203

له عقیدې تر انقلابه (۳): عدل

من العقيدة إلى الثورة (٣): العدل

ژانرونه

والحقيقة أن الأصلح هنا بالنسبة إلى الإنسان وليس بالنسبة إلى الله. وهو صلاح محدود في إطار الموقف الإنساني ولا يقلل من لا تناهي الصلاح بالنسبة إلى الله وقدرته عليه. ولو كان الصلاح رفع الموانع وإزاحة العلل لكان في ذلك قضاء على الحرية الإنسانية من جديد، إعطاء الصلاح بيد وسلب الحرية باليد الأخرى، خطوة إلى الأمام ثم خطوة إلى الخلف. وإذا كان الأصلح للناس عدم الحياة والابتداء من الآخرة مباشرة فإن ذلك إلغاء للدنيا ورفض للرسالة وترك لنعم الحياة والتحقق والعمل والإبداع والاستشهاد.

إن نفي الصلاح والأصلح هو هدم للعقل والقدرة على التمييز وإنكار لصفات الأشياء الموضوعية، وهو إنكار أيضا للمصلحة وهي أساس الشرع، وهدم لمصالح الفرد والجماعة وما به حياة الأمة وقوام الدولة. وبالتالي يترك الفرد والأمة بلا عقل مستقل قادر على التمييز وبلا إدراك للصالح العام، فيستسلم الجميع لإرادة الحاكم الفرد المطلق الذي يقرر بمحض إرادته ما هو الصلاح وهو بطبيعة الحال الأصلح له والأفسد للأمة. وقد ظهر ذلك في العقائد المتأخرة الموازية للنظم السياسية التي تقوم على سلطان الحاكم المطلق. وإذا كان خالق الأفعال المطلقة الشاملة للعدل خارجا عن الوجوب انقضى العدل، فالعدل والوجوب واجهتان لشيء واحد. إن هدم العقل والشرع هو هدم لكل قانون بما في ذلك قانون الاستحقاق وبالتالي يعيش الإنسان في عالم من الظلم أو من العبث ولا يجد أمامه إلا الاستسلام للحاكم المطلق، يفعل له ما يشاء؛ وينتهي الأمر كله عنده إلى الرضا بالأمر الواقع، فيرضى الفقير بفقره ويسر الغني بغناه، ويتحول العدل الإنساني إلى ظلم إلهي، ويعود العدل من جديد في بطن التوحيد.

7 (2) إثبات الصلاح والأصلح

إن فعل الصلاح والأصلح ليس قانونا صوريا أو فعلا مطلقا لإرادة خارجية، بل قانون مادي قائم على صلاح الإنسان والأصلح للأمة. ليس الإنسان هو الفرد الأوحد، بل الإنسان العام الذي لا يتغير بتغير الزمان والمكان. وليست مصالح الأمة هي الأمة الفريدة بل هم البشر في كل زمان ومكان. وهي حقيقة إنسانية تقوم على العقل والطبيعة؛ لذلك قام الوحي على المصلحة، وأصبح أساس التشريع درء المفاسد وجلب المصالح. إن اختيار إنسان للأصلح ضرورة مطلقة في النظر والعمل، في الوحي والتطبيق. المصلحة أساس الشرع، لا تعبر عن تكوين ذات مشخصة بقدر ما تعبر عن الحياة الإنسانية، لا تطبق على الله بل على الإنسان. والله بإنزاله الوحي يبغي مصلحة الإنسان كما يبغي مصلحته الخاصة. ولا يبغي الله مصلحة نفسه كما لا يبغي الإنسان مصلحة الله؛ فالمصلحة أساس علم الأصول بشقيه؛ علم أصول الدين وعلم أصول الفقه. الصلاح والأصلح هما إذن ضمن الواجبات العقلية مثل الخلق والتكليف وشكر المنعم، وأحد وسائل تنزيه الله عن فعل القبيح. وهي واجبات يتصورها الإنسان في الطبيعة بصرف النظر عن الذوات المشخصة، الإنسان أم الله. وإذا ما قيل إنها واجبات على الله، فإن ذلك يكون قياسا للغائب على الشاهد.

8

والشاهد هو التجربة الإنسانية أو تجارب الجماعة والتاريخ، وهي مصدر الحقيقة الإنسانية وحوامل المعاني. ولما كان فعل الأصلح مشاهدا في هذا العالم كان فعله أيضا في أي عالم آخر. وأن قسمة الأحكام إلى واجب ومندوب لا تعني نقصا في ضرورة الأصلح؛ فالمندوب لا يعني تمنيا وتفضلا، بل هو الأصلح المختار الذي يكشف عن حرية الإنسان في اختيار الأصلح. فالصلاح متفاوت الدرجات والإنسان يختار أعلاها لنفسه؛ لذلك كان فعل الصلاح لا ينافي تكافؤ الفرص لأنه اختيار إنساني. وإذا كان الله من خلال الوحي قد فعل الصلاح فإن الإنسان له حرية الاختيار في أن يزيده، وبالتالي يفعل الأصلح أو يقله فيفعل الأقل صلاحا.

9

فإن قيل: إن كان الله يفعل الصلاح فهل يفعل الأصلح؟ وهل يمكن أن يفعل الصلاح وهو قادر على فعل الأصلح؟ وهل هو قادر على فعل الأصلح ولا يفعل إلا الصلاح؟ قيل إن كل هذه افتراضات وهمية ناتجة عن افتراض تدخل إرادة خارجية في الحياة الإنسانية. وإن من المشاهد في الحياة الإنسانية أن الإنسان لا يدخر وسعا في فعل الصلاح والأصلح. وإذا اختار بين الأقل صلاحا والأكثر صلاحا فإنه يختار الأصلح. وإذا اختار الآن الأقل صلاحا فقد يكون لصلاح أعظم فيما بعد. إن اعتبار الأصلح للإنسان بعد الخلق والتكليف، كإنسان حر عاقل واعتبار الأصل له نهاية وكل وغاية إنما تفضيل للواقع على الممكن، وإيثار للعمل على النظر. وما الفائدة من أصلح نظري غير محدد ولا يتحقق منه شيئا؟

10

فإذا ما كان هناك أصلح نظري لا يستعمل فإنه يصبح لطفا، وبالتالي يصبح السؤال: هل يقدر الله على خلق لطيفة لمن علم أنه لا يؤمن كي يؤمن؟ وهنا يقدم العقل للشعور صفتين متعارضتين، هما القدرة والعلم، حتى تكون فرصة أمام الشعور للتعبير عن عواطف الإجلال والتعظيم. فالإثبات تأكيد لسلطان القدرة على حساب العلم، مع أنه أيضا صفة مطلقة، ولكن يشفع لها أنها تتدخل لصالح الإنسان. والتدخل في حد ذاته حتى ولو كان لصالح الإنسان قضاء على استقلال الحرية الإنسانية وحل الشق الثاني من العدل، أي الحسن والقبح العقليين، على حساب الشق الأول منه، وهو حرية الأفعال. وإذا ما ثبت الوضع القديم إن كان فيه ضرر على الإنسان فكيف يحدث ذلك والتأليه منبع الخير؟ أما النفي فإنه تأكيد للحرية الإنسانية حتى ولو كانت في غير مصلحة الإنسان. فالفعل الحر المستقل نابع من إرادة الإنسان حتى ولو كان ضارا له. ويؤثر الإنسان فعلا حرا ضارا على فعل نافع من إرادة خارجية تعمل لصالحه.

ناپیژندل شوی مخ