هذا الذي كان لا يعرف من فروض الحياة على الحي إلا أن يبتسم ويضحك، ويعبث بكل شيء ويسخر من كل شيء، قد عاد في عبوسه وتزمته وصرامة نظرته إلى الحياة خلقا آخر؛ يا عجبا! أين صار مما كان؟
تمر به الجميلة الفاتنة قد أخذت زخرفها وازينت، فما تظفر منه إلا بالنظرة العابرة!
ويسمع النكتة البكر تضج لها جنبات المجلس بالضحك والتهليل، فما تنال منه إلا بسمة خاطفة!
وتتداعى أماني الشباب في معترك الحديث من حوله، فما تسمع منه إلا أنة خافتة.
ويتبارى الفتيان فيما يحكون من أقاصيص الحب وغزوات الشباب، فما ترى على وجهه من دلائل يقظة الوجدان إلا سبحة لطيفة من سبحات الذكرى، ثم خفقة طرف وخلجة شفة.
ثم يسمع أحاديث الزواج والخطبة ... فتراه كما ترى جنديا في إجازة يتلقى أخبار معركة حربية مظفرة، وبينه وبين الميدان أبعاد وأبعاد!
ترى ماذا يتوقع أن يسمع؟
شيء واحد لم يغيره الزمن من أخلاق صاحبي: هو سخاؤه وبذله، فما عرفت في أصحابي من قبل ومن بعد أكرم يدا منه بما يملك !
وترادفت الأعوام ولم يتزوج صديقي ... ولم تتزوج صاحبته. أتراها كانت تعلم من خبره ما أعلم؟ ومن أين لها ...؟ وإن لصاحبي من الكبرياء ما يمنعه أن يلتمس إليها الوسيلة بعدما كان ... وإن الخطاب لتزدحم أقدامهم على بابها فما تعرف كم ردت بالخيبة والخذلان!
أم تراها تعرف اسمه؟ هذا الذي لا تذكر من صفاته - إن ذكرت - إلا أنه شاب يبلغ دخله في الشهر اثني عشر جنيها، بعث إليها مرة يخطبها فردته ... وكم في الأمة من شبان يبلغ دخلهم ما يبلغ دخله، وحسبه هذا تعريفا بين آلاف من النكرات!
ناپیژندل شوی مخ