187

له عقیدې تر انقلابه (۳): عدل

من العقيدة إلى الثورة (٣): العدل

ژانرونه

خامسا: الواجبات العقلية

لما كان العقل أساس النقل سواء قبل البعثة أو بعدها، تظهر الواجبات العقلية من طبيعة العقل؛ ومن ثم كان الوجوب عقليا وليس عاديا يتم بجريان العادات وبتكرار المجريات.

1

فماذا يعني الوجوب؟ إن تحليل اللغة المستعملة في التعبير يكشف مستويين؛ المستوى الإنساني حيث تكون فيه اللغة تعبيرا عن موقف إنساني ثم مستوى إنساني أيضا يقوم على ادعاء أن اللغة تعبر عن موقف غير إنساني، موقف مطلق مشخص.

2

ومن ثم فالواجب ليس صفة لوجود مشخص ضروري بل صفة لمعنى إنساني، وجوب القيم وموضوعاتها واستحالة عدمها. ليس الوجود الضروري وجودا صوريا ولا يتحدد بالاستحالة المنطقية ولا وجودا ماديا يتحدد بالاستحالة الطبيعية، بل هو وجوب إنساني يتحدد باستحالة غياب القيمة. الوجوب هو الباعث على الفعل والإحساس بالدعوة وتحقيق الرسالة. الوجوب هو الوجود، والوجود هو الوجوب.

3

يطلق الواجب إذن على مستويات أربعة: الأول الواجب الإلهي بمعنى واجب الوجود، وهو افتراض وجود القيمة وجودا موضوعيا ومشخصا تعبيرا عن وجودها الذاتي في الأفعال. الثاني الواجب الطبيعي بمعنى ضرورة الظواهر الطبيعية وحتمية قوانينها، وهو يقابل الوجوب الأول. قد يتحدان معا في وجوب واحد كما هو الحال في وحدة الوجود أو قدم العالم، وقد ينفصلان في وجودين مستقلين كما هو الحال في نظرية الخلق أو حدوث العالم. والثالث الواجب الإنساني، أي ما يترجح فعله على تركه بناء على جلب المنافع ودفع المضار. وهي ليست الأفعال الطبيعية البدائية مثل شرب العطشان وأكل الجائع، سواء كان ذلك في هذا العالم أم في عالم آخر، بل الأفعال الإرادية القصدية التي تكون نتيجة لممارسة الحرية. والرابع الواجب المنطقي الذي يؤدي وقوعه إلى أمر محال أو انقلاب الشيء إلى ضده. ولما كان الوجوب في الطبيعة ضرورتها وحتمية قوانينها، والوجوب في العقل الضرورة المنطقية، بقي الوجوب بمعنى واجب الوجود، أي الله، والوجوب بمعنى الواجب الأخلاقي في الأفعال. وهما في الحقيقة وجوب واحد ووجود واحد. وليس الإشكال في الوجوب الطبيعي مثل الحجر الساقط أو وجوب الشمس أو الوجوب المنطقي وهو ما يلزم من فرض عدمه المحال، ولكن الإشكال في الوجوب الإلهي والوجوب الإنساني، في وجوب الله ووجوب القيمة، إلى أي حد يتحدان وإلى حد يتمايزان؟ وإن كان من الجائز أن يطلق الوجوب على الإنسان، فهل من الممكن إطلاقه على الله؟ ولما كان الوجوب الإنساني يتحدد بجلب المنافع ودفع المضار، فإنه لا يطلق على الله، فالله لا يجلب منفعة ولا يدفع مضرة عن نفسه. وإن فعل ذلك فإنما يفعله من خلال الشريعة لصالح الإنسان ومن خلال الوجوب الإنساني. فالغاية أساس الوجوب الإلهي أو الإنساني بناء على تحقيق المصالح ودرء المفاسد من خلال تحقيق مقاصد الشريعة التي يتحدد فيها القصد الإلهي والقصد الإنساني، وإن كان الوجوب الإنساني يعني ما يستحق تاركه الذم، فذلك مستحيل في حق الله لأنه المالك والمتصرف. وإذا كان الوجوب يعني ما تركه مخل بالحكمة، فإن ذلك أيضا مستحيل على الله لأن أفعاله كلها حكمة ومصلحة . وإذا كان الوجوب يعني ما قدر الله على نفسه ألا يفعله ولا يتركه وإن كان تركه جائز فإنه أيضا لا يجوز على الله لامتناع صدور خلافه عنه.

4

فالوجوب إذن إنساني محض يتم من خلال الحرية والاختيار ومن خلال الترجيح والمقارنة بين البواعث قوة وغلبة. ليس المطلوب إذن المزايدة في الإيمان والتمحك بالألفاظ وتملق شعور العامة وإيمان البسطاء بأن هناك من يقول: «يجب على الله أن يفعل كذا!» وهو المجنون المأفون! فكيف يجوز أن يحكم العقل أو العاقل على الله أو الخالق؟ وكيف يوجب الله على نفسه بعد أن لم يزل غير موجب وكأنه كان مباحا له أن يعذب؛ فأوجب على نفسه غير ذلك؟ وكيف يكون الله موجبا ذلك على نفسه منذ الأزل وهو قول الدهرية؟ ليس الأمر في صياغة الألفاظ. فما من أحد يرضى أن يقال يجب على الله، بل ولا حتى على الإنسان؛ فالوجوب من العقل ومن الطبيعة، من الحكمة ومن الأشياء، وجوب الحقائق العامة الذاتية وليس الوجوب الخارجي. وكأن المزايدة تهدف إلى استدعاء الشرطة وخفراء الدرك للقبض على المجرمين الخارجين على القانون الذين يشككون في سلطة الحاكم ويدبرون مؤامرة لقلب نظام الحكم.

ناپیژندل شوی مخ