له عقیدې نه تر ثوراته (۲): التوحيد
من العقيدة إلى الثورة (٢): التوحيد
ژانرونه
ودليل الجوهر الفرد صياغة أخرى لدليل الحدوث، وأقل منه ظهورا في المؤلفات الكلامية، وكأنه تفريع صغير على دليل الحدوث. ويتم عرضه في مبحث الوجود أكثر مما يتم عرضه في أدلة إثبات الصانع في موضوع الذات.
74
ومن مميزاته أنه دليل علمي، يجعل الشعور في موقف طبيعي من العالم من أجل نشأة العلم عن طريق البحث عن الجزئيات واتباع منهج التحليل والتدقيق حتى الوصول إلى الجزء الذي لا يتجزأ، وقد كان هذا الدليل أحد مصادر نظرية الذرة عند القدماء، ولكن ماذا يقال أمام العلم الحديث الغربي الآن الذي يجعل الجزء الذي لا يتجزأ يتجزأ إلى جزئيات بالفعل، وأنه يمكن التجزئة إلى ما لا نهاية، ثم يتحول الكم إلى كيف والمادة إلى طاقة؟ ولكن عيوب الدليل أكثر من مميزاته، فهو يقوم على وهم خاطئ لا وجود له لا في الذهن ولا في الواقع، فالشيء لا ينقسم إلا بالوهم والافتراض والخيال. الشيء واحد، جزء واحد أو كل واحد لا ينقسم إلا افتراضا ولا يمكن قسمته بالفعل إلى قسمين، وكل قسم إلى قسمين، فذاك يستحيل عملا نظرا لوجود أقسام صغيرة يصعب قسمتها حتى ولو بأساليب العلم الغربي الحديث. هو افتراض عقلي خالص لا وجود له بالفعل، قائم على إبراز مشكلة الجوهر الفرد الذي لا ينقسم، ومن ثم يحتاج في تبرير وجوده إلى غيره وكأن القسمة تعدمه، فإن استعصى عليه احتاج إلى تبرير لوجوده! وقسمة الشيء إلى شيئين ثم قسمة كل شيء منهما إلى شيئين إلى ما لا نهاية افتراض عقلي خالص. الشيء لا ينقسم، وإن انقسم يكون شيئين، ولا يمكن القسمة بالفعل حتى يتم الوصول إلى المتناهي في الصغر. كل ذلك تمرين عقلي لمتدين يركب ذاته حتى يسمح له بإثبات جوهر فرد يقدر على قسمته، ومن ثم يحتاج لتبرير وجوده إلى غيره. الغير عنده حل لكل المسائل إلا الذات. ولا تفهم الأمور بالرجوع إلى الذات بل بالرجوع إلى الغير وهو ما ترسب في وجداننا القومي حتى الآن بالاعتماد على الغير لا على الذات، وباستبعاد الحلول الذاتية وإلقاء التبعة على الآخرين. وما المانع أن تستمر القسمة افتراضا إلى ما لا نهاية حتى نصل إلى المتناهي في الصغر الذي ينقسم إلى ما لا نهاية؟ فالموضوع باق إلى الأبد طالما له ثقل حتى ولو تحول إلى طاقة كما هو الحال في العلم الحديث الغربي، فالطاقة لها ثقل. ولو انقسم بالفعل فإن الشيء لا يصبح شيئا. لو انقسم الإنسان إلى نصفين فإنه لا يكون إنسانا ولو انقسمت الشجرة إلى قسمين فإنها لا تكون شيئا. يأخذ الشيء معنى جديدا ويصبح شيئا جديدا مخالفا للأول. لكل شيء وحدته ومعناه وبناؤه واسمه. الشيء لا يعني الجماد بالضرورة، بل قد يعني الشيء الحي الذي يدل على معنى وحقيقة. وإن افتراض الجزء الذي لا يتجزأ حتى ولو كان موجودا بالفعل لا يثير بالضرورة سؤال النشأة عن طريق البحث عن علة مشخصة تكون هي سبب وجوده. قد يكون هو سبب وجوده من نفسه، وسبب نشأته من نفسه، موجود في الطبيعة، وجوده من ذاته، وأن يكون به نوع من وجوب الوجود. وسؤال النشأة نفسه سؤال ديني وليس سؤالا عقليا يقوم على أن لكل معلول علة، في حين أن المعلول يمكن البحث فيه عن قوانين حركته الخاصة من أجل معرفتها والسيطرة عليها واستخدامها في الحياة العملية دون طرح سؤال النشأة.
75
وبالتالي يكمن خطأ الدليل في الانتقال من القسمة إلى السببية. فعلى فرض الوصول إلى جزء لا يتجزأ فلماذا يستدل منه إلى أنه يحتاج لتبرير وجوده إلى غيره، إلى قدرة أعظم منه هي قدرة «الله». وأيهما أولى إثبات وجود الله القادر عن طريق الجزء الذي لا يتجزأ والمتناهي في الصغر أم عن طريق المتناهي في الكبر حتى يكون جديرا بإثبات قدرة الله؟ فالقدرة على الأكبر أجدر بالإثبات من القدرة على الأصغر. وحتى على افتراض أن سؤال النشأة سؤال شرعي، فإن الدليل يثبت أن الجزء الذي لا يتجزأ له صانع وله علة دون أن يثبت بالضرورة أن هذه العلة هو «الله». يحتوي الدليل إذن على حلقة مفقودة، وخطوة لم تتم، وقفزة شعورية، وهو الانتقال من الصانع إلى «الله» أو من العلة إلى «الله». كما يثبت الدليل «الله» خارج العالم، وخارج الأشياء، متقدما عليها، سابقا لها، أفضل منها. وهي نظرة متطهرة لله تفصله عن العالم، تجعل العالم أقل منه مرتبة مما يسهل بعدها الوقوع في التصوف والإشراق من ناحية «الله» وفي المادية أو العدمية من جانب العالم. وقد يوحي في الظاهر أنه يثبت «الله» متصلا بالعالم ولكن تقتصر وظيفته على تفسير نشأة العالم، وهذا إقلال من قدرته كما يتصوره المتكلمون.
76
وما المانع أن يكون التسلسل إلى ما لا نهاية أو أن يكون التسلسل عن طريق الدور؟ لماذا يجب الوقوف بالضرورة إلى واجب ذاته ليس ممكنا، وأن يقف خط التسلسل أو أن يكون بين العلة والمعلول أثر متبادل، كل منهما علة للآخر ومعلولا له؟ يبدو أن الفكر الديني هنا لم يصل بعد إلى درجة كافية من العقلانية وظل أسير الوجدان الديني. إن مفاهيم الوجود بالذات والوجود بالغير، وهما أساس الاستدلال في البراهين على وجود الله، كلها مفاهيم تعكس الصراع بين الفكر الديني والفكر العلمي، فالفكر العلمي يقوم على الوجود بالذات وتفسير الشيء من داخله في حين يقوم الفكر الديني على الوجود بالغير وتفسير الشيء من خارجه، وهو التفسير الذي سرعان ما يتحول إلى موقف سياسي واجتماعي بتفسير كل شيء في المجتمع من خارجه، مظاهرة شعبية ضد النظام بفعل المندسين والعملاء أو اعتبار الشعب كله موجودا بغيره في حين يكون الحاكم هو الموجود بذاته . إن هذه المفاهيم كلها مفاهيم اعتبارية تعبر عن مطلب شعوري وليس لها أي أساس في الواقع، فالواجب بالذات والواجب بالغير، والممكن، والقديم، والحادث، كلها مفاهيم إنسانية يسقطها الإنسان على الواقع حتى يفهمه من أجل التكيف المعرفي مع العلم كي يصبح العالم مفهوما فيعيش الإنسان فيه مدركا فاهما في عالم يحكمه العقل وتصدق عليه المفاهيم. الواجب في الحقيقة هو الواجب الأخلاقي، والممكن هي قدرة الإنسان على الفعل، والقديم هو العمق التاريخي للإنسان، والحادث هي الجدة والمعاصرة، والموجود بذاته هو الشعور بالاستقلال، والموجود بغيره هو الشعور بالتبعية. ويكشف أي دليل على إثبات وجود «الله» على وعي مزيف، فالغاية في الظاهر تبدو إثبات تناهي الأجسام، وهي غاية إلهية مقلوبة على الطبيعة أي إثبات لا تناهي «الله».
77
والوعي الشرعي بالعالم هو القادر على إعادة اللاتناهي إلى العالم دون البحث عن تعويض عنه وإجهاد العقل في البحث عن الدليل. (5) دليل الإمكان
ودليل الإمكان أقل شيوعا من دليل الحدوث بالرغم من أنه يفيد نفس المعنى وله نفس البناء، إلا أنه ظهر عند المتأخرين بعد سيادة علوم الحكمة على علم أصول الدين، وهو مبني على أحكام العقل الثلاثة: الوجوب والامتناع والإمكان؛ لذلك كانت المعلومات الثلاثة: أقسام الواجب لذاته والممتنع لذاته والممكن لذاته، ومنها يتم الانتقال إلى أنواع الموجودات الثلاثة: الواجب والممكن والممتنع.
ناپیژندل شوی مخ