مین وراء منظار
من وراء المنظار: صور انتقادية فكهة من حياتنا الاجتماعية
ژانرونه
واستمر المعلم الجريء النبيل يرفع صوته متحديا معلنا أنه سيرفع إلى النيابة شكواه، واستشهد بي وبغيري، فقبلت أن أشهد مغتبطا، وأنا أقول لنفسي: هؤلاء هم الذين يصلحون القرى لا الذين يفسدونها، وما يفسدها إلا أمثال هذا المتجبر الطاغية الذي يعيش بجهله وجاهه في القرن الماضي ... ومشيت إلى داري قرير النفس - وقد ذهب عني الغضب - وأنا أقول: لن يكون لمصر دستور بالمعنى الصحيح، حتى يتعلم أبناؤها، ولن تقوم الديمقراطية الحق إلا على أساس من العلم!
أما الذين رفضوا أن يؤدوا الشهادة، فقد انقلبوا إلى دورهم وهم يفكرون فيما سوف يحل بهذا المعلم الإلزامي من نكال أقله تقليع زرعه أو حرقه، أو إهلاك ماشيته بالسم، ومطاردة أهله وذوي قرباه، إلا أن تعصمهم من عذاب هذا الطاغية رحمة من الله!
ولكنني كسبت القضية!
هي قضية أعرضها عليك يا قارئي العزيز بعد أن كسبتها على حد تعبير حضرات المحامين ...
وأحب أن تعلم قبل أن أحدثك عن القضية أنني رجل لا أطيق أن أرى مخلوقا في موطن من مواطن الضعف أو المذلة، ولقد يجبهني شخص بما لا أحب، فأفضل ذلك على أن أراه يستعطف ويبكي؛ ولقد أحب من أحد تلاميذي أن يكلمني في شيء من الجرأة وأن يجهر لي بالقول، ولا أحب منه أن يستخزي ويضعف ويستكين ...
ومن أراد أن يزحزحني عن شيء عقدت العزم على ألا أتزحزح عنه، ومن أراد أن يستلب مني أي شيء عزيز علي إن كان ثمة عندي ما يستلب، فليأت إلي ثم فليتصنع الضراعة وليظهر التفجع والتوجع، فإنه إذ ذاك يراني تراجعت تراجعا عجيبا، ثم ليجهش إجهاشة واحدة، فعندئذ يراني قد سلمت تسليما ...
وليغفر لي القارئ إسرافي هذا في الحديث عن نفسي، فما كنت لأفعل لولا أنه يتصل بسبب قوي من قضيتي التي أريد أن أتحدث عنها ...
دخلت على أحد ذوي قرباي في بيته، وهو ممن يشغلون أحد المناصب الكبيرة، فلمحت في وجهه من أمارات الغضب والتكره ما لم أر مثله في هذا الوجه السمح قبل، وما كاد يراني حتى ابتدرني بقوله: ادخل هذه الحجرة فستجد سيدة مع زوجتي فأخرجها وإياك أن تبطئ أو تتهاون.
فدخلت الحجرة مندهشا، فإذا بي تلقاء سيدة في حدود الأربعين غارقة في دموعها كما يقولون، يقطر منديلها الدمع وتسح عيناها سحا، وتجهش حتى لا تكاد تبين الكلام، وإلى جوارها ابنة لها في نحو الخامسة عشرة حسناء رائعة لولا ذبول وصفرة في محياها ونحول في بدنها، وطفلان أحدهما في العاشرة أو فوقها قليلا والثاني طريده في العمر، وكانت البنت تجهش لإجهاشات أمها والطفلان ينظران في دهشة وألم، ويمسح كبيرهما عينيه بمنديله.
وعلمت أن زوج السيدة مختلس، وأن التحقيق أدانه، وأن زوجته باعت حليها وأدت عنه ما اختلس، وأنها علمت أنه سيطرد من عمله، وأن قريبي هو الذي أعد مذكرة يقترح فيها هذا الطرد؛ وأخرجت السيدة صورة طفلين آخرين من أولادها وقالت: ماذا نصنع جميعا وإلى أين نذهب؛ ثم أجهشت إجهاشة طويلة استفرغت فيها كل ألمها، ووضعت بنتها وجهها بين كفيها وشهقت شهقة طويلة.
ناپیژندل شوی مخ