الْبُخَارِيَّ ﵀ مَاتَ بَعْدَ أَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ ﵀ بِنَحْوِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، تُوُفِّيَ أَحْمَد بْنَ حَنْبَلٍ سَنَةَ إحْدَى وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَتُوُفِّيَ الْبُخَارِيُّ سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَكَانَ أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ يُحِبُّ الْبُخَارِيَّ وَيُبجلُّهُ (١) وَيُعَظِّمُهُ، وَأَمَّا تَعْظِيمُ الْبُخَارِيِّ وَأَمْثَالِهِ الْإِمَام أَحْمَد فَهُوَ أَمْرٌ مَشْهُورٌ، وَلَمَّا صَنَّفَ الْبُخَارِيُّ كِتَابَهُ فِي «خَلْقِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ» وَذَكَرَ فِي آخِرِ كِتَابِه الصحيح (٢) أَبْوَابًا فِي هَذَا الْمَعْنَى ذَكَرَ أَنَّ كُلًّا مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ لَفْظَنَا بِالْقُرْآنِ مَخْلُوقٌ، وَالْقَائِلونَ (٣) بِأَنَّهُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ [ينْتسبُونَ] (٤) إلَى الْإِمَامِ أَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ وَيَدَّعُونَ أَنَّهُمْ عَلَى قَوْلِهِ، (وَكلَام الطَّائِفَتَيْنِ كلام من لَمْ يَفْهَمْ ذرة من كَلَامِ) (٥) أَحْمَد - رضوان الله عليه.
وَطَائِفَةٌ أُخْرَى كَأَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ وَالْقَاضِي أَبِي بَكْرِ بْنِ الطَّيِّبِ وَالْقَاضِي أَبِي يَعْلَى وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ يَقُولُونَ: إنَّهُمْ عَلَى اعْتِقَادِ أَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ وَأَئِمَّةِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ قَالُوا: أَحْمَد وَغَيْرُهُ إنما كَرِهُوا أَنْ يُقَالَ لَفظت (٦) بِالْقُرْآنِ؛ لأنَّ اللَّفْظَ هُوَ الطَّرْحُ وَالنَّبْذُ.
وَطَائِفَةٌ أُخْرَى كَأَبِي مُحَمَّدِ بْنِ حَزْمٍ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ يَقُولُ: إنَّهُ مُتَّبِعٌ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَغَيْرِهِ مِنْ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ [إلَى غَيْرِ هَؤُلَاءِ مِمَّنْ يَنْتَسِبُ إلَى السُّنَّةِ وَمَذْهَب] الْحَدِيثِ ويَقُولُونَ: إنَّهُمْ عَلَى اعْتِقَادِ أَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ وَنَحْوِهِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَهُمْ لَمْ يَعْرِفُوا حَقِيقَةَ مَا كَانَ يَقُولُهُ أهل (٧) السُّنَّةِ كَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ.
وَقَدْ بَسَطْنَا أَقْوَالَ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ كأَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ وَغَيْرِهِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، خلا الْبُخَارِيُّ وَأَمْثَالُهُ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ مِنْ أَعْرَفِ النَّاسِ بِقَوْلِ أَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ وَغَيْرِهِ مِنْ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ.