قال: وكان يقف على السجن ثم يدخله ويأمر بتنقيته، ويأمر من كان فيه قارئا أن يعلم من كان فيه لا يقرأ، ويسألهم عن قصصهم وفيم حبسوا. فمن كان محبوسا في دين نظر في جدته وإفلاسه، ومن كان مذنبا تفقد جرمه وأمره، ويفحص عن أحوالهم ثم يرجع وقد أمر ونهى في جميع المصر. فأقام على ذلك أشهرا ما يفتر عن مواعظه، وصدقاته، وعيادته للمرضى، وتنبيهه للقلوب، ودعائه إلى الله عز وجل في السر والعلانية، حتى إن اهل الفسوق والظلم طمعوا فيه لما رأوا من ابتذاله نفسه في ناديهم وبين منازلهم، وفي خروجه بالأسحار إلى المسجد. فتبايع فساق على إصابته غيلة فلم يجسروا عليه، فاشتوروا أن يقتعدوا له في صومعة المسجد، وكان ذلك رأيهم، فلما خرج صلى الله عليه عجلوا فرموه قبل دخوله المسجد وأخطأه السهم الأول، وقد دخلت رجله المسجد، واندفع بكله فولج باب المسجد فأصيب الباب بالنبل، ووقع في كساء كان عليه سهمان، وسلمه الله. فسكت حتى صلى بالناس وأسفر، ثم أخبرهم فخرجوا فالتقطوا النبل من باب المسجد، ثم قال:
اللهم إني أملت أن أسير فيهم بسيرة الاختلاط بهم، وأن أصلا بنفسي ولاية أمرهم حتى أكون فيهم كأحدهم، لا أحتجب عنهم، ولا أغيب شخصي عن محاضرهم، ولا أترك صلاة بهم، ولا أكلهم إلى غيري، فبدأوا بالمكيدة، وأرادوا النفس بالقتل وإني ضارب الحجاب، ومحترز منهم حتى يحكم الله بيني وبينهم.
وحدثني محمد بن سعيد أيضا قال: رأيته يفت الطعام للأيتام بيده ويثرده بالسمن، ثم يقول: أدخلوهم. ثم ينظر فمن كان منهم ضعيف المأكل قال: هذا مغبون. فيأكل مع المساكين ثم يعزل له، وكان لا يأكل طعاما حتى يطعم المساكين منه، ثم يأكله بعد ذلك.
مخ ۷۴۲