وكان الشيخ يتخذ منه مثلًا مضروبًا لأبناء الأغنياء، ويبشره بالمجد والمال والرتب وبأنه سيمشي على الورد المفروش حين يمشي أولئك على الشوك.
رحمك الله يا شيخنا، فلقد أصبت في كل ما كنت تقول إلاّ في هذا. تعال انظر ترَ الدهر قد ضرب بيننا، ففرق الإخوان وشتت الخلان، فتفرقوا في آفاق الأرض وانتثروا على سلم الحياة علاء وخفضًا، وسار الأكثرون على الأشواك فدميت أقدامهم الحافية، ومشى قوم على الورد والفل والياسمين وحازوا المال والمجد والرتب، ولن أسمّي لك أحدًا كيلا أفجعك بآرائك وفضائلك!
لا، لا أحب أن أعود إلى هذا الحاضر فدَعوني أستمتع بادِّكار ماضيّ كما يستمتع المنقطع في البادية بما بقي في سفرته من زاد المدينة التي خرج منها وأضاع طريق العودة إليها. إني أبصر كل ما حولي قد تغير فأُنكره وأحسّ كأني صرت غريبًا في وطني، ولقد كنت أنا وأخي أنور العطار لا نزال نحِنّ إلى الوطن ونراه في صفحة البدر عند المطار، وفي صفحة دجلة على الجسر، فتسيل قلوبنا رقة وشوقًا ونحن في بغداد بلدنا وبلد إخوة لنا أعزة كرام، وطريق الشام مفتوح، فكيف بمن صار يحسّ أن وطنه قد طواه الزمان واختبأ وراء السنين ولم يبق إليه من سبيل؟
فيا أيتها المدرسة، خبّرينا: لماذا لا نستطيع أن نعود أدراجنا في طريق الزمان كما نملك أن نرجع في طريق الأرض؟ لماذا لا نقدر أن نقف في الفترة السعيدة من أعمارنا كما يقف المسافر في البقعة الجميلة إذا جاز بها؟