ومن حيث انها حدثت لا على وجه الخلل والفساد دلت على وحدة الصانع القادر كما قال تعالى : (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا)
فلهذا السبب ذكر بعد تلك الدلائل ذاك المطلوبين.
أحدهما إثبات الصانع ، والثانى كونه واحدا ،لأن قوله تعالى : ( فلا تجعلوا لله أندادا).
يشمل على إثبات الإله ، وعلى إثبات كونه واحدا.
ثم هنا لطيفة أخرى مرعية فى هذه الآية
وهى : أن الترتيب الحسن المفيد
فى التعليم أن يقع الإبتداء فى التعليم من الأظهر فالأظهر ، مرتقيا إلى الأخفى.
وهذه الدقيقة مرعية فى هذه الآية.
وذلك أنه سبحانه وتعالى قال : (اعبدوا ربكم الذي خلقكم ).
فجعل إستدلال كل عاقل بنفسه مقدما على جميع الاستدلالات ، لأن اطلاع كل أحد على أحوال نفسه أتم من إطلاعه على أحوال غيره : فسيجد أنه بالضروره من نفسه[أنه]
تارة يكون مريضا ، وتارة يكون صحيحا ، وتارة ملتذا ، وتارة متألما ، وتارة شابا ، وتارة شيخا.
والانتقال من بعض هذه الصفات إلى غيرها ليس باختيار أحد من البشر.
وأيضا فقد يجتهد فى طلب كل شئ فلا يجد ، وكثيرا ما يكون غافلا عنه فيحصل ، وعند ذلك يعلم كل أحد عند نقص الغرائم وفسخ الهمم :
أنه لابد من مدبر يكون تدبيره فوق كل البشر.
وربما اجتهد العاقل الذكى فى الطلب فلا يجد ، والغر الغبى يتيسر له ذلك المطلوب.
فعند هذه الاعتبارات يلوح له صدق قول الشافعى رضي الله عنه
ومن الدليل على القضاء كونه * بؤس اللبيب وطيب عيش الأحمق.
مخ ۲۴