وظل رئيس الكلية متحيرا في الأمر سنين، حتى جاءه قبضاي، أخو أخته فتمت بينهما الصفقة الدائمة، وجعل ثمن كل رأس - كبيرا كان أو صغيرا، ذكرا أو أنثى - خمس ليرات إنكليزية رنانة، وانصرف القبضاي إلى تجارته الرابحة فاستحال رجل «أجر» لا يتخلف عن دفن ميت في جيرته، كأنه أحد أعضاء جمعية طوبيا البار ... يؤاجر في حمله ليكسب الأجر مزدوجا ... حتى إذا جن الظلام واختلط عاد إليه ليحمله في عدل إلى بيروت حيث يسلم جيفة ويستلم ذهبا.
وبعد سنة فتحت خشخاشة لاستقبال ضيف جديد، فإذا بالجثة الأخيرة قد طارت، فزعم بعض المؤمنين أن المرحوم كان رجلا تقيا فانتقل بالروح والجسد إلى السماء ... ولكن وقوع مثل هذه الحادثة في القرى المجاورة زعزع الإيمان، فأقاموا نواطير لحراسة القبور الجديدة، فعزت الجثث وقل الرزق ففكر صاحبنا كثيرا ولكنه لم يهتد إلى حل، وأخيرا هم باستشارة صديق على شاكلته فدعاه إلى سكرة.
وبعد: هذا كأس محبتك، وكأس شواربك، وصحة وهنا، تمشت الخمرة في مفاصل هذا الصديق، ثم دبت في عظامه فأمسى كما قال الأخطل:
صريع مدام يرفع الشرب رأسه
ليحيا وقد ماتت عظام ومفصل
فهبط الإلهام على القبضاي فجأة، وللقبضايات آلهة وحي كالشعراء، فصاح بالساقي : عجل يا صبي، هات لنا عربة قبل أن يموت الرجل، ثم ألقى صديقه السكران في حضنها، وطار به إلى الكلية.
وعرف البواب عزرائيل المختبر حين أطل فهتف أهلا، أهلا، أهلا، من زمان هذا القمر ما بان!
فكشر القبضاي وهمس: عجل افتح بلا أكل ... الناس واعون.
وتمت البيعة بالتسلم والتسليم، كالعادة، فبشر رئيس الكلية تلاميذه بقدوم جثة «طازه» بعد الغيبة الطويلة، ونام الجميع على سرور. ولكنهم عند الصباح لم يحمدوا السرى، فما فتحوا الباب حتى رأوا الفقيد قاعدا يدخن. وبعد أن حلت عقدة الرواية أطلق الرئيس سراح الجثة ...
هذي هي حال بعض سماسرة الانتخابات اليوم، يبيعون البشر صحاة وسكارى، يقبعون في بيوتهم أربع سنوات ولا شغل لهم ولا عمل، يستدينون ويقترضون من هذا وهذاك على أمل الوفاء عند طلوع هذا الموسم ... فها هم ينتقلون من باب إلى باب، لا فرق عندهم بين دستوري ووطني، من أخذ أمي صار عمي ... وكل مكان ينبت «المال» طيب ...
ناپیژندل شوی مخ