الْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ الْغَلَاءَ وَالرُّخْصَ إلَى بَعْضِ النَّاسِ، وَبَنَوْا ذَلِكَ عَلَى أُصُول فَاسِدَة:
أَحَدُهَا: أَنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ لَيْسَتْ مَخْلُوقَةً لِلَّهِ.
وَالثَّانِي: أنَّ مَا يَكُونُ فِعْلُ الْعَبْدِ سَبَبًا لَهُ يَكُونُ الْعَبْدُ هُوَ الَّذِي أَحْدَثَهُ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّ الْغَلَاءَ وَالرُّخْصَ إنَّمَا يَكُونُ بِهَذَا السَّبَبِ.
وَهَذِهِ أُصُول بَاطِلَةٌ، فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ (في الصحيح) أَنَّ اللَّهَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ أَفْعَالِ الْعِبَادِ وَغَيْرِهَا، وَدَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ الدَّلَائِلُ الْكَثِيرَةُ السَّمْعِيَّةُ (١)، وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (من السلَفِ وَالأَئِمَّة) (٢) وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ يَقُولُونَ إنَّ الْعِبَادَ لَهُمْ قُدْرَةٌ وَمَشِيئَةٌ وَإِنَّهُمْ فَاعِلُونَ لِأَفْعَالِهِمْ، وَيُثْبِتُونَ مَا خَلَقَهُ اللَّهُ مِنْ الْأَسْبَابِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ الْحِكَمِ.
وَمَسْأَلَةُ الْقَدَرِ مَسْأَلَةٌ عَظِيمَةٌ ضَلَّ فِيهَا طَائِفَتَانِ مِنْ النَّاسِ، طَائِفَةٌ أَنْكَرَتْ أَن اللَّه - تعالى - خَالِق كُلِّ شَيْءٍ، أو أَنَّهُ مَا شَاءَ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، كَمَا أَنْكَرَتْ ذَلِكَ الْمُعْتَزِلَةُ، وَطَائِفَةٌ أَنْكَرَتْ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ فَاعِلًا لِأَفْعَالِهِ، أو أَنْ يَكُونَ لَهُ قُدْرَةٌ لَهَا تَأْثِيرٌ فِي مَقْدُورِهَا، أَوْ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَخْلُوقَاتِ مَا هُوَ سَبَبٌ لِغَيْرِهِ، أو أَنْ يَكُونَ اللَّهُ خَلَقَ شَيْئًا لِحِكْمَة، كَمَا أَنْكَرَ ذَلِكَ الْجَهْمُ بْنُ صَفْوَانَ وَمَنْ اتَّبَعَهُ مِنْ الْمُجْبِرَةِ الَّذِي ينتسب كَثِيرٌ مِنْهُمْ إلَى السُّنَّةِ، فَالْكَلَامُ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَبْسُوطٌ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ.
وَأما الثَّانِي: وَهُوَ إنَّ مَا كَانَ فِعْلُ الْعَبْدِ أَحَدَ أَسْبَابِهِ كَالشِّبَعِ والري الَّذِي يَكُونُ بِسَبَبِ الْأَكْلِ، وَزُهُوقِ النَّفْسِ الَّذِي يَكُونُ بِسبب الْقَتْلِ، فَهَذَا قَدْ جَعَلَهُ أَكْثَرُ الْمُعْتَزِلَةِ فِعْلًا لِلْعَبْدِ، وَالْجَبْرِيَّةُ لَمْ يَجْعَلُوا لِفِعْلِ الْعَبْدِ فِيهِ [تَأْثِيرًا بَلْ مَا] تَيَقَّنُوا أَنَّهُ سَبَبٌ، قَالُوا: إنَّهُ عِنْدَهُ لَا بِهِ، وَأَمَّا السَّلَفُ وَالْأَئِمَّةُ فَلَا يَجْعَلُونَ للْعَبْد فعلًا لِذَلِكَ كَفِعْلِهِ لِمَا قَامَ بِهِ مِنْ الْحَرَكَاتِ، وَلَا يَمْنَعُونَ أَنْ يَكُونَ مُشَارِكًا أَسْبَابه (٣)، وَأَنْ يَكُونَ اللَّهُ جَعَلَ فِعْلَ الْعَبْدِ