344

له عقیدې نه تر ثوراته (۲): التوحيد

من العقيدة إلى الثورة (٢): التوحيد

ژانرونه

القيام بالنفس: ويعني أن الإنسان يود أن يكون قائما بنفسه، لا في محل، وإن كان يعيش في مكان، يستمد وجوده من ذاته، مستقلا عن المكان، لا يعتمد في وجوده على غيره. ولما كان الإنسان يعيش في عصره يجعله باستمرار في محل، في سجن أو دار أو شارع أو هيئة، فإنه يكون معتمدا في وجوده على غيره، ويكون له محل وسكن وعنوان وعقد إيجار. ولما كان الإنسان لا يستطيع أن يحقق حلمه، فإنه لا يتخلى عنه ويظل حلما يراوده ومثلا أعلى يصبو إليه. ولما كان الإنسان يعيش مغتربا عن العالم، يتعدى ذاته في غيره، في ذات مشخصة خارجة عنه، ويريد أن يصفها ويحادثها ويناجيها ويتعبدها تعويضا عن فقدان ذاته، فإنه يصفها بأعز ما لديه بحلمه المفقود وهو القيام بالنفس. فإذا ما تحقق الحلم وأصبح قائما بالنفس بالفعل، معتمدا في وجوده على ذاته، فإنه يسترد الوصف من غيره ويرجعه إلى نفسه. وفي نفس الوقت يقضي على اغترابه، ويسترد الوعي المطلق خارجه إلى داخل ذاته فيعي بذاته وبالعالم، ويصف ذاته بصفة الشرعية فيكون قائما بالنفس بالفعل ولا يطلق حكما لغويا على غيره. العبارة تعويض عن الشيء، والكلام بديل الوجود. وهذا لا يتحقق إلا بالوعي بالضروري أولا مبلورا للوعي الاجتماعي في حركة التاريخ. (6)

الله واحد: تعني أن الإنسان يود أن يكون واحدا، فردا، ذا شخصية واحدة، رؤيته واحدة، وسلوكه واحد. ولكن الواقع أن الإنسان يعيش في عصر النفاق حيث يبطن الناس غير ما يظهرون، ويظهرون ما لا يبطنون، يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يقولون، عصر الازدواجية والتملق والمداهنة والتلون. ومع ذلك فإن الإنسان لا يتخلى عن الوحدانية كمثل أعلى له قد يتحقق في يوم ما، يحافظ عليه، كامنا في نفسه. ولما كان يعيش مغتربا في العالم، يعيش في نظام لم يختره ولم يستشره أحد فيه، فإن وعيه بذاته يتحجر خارجا عنه ويتشخص فوقه، يجله ويعظمه حتى يؤلهه ويتعبده. ولما أراد وصفه ومحادثته فقد وصفه بأعز ما لديه، بحلمه الذي لم يتحقق، فيقول: «الله واحد». فإذا ما تغيرت الظروف، وتحقق الحلم وأصبح الإنسان واحدا بلا منافذ تتسرب من خلالها طاقاته، وأصبح مجتمعه واحدا بلا طبقات، بلا غني أو فقير، بلا عظيم أو حقير، بلا قاهر ولا مقهور تتحقق الصفة، وتتحول إلى واقع حي معاش. هنا يسترد ذاته المغتربة ويصبح من جديد واعيا بذاته فيرد لها وصفها المغتصب. وهذا لا يتحقق بطبيعة الحال إلا باكتمال شرطي الوعي بالذات والوعي بالتاريخ.

ويمكن تحليل الأسماء بنفس الطريقة. فما ظنه الإنسان على أنه «أسماء الله الحسنى» من أحصاها فقد دخل «الجنة» هي في حقيقة الأمر مثل الإنسان العليا النظرية من علم وخبرة وشهادة وحكمة أو العملية من عدل وقسط، وما يبغيه من رحمة ولطف وود وكرم. ولما كانت هذه المثل بعيدة المنال لم يحققها الإنسان بعد في حياته، فإنه مع ذلك لا يتخلى عنها ويظل ينظر إليها كباقة زهر يتغنى بها ويتعبدها كالكواكب الساطعة والنجوم المضيئة في ظلمة الليل البهيم. فإذا ما تحققت الحكمة والعلم والرحمة والعدل والقسط والود واللطف والحلم في حياته تتحول الأسماء إلى حالات شعورية وأوضاع اجتماعية. وعندما يستمد الإنسان ذاته المفقودة المدفوعة خارجه، والمقذوفة أعلاه، يسترد لها أسماءها فيصبح الإنسان رحيما ودودا عفوا غفورا شكورا حليما ... إلخ. وإحصاؤها هنا لا يعني عدها الحسابي، بل تحققها في حياته العملية وتشبهه بها، وتمثلها وتحويلها إلى سلوك وأبنية اجتماعية حتى يصبح المثال واقعا، والوحي طبيعة، والله عالما. والجنة هنا لا تعني الجنة الموعودة خارج الأرض، بل تعني تحقيق المثل العليا في حياته وبالتالي يتحول عالمه إلى نظام مثالي، إلى أرض موعودة جديدة، إلى دنيا تتحقق فيها الآخرة. عندئذ يصبح «ملكوت السموات» قريب، ويتحقق الوعد، ويرث الأرض العباد الصالحون، وتتحقق الخلافة، وتؤدى الأمانة، ويقابل فعل الخلق من الله بفعل الإبداع من الإنسان. فإذا كان الخلق يعني انفصام المثال عن الواقع فإن تمثل الأوصاف والصفات والأسماء كأبنية نفسية واجتماعية تعني وحدة الواقع في المثال، وبالتالي ينتهي الزمان، ويتحقق التاريخ. (4-2) القضايا السالبة

وهي القضايا التي يكون الله فيها أيضا موضوعا، ولكن يكون المحمول منفيا، فالنفي للمحمول وليس للموضوع، مثل الله ليس جاهلا، الله ليس عاجزا، الله ليس ميتا ... إلخ. وهي تعني أيضا في نشأتها وتكوينها نفس ما تعنيه القضايا الموجبة ولكن على نحو مضاد وعن طريق القلب. قد يكون النفي بحرف «لا» مثل لا في مكان، أو بالحرف «ليس» مثل ليس بجاهل، أو بكلمة «غير» أو بأداة الاستثناء مثل «إلا الله» أو بأية أداة نفي أخرى. وفي هذه الحالة يقوم الشعور أيضا بعدة عمليات رئيسية على شكل خطوات لا شعورية تكون قواعد في المنهج اللاشعوري. أولا الحكم بأن صفات الإنسان كالموت والانفعال والمعاناة والأهواء ... إلخ صفات نقص في حين أنها مكونات الإنسان وأبنيته النفسية والاجتماعية المتغيرة. ثانيا إسقاط صفات النقص هذه على المؤله المشخص القابع في الكمال ثم نفيها عنه، وهو موقف يقوم على اتهام الذات بكل صفات النقص ثم التخلي عنها وعدم تغييرها من أجل نفيها بالكامل، أي أنه موقف يقوم على تعذيب الذات وتبرئة الغير.

وتفصيلا لهاتين الخطوتين الرئيسيتين يقوم الشعور بتطبيقها على خطوات أدق. أولا: الاعتراف بالموقف الإنساني والإحساس الواقعي به على عكس القضايا الموجبة التي كان فيها الإحساس بالمثل غالبا. هنا اعتراف بأن الموقف الإنساني موقف طبيعي به الجهل والعجز والموت والصمم والبكم والعمى والانفعال، وينتابه العدم والحدوث والفناء والشيئية والمحل والكثرة، وتعتريه القسوة والعبودية والدنس والحرب والكفر والذل والانتقام والعقاب والصغار والقساوة والجحود والنسيان والإهمال والشح والفظاظة والظلم والبطلان ... إلخ إلى آخر مضادات الأسماء. بالتالي فإن الموقف الإنساني الطبيعي هذا موقف شرعي لأنه إقرار بواقع. ثانيا: الحكم على هذا الموقف الإنساني في شتى جوانبه بأنه نقص وعيب يجب التبرؤ منه والتنكر له ونفيه. وهذا هو الخطأ اللاشعوري. فالموقف الإنساني بطبيعته أقرب إلى الجهل منه إلى العلم، وإلى العجز منه إلى القدرة، وإلى الظلم منه إلى العدل. وأن عظمة الإنسان لتتجلى في القدرة على التحول من طرف إلى آخر بفعل الإرادة الحرة وبإدراك العقل المستقل. وذلك هو التحدي، وتلك هي الرسالة. فما يظن أنه نقص هو في الحقيقة كمال أو شرط كمال. وما يحكم عليه أنه عيب هو في الحقيقة شرف أو طريق الشرف. فمن عظمة الإنسان أنه يموت ليخلد، ويمرض ليصح، ويعجز حتى يقدر، ومن ثم الانتقال من الواقع إلى المثال. ثالثا: تشخيص الوعي بالذات خارج العالم وتحجره وتجميده وتثبيته خارج الإنسان ثم إجلاله وتعظيمه وتأليهه وتعبده حتى تصب الحياة كلها فيه في النهاية ويفقد الإنسان حياته ووجوده بعد أن فقد وعيه بالذات. وهي نفس المرحلة في القضايا الموجبة واستعمالها كمشجب تعلق عليه الصفات. رابعا: إسقاط كل الصفات التي حكم عليها الإنسان بأنها عيب ونقص مثل الجهل والعجز والموت وإطلاقها عليه، ورؤيته من خلالها، وكأن الإنسان يريد التخلص منها فيقذفها خارجه كما قذف وعيه من قبل خارجه. خامسا: يسارع الإنسان بنفي صفات النقص والعيب بعد إسقاطها على الذات المشخص حتى يبرئها من هذه الاتهامات التي ألقاها على نفسه ويتحمل المسئولية وحده وحتى يطهر ذاته المشخص ووعيه المغترب، طوق النجاة له وسبيل الخلاص، فيقول: «الله ليس جاهلا»، «الله ليس عاجزا»، الله ليس ميتا ... إلخ. سادسا: فإذا ما رجع الإنسان إلى الاعتراف بالموقف الإنساني وعدم إدانته، ثم عمل على تحويل الجهل إلى علم، والعجز إلى قدرة، والموت إلى حياة، لم يعد يشعر بالعيب من الأساس، من جهل وعجز وموت، بل يفخر بعلمه وقدرته وحياته. وهذا الرجوع لا يتم إلا عن طريق استرداد الإنسان لوعيه الذاتي، فيعود الذات المشخص داخل الوعي بالذات، وهذا لا يتم إلا بالوعي الفردي من داخل الوعي الجماعي.

وتطبيقا لهذه الخطوات العامة أو التفصيلية يمكن تحليل تكوين القضايا السالبة على النحو الآتي: (1)

الله ليس جاهلا: تعني أن من مكونات الموقف الإنساني الجهل. فالإنسان قد يكون جاهلا وقد يكون عالما. والتحدي أمامه هو الانتقال من الجهل إلى العلم. ثم يحكم الإنسان على الجهل بأنه عيب ونقص، وهو حكم شرعي يدل على اتجاه الإنسان وميله إلى العلم. ولما كان الإنسان مغتربا في العالم، قاذفا بوعيه بذاته خارجه، ثم أراد أن يحادث نفسه الخارجية وأن يصفها، فأسقط صفة الجهل عليه. ولكنه سرعان ما ينفيها مبرئا أعز ما لديه من أسوأ ما لديه من نقص وعيب فيقول: «الله ليس جاهلا». وفي الوقت الذي يقضي فيه الإنسان على جهله ويصبح عالما، ويسترد وعيه بذاته إلى داخله، فإنه في هذه الحالة لا يتراءى له نقصه ولا يسقطه على شيء ولا ينفيه، ولا يقول: «الله ليس جاهلا»، بل يبحث عن مظهر نقص آخر أو أن يصف الله بأعز ما لديه حينئذ وهو العلم إن لم يكن قد تحقق كلية ويقول: «الله عالم». ولكن يظل حكى النفي هو الأقوى لأن العلم في حالة التحقق ولو النسبي ليس بأعز ما لدى الإنسان؛ لأنه حصل عليه بالفعل أو في الطريق إليه. والإنسان يود وصف ذاته بحلمه وأمنيته التي لم تتحقق. (2)

الله ليس عاجزا: تعني أن الإنسان يعيش في عالم يشعر فيه بالعجز وبأنه غير قادر على تحقيق كل ما يصبو إليه. ثم يحكم لا شعوريا بأن العجز آفة وبأن عدم القدرة نقص وعيب لا بد من التخلص منه. ولما كان الإنسان يعيش مغتربا مشخصا وعيه بذاته خارجا عنه وأراد أن يتوحد مع نفسه من خلال مناجاتها والحديث معها ووصفها فإنه يسقط صفة العجز عليه وسرعان ما يبرئها منها. فالإنسان لا يصف أعز ما لديه بأسوأ ما لديه وهو العجز. وإذا ما استرد الإنسان وعيه بنفسه وبالعالم واستطاع أن يقضي على عجزه وأن يصبح قادرا فإنه لن ينفي عن الله عجزه بل ينفي عنه أحد مظاهر النقص الأخرى التي لم يتخلص منها بعد. ولا يصفه بأنه قادر إما لأن القدرة قد تحققت بالفعل أو لأن النفي أقوى من الإثبات، ودفع التهمة والشبه أكثر تنزيها من الثناء والمدح. (3)

الله ليس ميتا: تعني أن الإنسان يرى الموت نقص وفناء فينزعج من الموت، ويخشى منه، ويدفعه عنه، ثم يحكم على الموت بأنه أحد مظاهر النقص مهما أله الموتى أو عبد الأموات أو حفظهم أو بنى لهم المقابر العظام وخلد آثارهم. ولما كان الإنسان يعيش مغتربا في عالمه يرى وعيه بذاته بعيدا عنه، متحجرا، بعيدا عن شرور البشر وآثامهم، وأراد أن يحادثه ويناجيه ويصفه، فإنه سرعان ما يسقط عليه ولو توهما، ثم يسارع بنفيه، فلا يجوز أن يصف أعز ما لديه بأسوأ ما لديه وهو الموت فيقول: «الله ليس ميتا»، فإذا ما استرد وعيه بذاته داخل العالم، وجعل الموت مظهرا من مظاهر الكمال، فالإنسان لا يخلق ولا يبدع ولا يخلد نفسه إلا لأنه ميت. والإنسان الذي لا يموت لا يصبح الخلود لديه مقصدا ولا للزمن قيمة ولا للعواطف الإنسانية دلالة. ثم يبحث الإنسان إذا ما عاد إليه اغترابه عن مظهر آخر من مظاهر النقص ليسقطه ثم ينفيه. (4)

الله ليس أصم: فالإنسان إذا ما كان أصم فإنه يصبح ناقصا في إحساسه. الصمم نقص إذ إنه لا يسمع الأصوات، ويكون الإنسان الأصم غير قادر على الحديث والاستجابة وغير قادر على سماع الوحي. ولما كان الإنسان يعيش مغتربا في عالمه قاذفا بوعيه خارجه ويريد الارتباط به عن طريق الحديث والحوار ويتغنى فيه، فإنه سرعان ما يسقط عليه الآفة ثم ينفيها في نفس لحظة الإسقاط، فلا يصف الإنسان كنه ذاته بعيوبه وآفاته. فإذا ما استرد الإنسان وعيه بذاته في العالم وإذا ما قضى على الصمم الحسي أو المعنوي فإن النقص يصبح كمالا ولا يقول الإنسان حينئذ «الله ليس أصم». (5)

ناپیژندل شوی مخ