أربعة أشقياء لو شاءوا لاستقامت لهم الحياة واستقاموا لها فسعدوا، وضعتهم التقاليد بين شقي رحى طحون توشك أن تحطمهم حطمة الموت فلا نجاة!
وضاق الفتى بنفسه وضاقت به نفسه، ولم يطق الصبر بعد، فأجمع أن يكون سيد نفسه فلا يستمع إلى قول أحد، وأزمع العصيان ...
وذات صباح، التقى عابد وأمينة على ميعاد في القرية القائمة على الضفة الثانية من النهر، وكان ثمة فتيان من أصدقاء عابد ينتظران مقدم الفتى وفتاته وقد أعدا عدتهما لأمر ...
وفي المساء عاد الفتى إلى قريته وعادت الفتاة، وقد اتخذ كل منهما طريقا غير الطريق التي سلكها صاحبه، فكأن لم يلتقيا ولم يتراءيا وجها لوجه، وإنهما لمجتمعان رأيا إلى رأي وقلبا إلى قلب، وقد وثقت ما بينهما منذ اليوم آصرة جديدة لا سبيل إلى انفصامها؛ فقد أصبح عابد وأمينة زوجين وشهد الشاهدان ... ولم يدر أبوه ولم تدر أمه ...!
وقسم الفتى أوقاته، فلأمينة نصف نهاره ونصف ليله، يتناجيان ويتشاكيان ويتمنيان المنى ؛ ولأبيه وأمه ما بقي من أيامه ولياليه، فارغة من البشاشة، خالية من الأنس والمسرة!
ومضت أشهر قبل أن يحدس أبوه أن في الأمر سرا فيستدعيه إليه متحببا ليستل خبيئة صدره، وخيل إلى الفتى أن أباه قد بلغه النبأ؛ فاستعلن بسره وهتك الستر المسدل بينه وبين الحقيقة، ولو شاء لبقي الحجاب مسدلا لا تنفذ من ورائه عينان!
وتهالك أبوه في مقعده وطأطأ رأسه، وجاشت نفسه بآلامه، وتحيرت دمعتان في عيني الرجل الذي لم يبك قط؛ ووقف الفتى رافع الرأس وفي عينيه بريق الإرادة الصارمة، ونظرت إليه أمه فأطالت النظر ثم هتفت في ضراعة: «عابد!»
وظل الفتى صامتا لا تطرف عيناه، فلو أن القدر كان يتحدث بلسان أمه حين تحدثت لما استطاعت أن تحمله على رأي جديد!
وبلعت أمه ريقها وابتسمت، وأشرقت في وجهها مسحة هدوء ظاهر، ثم أردفت: «أجاد أنت فيما تقول يا عابد ...؟»
وضحك الفتى ساخرا، وأجاب: «نعم، وقد كان ما لا سبيل إلى دفعه بعد!»
ناپیژندل شوی مخ