مین وراء منظار
من وراء المنظار: صور انتقادية فكهة من حياتنا الاجتماعية
ژانرونه
وقلت لصاحبي، وقد زفرت زفرة طويلة: أيرى الناس هؤلاء كما أرى؟ فضحك وليس المجال مجال ضحك وقال: أف لمنظارك، فأجبته: بل أف لهؤلاء الذين يملئون الصحف بأسماء المؤسسات والمبرات، والذين يتكلمون كثيرا عن أوجه الإصلاح وأنماط المشروعات ...
ومضيت وأنا أسائل نفسي: في أي بلد من بلاد العالم يجمع فيه شارع واحد بين اللاعبين بالذهب، وبين الذين يعيشون كما تعيش الكلاب والقطط، والذين يطلبون الموت فلا يظفرون حتى بالموت؟
هكذا تكون الشرطة!
يا سيدي! بالباب عسكري يقول إنه يريد أن يسلمك محضرا!
بهذا النبأ المزعج دخل علي الخادم في نحو الساعة الثامنة من مساء ليلة قريبة، وأنا جالس إلى مكتبي أفتش في المراجع دون أن أقع على طلبتي حتى ضاق صدري، فلم يسر عني ما بي إلا هذا النبأ البهيج! ووثبت من فوري أتلقى البشرى، فلقد والله زادني الخادم غيظا على غيظي بابتسامته البلهاء التي شفع بها هذا الخبر الأسود، كما لو أنه جاء يبشرني بما تنبسط له نفسي!
ومشيت وأنا أسأل الخادم، أو على الأصح أصيح به محنقا - فقد خيلت إلي أعصابي المكدودة أنه يشمت بي إذ يبتسم أو يظن بي خوفا: أي محضر؟ ولم أخرج من داري نهاري كله، ولا أذكر أني فعلت بالأمس ولا قبل الأمس شيئا يستوجب المحضر، ولا أنا - ولله الحمد - ذو سيارة حتى أدوس بها أحدا أو أخالف بها نظام المرور، ولست ممن يعودون إلى دورهم بعد منتصف الليل ... ولا ... ولا ...
ومضيت إلى الباب الخارجي فما راعني إلا عتل أبرز ما فيه شارباه وأنفه وطول قامته، حتى لقد ذكرني ذلك العملاق بتلك الصور الكاريكاتورية التي ترسمها بعض المجلات لبني جنسه، وأشهد والله بعد رؤيته ما فيها شيء مما كنت أظنه من مبالغة! - ماذا تريد يا شاويش؟ ... وليصدقني القارئ أني أتأدب حتى في خطاب من يسلمني محضرا. - معي محضر يا أفندي من فضلك وقع عليه بالاستلام! - لمن هذا المحضر؟ - لا أعرف. - ما موضوعه؟ - لا أعرف.
هذه والله - في غير تحريف - إجابة الشاويش الهمام لم أصنع بها شيئا إلا أني عربتها! وحبست ضحكي تأدبا علم الله وبنفسي أن أقهقه لولا أني لا أحب أن أسيء حتى إلى مثل هذا العتل وقلت: إذا كنت لا تعرف صاحب المحضر ولا موضوع المحضر ... فلم اخترت بيتنا هذا بالذات؟ - قالوا: عند المزلقان ...
ومددت يدي أتناول الورق منه، فدفعه إلي بعد تردد وحذر؛ وألقيت نظرة فإذا هو لفلان في بيته المرقوم بكيت ويقع كذلك عند مزلقان وهو بشأن سيارة لم يعنني أن أعرف موضوعها، وتبسمت وقلت للشرطي: ليس المحضر لنا، ورحت أصف له موضع البيت المقصود وأذكر له اسم الشخص المطلوب، وحسبت أنه سوف يحمد لي هذا الإرشاد؛ ولكنني نظرت فإذا به يداعب شاربه ويرميني بنظرة اشتركت فيها عيناه وأنفه وغلظه وجهله، وإنه ليبتسم ابتسامة أسمج من هيكله، وكأنما يريد أن يذكرني أنه من رجال البوليس وأنه ليس يضحك أحد أو يمكر برجال البوليس، ثم قال: وقع على الورق يا أفندي. مافيش لزوم للزوغان!
ورأيت أني أكون أجهل منه لو ناقشته بعد ذلك، فهممت أن أوقع وأن أتحمل تبعة المحضر وما فيه لمجرد التخلص منه، وليفهمه رؤساؤه بعد خطأه؛ وعدت أؤكد له أني لست الشخص المطلوب، وهو ينظر إلي ويصب علي سماجته كلها، حتى ضقت به فقلت: لن أوقع، وإذ ذاك تراجع وطلب إلي أن أدله على البيت المكتوب في الورق ... فتنفست الصعداء وقلت: أتعرف بيت محمد باشا محمود؟ - محمد باشا محمود؟ ومين محمد باشا محمود ده؟ ومين يا أفندي اللي يعرفني بالكلام ده؟!
ناپیژندل شوی مخ