ولهذه المرأة أخ عمل في الجيش، وارتقى فيه إلى مرتبة لا بأس بها، يشبه أخته في كرم النفس، وحسن الشيم، محب لأخته وابنيها، لا يعدل بهم أحدا، قد نزل لهم عن ثروته كلها أو كاد، ووقف حياته على هذين الشابين لا يبتغي إلا أن يجعلها أسعد الشبان.
ونحن نرى أول الفصل هذا الغلام جواشان في حالة سيئة، والخادم يعنى به؛ لأنه سقط عن فرسه، وكاد يصيبه التلف لولا هذا الخادم، وهو يشكر للخادم أن أنقذه، والخادم لا يرى في ذلك ما يستحق الشكر، وهو يطلب إلى سيده ألا يتحدث بشيء من ذلك إلى أمه حتى لا تشفق ولا تخاف حين يتصل بالمدرسة، وألا يتحدث بذلك إلى خاله؛ حتى لا يتخذه موضوعا للعبث والسخرية، والغلام يشعر بما في ذلك من تضحية يقدمها الخادم له، فلن تعرف أمه أن الخادم قد أنقذه، ولن تثني عليه، ولن تكافئه.
وتأتي أخته نويمى فترثي له، وتثني على الخادم.
ثم يأتي خالهما فيكون بينه وبينهما شيء من الدعابة ظريف. ولكن هذا القسم كله من القصة بطيء - كما قلت لك - لا يظهرنا على شيء مما يريد الكاتب إلا أنه يمثل لنا دعة الأسرة، وما هي فيه من ثروة ونعمة بال، كما أنه يمثل لنا هذا الخال سفرين دي شازيه ضابطا قوي النفس، شديد الخلق، كريما، رقيق القلب ...
وقد انصرف الفتيان وأقبلت أمهما فتتحدث إلى أخيها لبعض الشيء، ونفهم من حديثها أنها تنتظر صديقا لها ولأخيها هو مسينيه، كما نفهم من حديثها أن زوجها سيسافر لبعض شأن، ويقضي الليل بعيدا عن القصر ...
ويتركها أخوها حينا، ويقبل زوجها، فيكون بينهما حديث نفهم منه أنه ضيق الصدر بأخيها، وهي تلومه على ذلك، وتذكر ما كان لأخيها عليهما من فضل، وهو ينكر جميل أخيها، ويسرف في الإنكار، ثم نفهم من الحديث أنه يسافر إلى مكان لا يعينه في دقة، كما أنه لا يعين موعد عودته في دقة، فهو مريب في كل ما يقول، كما أنه مريب في كل ما يأتي، ولكن امرأته لا تحس شيئا من هذا.
وقد انصرف وأقبل الصديق الذي كانت تنتظره جوليان، فإذا تحدث إليها وتحدثت إليه فهمنا أنه صديق قديم، وأنه أحب هذه المرأة وخطبها فلم تجبه، فاحتفظ لها بود قوي طاهر.
ويأتي أخوها فيتحدثون قليلا، ثم تتركهما لبعض شأنها، فإذا خلا الرجلان أخبر مسينيه صاحبه بأن زوج أخته سيئ الحال، قد أتى من الأمر ما يمس شرفه، ويعرضه للقضاء، وفهمنا من حديثهما أن هذا الرجل يخون امرأته، ويسرف في خيانتها، فله خليلة ينفق عليها أموالا ضخمة، ثم نرى سفرين ثائرا يقسم ليكرهن زوج أخته على أن يغير من سيرته، وصاحبه يأخذ عليه العهد أن يكتم الأمر على جوليان، ولكن هذا الكتمان لن يطول أمره، فهذه جوليان مقبلة، وفي يدها كتاب تقول أنه أرسل إلى زوجها مستعجلا، وأنها ترددت ثم فضته، ونظرت فيه فإذا هو بشع منكر؛ لأنه يخبر زوجها بأن أمره قد رفع إلى القضاء، وهو متهم بالنصب والاحتيال، فأما هي فمغضبة ساخطة لا تحفل بهذا الكتاب، وإنما تنكر أن يكون في الناس من ينحط إلى كتابة مثله، وأما الرجلان فيضطربان لهذا الكتاب، وتحس منهما هذا الاضطراب، فتسأل وتلح فينبئانها آخر الأمر بأن هذا الكتاب قد ينم عن بعض الحق، ثم يعلنان إليها أنهما سيسافران فورا إلى باريس ليتبينا حقيقة الأمر، وليتداركا الشر قبل وقوعه ...
فقد رأيت اضطراب هذه المرأة أمام هذا الخطر الذي يوشك أن ينزل بأسرتها، ولكنها على ذلك مطمئنة لا تكاد تقدر ما تتعرض له. •••
فإذا كان الفصل الثاني فقد انقضى الليل، وانقضى أكثر الغد، وأقبلت جوليان إلى حيث تركناها أمس مضطربة بعض الشيء، تتعجل عودة أخيها من باريس، وهذا الخادم قد أقبل يعرض عليها حسابه؛ لأنه يريد أن يترك الدار بعد أن اتهم بأن سرق مائة فرنك، فاعترف بهذه السرقة، وبأنه اضطر إلى ذلك لينقذ ابنته من الموت، وهي لا تكاد تلتفت إليه، بل ترد إليه معلنة أن زوجها سينظر في هذا الحساب، والخادم يستعطفها ويدفع عن نفسه، وهي ترده رفيقة مرة، وعنيفة مرة أخرى.
ناپیژندل شوی مخ