ورن الجرس، ثم ارتفعت الستارة، وضج المسرح بالتصفيق، فانحنت في رشاقة وخفة وهي تكشف عن ساق ممتلئة مصقولة كأنما يجري فيها شعاع الشمس، ونثرت ابتسامتها يمنة ويسرة ترد تحية بتحية ...
ولم يكف التصفيق حتى ارتفع صوتها يغني ... واستدار بها البنات يرقصن ويغنين ... وغنت ورقصت، وضحكت وبكت، وتأمرت ثم ذلت، واستعطفت ثم دلت، ووعدت ثم تأبت، ومنعت ثم نولت، وقالت عيناها ... وقالت عيون الناس ...
وكأني لم أر قدرية قبل تلك الليلة ... لقد بدا لي من جمالها وخفتها ما لم يكن لي به عهد من قبل، أهذه هي ...؟
ولما أسدلت الستارة في الخاتمة، كان تحت قدميها أكداس من الزهر، وفي أذنيها أنغام من هتاف الإعجاب، ولكن قلبها كان أحفل بمعانيه ...
وحين لقيها أبوها بعد، كانت في عينيه دموع، وطبع على جبينها قبلة ... وأقلتها السيارة بين أمها وأبيها إلى البيت وهي صامتة؛ لأن معاني ذات خطر كانت تطيف برأسها ...
ونامت تلك الليلة بين هتاف وتصفيق وأكداس من الزهر. لقد كانت عيناها مغمضتين ولكن قلبها يقظان، وتمثل لها في أحلامها كل ما رأت وسمعت، وشعرت، وراحت أحلامها تنسج لها أمانيها ... وتلقت الدرس الأول في تلك الليلة، فنسيت به كل ما تعلمت من دروس!
لقد ذاقت قدرية من اللذة الفنية ليلتئذ ما لم تذق طوال سنيها التي عاشت، فشاقها أن تستزيد ...
ولما عادت إلى المدرسة بعد يومين وسمعت ثناء معلميها ومعلماتها، أجد لها ما سمعت معاني أحست في أعماقها صداها، ووجدت فيها غذاء لأمانيها ...
وتناولت «المجلة» التي تعودت أن تقرأها في كل أسبوع، فراحت تعبر صفحاتها معجلة حتى انتهت إلى صفحة «الفن» فتلبثت، وأخذت تنظر إلى صور الراقصات ونجوم المسرح معجبة متمنية ... وفي أذنها صدى بعيد من هتاف النظارة وتصفيق المتفرجين ...
ولما حان عيد مولدها وأرادت أن تتصور - على عادتها في كل سنة - لم يحل لها إلا وضع واحد تبدو فيه صورتها، فلبست ثوبها الذي كانت ترتديه ليلتئذ، ووقفت بعض مواقفها، واستحضرت صورة ما كان ... فانطبعت في الورقة صورة من مشاهد ذلك الماضي، وتمثلت في نظرة عينيها تمام صورته!
ناپیژندل شوی مخ