تم فيه ما يسر صديقه ... على أن فيه ما يسوء الأعاديا
٢- تنوير: فإذا وضع أحد المعنيين هذه الصفة بإزاء الآخر ومقابلا له كان الكلام بذلك بعضه بعضا، ومنتسبا أواخره إلى أوله. فكان للكلام بذلك حسن موقع من النفس.
٣- إضاءة: وليس يشترط تحاذي عبارتي المعنيين المتقابلين في طرفي الكلام في الرتبة. وإذا أمكن تقابلهما فهو أحسن. وأنشد قدامة في ما تحاذت فيه العبارة: (الطويل -ق- المتدارك)
فيا عجبا، كيف اتفقنا فناصح ... وفي، ومطوي على الغش غادر
فقابل النصح والوفاء بالغش والغدر.
وأنشد أيضًا فيما لم تتخاذ فيه عبارتا المعنيين المتقابلين: (الوافر -ق- المترادف)
أسرناهم وأنعمنا عليهم ... وسقينا دماءهم الترابا
فما صبروا لضرب عند حرب ... ولا أدوا لحسن يد ثوابا
فقابل ما في صدر البيت الأول بما في عجز الثاني، وما في عجز الأول بما في صدر الثاني.
وأنشد الخفاجي: (الطويل -ق- المتراداف)
جزى الله خيرا ذات بعل تصدقت ... على عزب حتى يكون له أهل
فإنا سنجزيها بحسن فعالها ... إذا ما تزوجنا وليس لها بعل
فجعل في مقابلة أن تكون المرأة ذات بعل وهو لا زوج له أن يكون هو ذا زوج وهي لا بعل لها، وحاجته وهو عزب بحاجتها وهي كذلك، وهذه مقابلة صحيحة.
٤- تنوير: ومن ضروب المقابلة أيضًا قول تأبط شرا: (الطويل -ق- المتدارك)
أهز بها في ندوة الحي عطفه ... كما هز عطفي بالهجان الأوارك
فقابل هز عطفه بالمنحة بهز عطف ممدوحه بالمدحة.
ومن المقابلة الصحيحة قول الفرزدق: (الطويل -ق- المتدارك)
وإنا لتمضي بالأكف رما حنا ... إذا أرعشت أيديكم بالمعالق
ومن صحيح المقابلة في النثر قول هند بنت النعمان: "شكرتك يد نالتها خصاصة بعد نعمة، ولا ملكتك يد نالت ثروة بعد فاقة". وكتب بعضهم: "ولو أن (الأقدار إذ) رمت بك من المراتب في أعلاها بلغت في أفعال السؤدد إلى (ما وازاها)، فوازيت بمساعيك مراقيك وعادلت النعمة عليك بالنعمة فيك، ولكنك قابلت سمو الدرجة بدنو الهمة ورفيع الرتبة بوضيع الشيمة، فعاد علوك بالاتفاق إلى حال دنوك بالاستحقاق وصار جناحك في الانهياض إلى ما عليه قدرك في الانخفاض. فلا لوم على القدر إذ أذنب فيك فأناب وغلط بك فعاد إلى الصواب".
وهذه مقابلات صحيحة كلها.
٥- إضاءة: ومن فساد المقابلة قول أبي عدى: (الخفيف -ق- المترادف)
يا ابن خير الأخيار من عبد شمس ... أنت زين الدنيا وغيث الجود
1 / 16