141

من حديث نفس

من حديث النفس

خپرندوی

دار المنارة للنشر والتوزيع

د ایډیشن شمېره

الثامنة

د چاپ کال

١٤٣٢ هـ - ٢٠١١ م

د خپرونکي ځای

جدة - المملكة العربية السعودية

ژانرونه

في الماء فأبصر فيها ذكرياتي حية تطالعني وتحدّثني، وتعيد على مسمعي قصة حياتي وتتلو عليّ تاريخي، فأحس بلوعة الفراق وأشعر في تلك الساعة بأني أحب دمشق ... دمشق مثوى ذكرياتي، ودنياي من الدنيا، وغاية أملي في حياتي ... ثم يطوي المرج هذه الصور كلها ولا يدع حيال عيني إلاّ صور إخوتي، فأتأملها بعين دامعة وقلب واجف خائف من الفراق، ثم تجتمع كلها في وجه واحد، هو أحبُّ الوجوه إليّ وأدناها إلى قلبي ... وألمح في الماء مشهدًا طال عليه العهد ونأى به الزمان، فأراه ينفض عنه غبار السنين العشر ويعود حيًا جديدًا. رأيتني في محطة الحجاز، آية الفن الحديث في دمشق، والمحطة مائجة بأهلها كما يموج البحر بمياهه؛ فمن مسافر عَجِل، ومن مودِّع باك، ومن بائع يصيح ... ومن آت وذاهب، وطالع ونازل. وكنت منزويًا في ركن من أركان القطار المسافر إلى حيفا وإلى جانبي أختي الصغيرة ... أنظر إلى بعيد، فأرى هناك، في أخريات الناس، امرأة تمسك بيديها طفلين، متلفعة بملاءة لا تبدي منها شيئًا، ولكن وراء هذا القناع الأسود عينين تفيضان بالدمع عالقتين بمكاننا من القطار، وخلال تلك الضلوع قلبًا يخفق شوقًا ويسيل دمعًا، ووراء هذه الوقفة الساكنة الهادئة نارًا تضطرم في الجوف وزلزالًا شديدًا يدك نفسها دكًا ... وصفر القطار الذي يحملنا إلى مصر، فازداد القلب خفقانًا واضطرابًا، ثم قذف إلى الجو بدخانه كأنما هو حي قد أخذ بموقف الوداع، فزفر زفرة الحزن الدفين والألم الحبيس، ثم هدر وسار

1 / 152