أستاذنا الجندي
ألقيت في حفلة الأربعين سنة ١٩٥٥
إن من أصعب الصعب أن أقوم لأؤبن رجلًا لا أعرف عنه شيئًا، وأصعب منه -يا سادتي- أن أؤبن رجلًا أعرف عنه كل شيء! أن أختصر ثلاثًا وثلاثين سنة في عشر دقائق، أن أجمع البحر في قطرة والروض في زهرة، وذكريات أستاذي سليم الجندي في كلمة تأبين.
لقد اقتنيتها دقيقة دقيقة؛ أجمعها وأحصيها كل يوم كما يجمع الشحيح فلسًا إلى فلس ويحفظها، حتى اجتمع لي في صحبته ثلث قرن، فهل تروني أفرط فيها؟ لقد كتمتها سرًا في القلب ونجوى للنفس وزادًا لي في مفازات العمر، فهل أكشفها اليوم وأعلنها وأبيحها كل سامع؟
إنها ذكرياتي أنا، وما الحياة لولا الذكريات؟ وإن أنا فعلت فمن أين أبدأ؟ من أين؟ ... وما أعددت لهذا المقام كلامًا لأني ما كنت أتوقع أن أقوم يومًا فأؤبن الأستاذ سليم الجندي.
كنت أظن أن حبلي منه لن ينقطع أبدًا، الحبل الذي غُزلت خيوطه من مسالك اللحظات في مسارب الزمان. وكل حبل مودة إلى