من حديث نفس
من حديث النفس
خپرندوی
دار المنارة للنشر والتوزيع
د ایډیشن شمېره
الثامنة
د چاپ کال
١٤٣٢ هـ - ٢٠١١ م
د خپرونکي ځای
جدة - المملكة العربية السعودية
ژانرونه
هذا الألم دنياي كلها، فأنا أطلق الفكر من عنانه فلا يخرج عنه ولا يجول إلاّ فيه، يتخيل أبشع أنواع المرض وأفظع ألوان الخطر، ثم ينطلق الفكر إلى العملية التي أكّدَ الأطباء أنه لا بد منها، فلا يكاد يشرع في تصورها حتى تسودّ الحياة في عيني وأراها كلها ألمًا وشرًا، وأتمنى أن لو كان أبي على مذهب المعرّي أو لو أن أمي لم تلدني ... ويوسوس لي الشيطان أن ما حق أبيك في أن يقضي عليك فيجيء بك؟ أليست حياتك متعلقة بك وحدك؟ فهل استشارك فيها، أو هو قد ضحى بك وبحريتك وسعادتك في سبيل لذته، أو هو لم يفكر فيك أبدًا ولم تخطر له على بال؟ ... فأرى الشيطان يريد أن يزيدني على مرض جسمي مرض ديني، فألعن الشيطان وما جاء به، وإن مما يجيء به الشيطان لمَا يسمونه فنًا وابتكارًا وتجديدًا، ولكنه يبقى أبدًا فنًا شيطانيًا ...
أدعُ هذا وأعود بفكري إلى سرير العمليات الذي حملني إليه المدير مرة ووكل بي الممرضات، وأقام عليّ طالبين يحرسانني وذهب إلى الطبيب يحضره، فوثبت أحمل أوجاعي وأناضل دون حريتي حتى بلغت الشارع حافيًا، وركبت إلى الكلية أول سيارة رأيتها وأنجاني الله من العملية والأطباء (١)! والأطباء (والرجاء عدم المؤاخذة) قوم برئوا من العاطفة وانبتّوا من الشفقة، يشقّون بطون الناس -نسأل الله السلامة- ويخرجون أمعاءهم فيضعونها في طبق ... ويكسرون جماجم البشر ويعبثون في أدمغتهم، ويفعلون ما لو فعله غيرهم للحقه الشُّرَط واصطفّ له القضاة وفُتحت له
(١) انظر تفصيلات هذه الحادثة في الحلقة ١٠٤ من «ذكريات علي الطنطاوي» (٤/ ٦٦) (مجاهد).
1 / 223