نشوة الحكيم
بينيلوب
من هناك
من هناك
تأليف
طه حسين
سعادة اليوم
قصة تمثيلية للكاتب الفرنسي «أدمون جبرو»
وليس ينبغي أن يخدعك هذا العنوان فتقدر أنك ستقرأ تحليل قصة خلقية اجتماعية تعرض للسعادة، وتصور الناس لها في هذا العصر، فليس بين القصة التي نلخصها في هذا الفصل وبين هذا الموضوع صلة ما، وإنما «سعادة اليوم» اسم أداة من هذه الأدوات التي تتخذ في الدور، نستطيع أن نطلق عليها هذا الاسم العامي المبتذل «المكتب»، ونريد به هذه المائدة التي تتخذ للكتابة، وفيها أدراج كثيرة تحفظ فيها السيدات أوراقهن وما لهن من هذه الأدوات الدقيقة المتنوعة. «فسعادة اليوم» في هذه القصة ليست شيئا غير هذا. هو لفظ أطلق في عصر من العصور الفرنسية، وفي طبقة من الطبقات الفرنسية على هذه الأداة الشائعة. وقد أعطت هذه الأداة الشائعة اسمها لهذه القصة؛ لأنها كانت تحتوي سرا من أسرار أسرة، فكشف هذا السر، وكان مصدر طائفة من الأحداث والانفعالات، عبثت بطائفة من القلوب والنفوس عبثا عرضه علينا الكاتب في قوة ودقة ومهارة خليقة بالإعجاب.
ولعلك لم تنس بعد هذه القصة البديعة التي حدثتك عنها في الشهر الماضي، قصة الفؤاد المقسم، ولعلك لم تنس بعد هذه العواطف المختلفة التي تتنازع القلوب، وتعبث بالنفوس فيما رأيت من قوة وعنف، فقصتنا في هذه المرة تشبه تلك القصة من هذه الناحية، فهي قصة جهاد عنيف بين عواطف قوية حادة تتنازع قلبا كريما بريئا من الشر والإثم، ولكنه في الوقت نفسه متأثر أشد التأثر بالحياة الاجتماعية، وما توارث الناس من عادة ورأي وحكم، وما تواضعوا عليه من خلق ونظام. هي قصة نفسية؛ لأنها تعرض عليك نفسا إنسانية في ظرف من هذه الظروف الحرجة العسيرة التي تكشف عن دخائل الإنسان، وتجرده، أو تكاد تجرده، من كل هذه اللفائف التي تلفه بها الحياة الاجتماعية. وهي قصة اجتماعية؛ لأن هذه النفس التي يعرضها عليك الكاتب إنما تألم وتحس ما تحس من عذاب، وتخضع لما تخضع له من حرب وجهاد بحكم الأوضاع الاجتماعية المتناقضة، وبحكم الأحداث الاجتماعية التي تحدث في حياة الناس من حين إلى حين، فتكونهم كما تحب لا كما يحبون، وتصورهم كما تريد لا كما يريدون. وهي قصة خلقية أيضا؛ لأن هذه النفس حين تتألم وتشعر بالعذاب مضطرة إلى أن تظهر شيئا من الجلد والقوة على المقاومة، وهي لا تقاوم عبثا وإنما تقاوم فرارا من شر، وحرصا على خير، ونفورا من الأذى، ورغبة في البر.
ناپیژندل شوی مخ